الرأي العام

بصمات | كلمات مبتورة في رحيل الساروت

د. علي حافظ

لا تحلُموا بعالَمٍ سعيدْ

فخلْفَ كلِّ قيصرٍ يموتُ

قيصرٌ جديدْ

وخلْفَ كلِّ ثائرٍ يموتُ

أحزانٌ بلا جدوى

ودمعةٌ سُدى

             الشاعر أمل دنقل

مات عبد الباسط.. مات آخر الثوار الشرفاء… أجل، في رحيلك، لن تكفي الزهور، ولا الزغاريد، ولا التكبيرات، ولا الرصاص…
كنت نقياً كالدموع، كقطرات الندى.. جميلاً كغروب الشمس، وضحكات الأطفال… كنت حراً مثل طيور السماء، مثل ثلج يتساقط على الأرض، مثل نسمات تعانق السنابل.. حراً من كل هواجس الرعب، والتردد، والانتظار…

……………………………….
إنها لحظة فارقة، فقد حل الصمت في أرجاء مكان، وبقيت السماء وحدها تتكلم بالمطر وتهمس بالضباب البارد… وأنت، وأنت تقف هناك وحدك على  جسر العبور لتلتقط أنفاسك الأخيرة؛ ومن ثم تمتلك قرار اندفاعك باتجاه الغياب…

…………………………………………

……………………………….
رقصت روحي على صهيل الثورة يوماً؛ وكان من المفروض أن أكون معك وأنسى كل شيء في رحيلي. أردتُ الموت بين وميض الرصاص الساحر وأنا أسمع أغانيك؛ لكنني ما زلت أعيش الحياة، التي لم تعشها أنت، ولكن في حمى تضادية.. تركتُ ضجيج الأفكار داخل أقبية حلب، وحب الأرض والحجر والشجر، التي أحرقها الجلاد وحولها إلى رماد، ودخلت جنون الغربة مفرغاً جسدي من النبض والحماس والآهات…
لن أنسى ما حييت أول فيديو لك في حي البياضة الحمصي مطلع حزيران 2011، حيث ظهرت محمولاً على الأكتاف، وأنت تهتف لكل مدن سوريا واحدة بعد أخرى.. ظهرت بقلب مفعم بالشجاعة ووجه مكشوف؛ ليعرف الجميع على الفور صاحب ذلك الصوت الشجي.

ما لبثت أن امتدت الثورة تباعاً إلى كل المدن والقرى والبلدات…، وصارت أغانيك وأناشيدك تصدح في فضاءاتها المتطلعة للتحرر والانعتاق من قمقم أكلة لحوم السوريين ومصاصي دمهم الأصيل…

وأنت تتطلع للسماء محاولاً احتواء الجروح داخلك، سيمر الضوء من خلالك المَثقوب بالرصاص والشظايا الحاقدة كغربال قروية نبيلة، وينير روح البطل فيك، كحواف الغيوم القطنية…

لقد وجدت مسارك يا عبد الباسط، ووصلت إلى موتك مبكراً.. أصبحت حراً مع فضاء البرية، مع همس السنابل، مع دخان العتمة، مع أسرار الأبدية، مع التراب المليء بالجثث البريئة والأحلام الضائعة…

أنت الآن حر مرة أخرى.. حر إلى الأبد؛ فالحرية هي وردة رائحة عطرها أقوى من رائحة ألوف لا تحصى من الورد!

زر الذهاب إلى الأعلى