دعوة لقراءة جديدة للتاريخ
التاريخ ليست عملية انتقامية أو هدم لما مضى، بل هي خطوة ضرورية لفهم جذور واقعنا وتصحيح المسار

د. عقبة عبد النافع العلي – العربي القديم
اليوم هو الوقت المناسب لمراجعة التاريخ بصدق وجرأة. ففي ظل التغيرات العميقة التي تشهدها الساحة السورية بعد التحرير، تبرز الحاجة الملحّة لإجراء مراجعة علمية تحليلية صادقة للتاريخ، خصوصا ًخلال الثمانين سنة الماضية. فقد قُدِّمت بعض الشخصيات خلال تلك العقود كأبطال وتم إدراجهم في كتب التاريخ كرموز وطنية، رغم أن الواقع قد يكون مختلفاً تماماً. فكثير من تلك الشخصيات تم تضخيم أدوارها أو تزييف سيرتها لخدمة مصالح معينة أو لخلق رموز زائفة.
لذلك فإن مراجعة التاريخ ليست عملية انتقامية أو هدم لما مضى، بل هي خطوة ضرورية لفهم جذور واقعنا وتصحيح المسار. وعلينا من خلال المراجعة أن نعيد النظر في سردياتنا، وأن نسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقية. فبعض الجماعات التي أُعطيت تسميات بطولية أو وطنية، ربما كانت في حقيقتها تعمل ضد مصالح شعوبها أو تمثل اتجاهات لا تعكس حقيقة المجتمع.
التاريخ ليس نصاً مقدساً لا يُمسّ، بل هو في بعض الأحيان يحتاج إلى تدقيق ومراجعة شاملتين. إعادة تسمية الجماعات والأحداث، وتصحيح صورة بعض الشخصيات، هو واجب علينا أمام الأجيال القادمة، حتى نستطيع بناء مستقبل أفضل على أسس من الحقيقة والوعي لا على أوهام أو تضليل.
يجب أن تكون المراجعة من خلال أبحاث ودراسات علمية تحليلية واستخدام أدوات ومنهجيات تساعد على الوصول إلى الحقيقة وتجاوز السرديات التقليدية أو المزيفة. ومن خلال:
* المنهج النقدي وفحص المصادر التاريخية وتحليلها بنظرة ناقدة بعيداً عن التعصب أو التقديس. والتشكيك في الروايات الأحادية والبحث عن مصادر متعددة لكل حدث. والاستفادة من الوثائق الأرشيفية (كالأرشيف العثماني والأرشيف الفرنسي والبريطاني)
* التحليل الاجتماعي والسياسي من خلال دراسة السياق الاجتماعي والسياسي الذي وقعت فيه الأحداث لفهم دوافع الأطراف المختلفة. وتحليل أثر الأحداث والشخصيات على المجتمع.
* إعادة تقييم وتصنيف الشخصيات والجماعات بناءً على أفعالهم الحقيقية وليس بناءً على الألقاب أو الدعاية. وإعادة تسمية الفئات والجماعات بطريقة تعكس حقيقتها ودورها الفعلي في التاريخ.
أتمنى من مراكز الدراسات السورية والعربية وخبراء الأرشيف والزملاء الباحثين المختصين في علم الاجتماع وعلم الأنثروبولوجيا وعلم النفس لفهم الجوانب المختلفة للأحداث التاريخية.
فقد حان الوقت لقراءة التاريخ بعيون ناقدة، وأن نتحلى بالشجاعة الكافية للاعتراف بالأخطاء وتصحيحها، فالمجتمعات القوية هي التي تملك الجرأة لمواجهة تاريخها بصدق.
28-07-2025