الرأي العام

عام على الطوفان... ماذا بعد؟

فاضل المناصفة – العربي القديم

يوم السبت السابع من أكتوبر 2023 لازلت اتذكر كيف عوض وابل الأخبار العاجلة من منطقة غلاف غزة جرعة الكافيين الصباحي اللازمة لتنشيط دماغي قبل بداية يوم جديد من الروتين اليومي الممل، سرعان ما إنتهى مفعول الصدمة سريعا ودون أن أغوص في تفاصيل الحدث كثيرا إنتقلت من حالة الدهشة الى حالة الحزن ليس لأنني كنت متعاطفا مع إسرائيل بل لأنني كنت مدركا لعواقب ذلك الهجوم الكبير على سكان قطاع غزة ومتخيلا لمدى ردة الفعل  ضد هجوم حماس في الوقت الذي كان فيه بعض من الشباب الفلسطيني ممن عبرو السياج الحدودي الفاصل أثناء بداية العملية يتجولون داخل ” الكيبوتسات ” المتاخمة لقطاع غزة وبينما تعالت فيه صيحات النصر والتكبير وزغاريت النساء من وسط حي الشجاعية أثناء مرور سيارات حماس وهي محملة بعدد من أسرى جنود الإحتلال، أدركت حينها أنها لن تكون مواجهة إعتيادية ستنتهي بهدنة ووساطة بعد شهر من بدايتها على أقصى حد.

ساعتين بعد الهجوم كانت إسرائيل تبدو وكأنها لا تزال تحت تأثير الصدمة ومع ذلك تمكنت الوحدات الأمنية من أسر وتصفية من تبقي من عناصر حركة حماس داخل الكيبوتس وأغلقت جميع الثغرات الأمنية وإستعادت السيطرة على غلاف غزة كليا وإنتهى الطوفان الحمساوي كما بدأ سريعا و إختفى السنوار وأطل علينا المتحدث الإعلامي لكتائب القسام أبو عبيدة ليعرض قائمة شروط حماس التفاوضية وهدد بتصفية الأسرى في حال لم تتجاوب إسرائيل مع تلك المطالب، وكان ذلك الخطاب الإرتجالي العاطفي قد عبر عن تخبط حماس منذ اليوم الأول من العملية وعن محدودية تفكير قادتها الذين تصورو بأن اسرائيل ستفكر في العدول عن ضرب قطاع غزة تحت ضغط هذا الخطاب، في الحقيقة كانت تلك المساومة بحياة بلأسرى سقطة مجانية وظفتها إسرائيل لزيادة حجم الشجب والإستنكار الدوليين لعملية ” طوفان الأقصى ” ثم المرور لمرحلة الرد .

بدأت الحرب بوتيرة متسارعة وإتضح منذ الوهلة الأولى من الهجوم ومن تصريحات المسؤولين الأسرائيليين والأمريكيين أن إسرائيل تعد العدة لإنتقام يتجاوز بأضعاف مضاعفة حجم الهجوم الذي سمته حماس “طوفان الأقصى”، ودخل قطاع غزة مرحلة مفصلية من تاريخ الصراع مع دخول الدبابات الاسرائيلية لشوارع القطاع، ومع إرتفاع وتيرة وحشية القصف الذي أجبر سكان الشمال الى التوجه جنوبا ومن خلال ما نقلته لنا شاشات التلفزيون وكاميرات الصحفيين المتجولين في قطاع غزة أصبحنا نحس عن بعد بمدى قساوة المعاناة الإنسانية ونتفادى أحيانا متابعة الفيديوهات التي تأتي من قطاع غزة لما تحتويه من مشاهد تدمي القلب .

اليوم وبعد أن مضى عام كامل من الاحداث المريرة وتجاوز عدد شهدائنا الأربعون ألف شهيد، وتدمرت البنية التحتية بالكامل في قطاع غزة، وخرجت أغلب المستشفيات عن الخدمة وتشردت الآلاف من الأسر الغزية في خيم لاتقي حر الصيف ولا برد الشتاء وتضور الصغار والكبار جوعاً، خرج علينا رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الخارج  (خالد مشعل) من منتدى كوالالمبور للفكر والحضارة، ليبشرنا بوصول إسرائيل لنقطة الصفر ويبلغنا بزوالها قريبا في الوقت الذي نرى فيه جميعا كيف ارتد طوفان الأقصى على حماس وكيف تحولت شعاراتها من تحرير كامل فلسطين الى التفاوض من أجل الإبقاء على سيطرتها داخل قطاع غزة وإستعادة معبر رفح وعودة إسرائيل الى حدود أكتوبر 2023 لا حدود يونيو 1967.

من زاوية المناصرين لحركة حماس فإن طوفان الأقصى قد أسهم في إعادة زخم القضية الفلسطينية الى المشهد الدولي، وتمكن من فرملة مسار التطبيع، وتمكن من إلحاق الضرر البالغ في الاقتصاد الإسرائيلي، لكن إذا كان أقصى ما يمكن أن يحققه هذا الزخم هو إعادة إحياء عملية السلام، فما الفائدة منه إذا كانت حماس لا تعترف بالسلام مع إسرائيل ولاتفكر بالتخلي عن “سلاح المقاومة ” وتطالب باسقاط اتفاق أوسلو الذي وقعته منظمة التحرير الفلسطينية؟!

ما المقصود بإعادة الزخم و ما المطلوب منها إذا كانت الطرق السياسية لا تؤدي الغرض وفقا لما تؤمن به حماس أصلا ؟!  وما الفائدة التي ستجنيها فلسطين من فرملة مسار التطبيع ؟ أليس المقصود أن إيران هي المستفيد المباشر من تجميد عملية السلام خشية أن يفضي ذلك إلى اتفاقيات أمنية تهدد أمنها القومي؟

يروج الإعلام الحمساوي لانهيار اقتصادي في اسرائيل جراء الخسائر البليغة التي ألحقها طوفان الأقصى وهو أمر تتناقله المعارضة الإسرائيلية أيضا وتكشفه الأرقام المسجلة فعلا عن تراجع أداء السياحة ونشاط التجارة الخارجية وقطع العلاقات مع تركيا وبوليفيا وكولومبيا، مع ذلك ولنكون واقعيين فإن هذا الشيئ ليس بجديد على إسرائيل وهي على مرمى النيران منذ تأسيسها وتجاوزت بنجاح كلفة الحروب التي خاضتها على مدار 8 عقود من دون أن تنهار مادام الدعم الأمريكي والغربي يضل سخيا، وإذا ما قارنا كلفة الخسائر المادية التي لحقت بقطاع غزة جراء سلسلة الحروب التي وقعت مقارنة بما قدمته إيران وقطر فإننا نرى بوضوح أن كفة الخسائر تميل بثقلها إلى جهة قطاع غزة.

أراهن أن العديد ممن يقتاتون من مهنة التحليل والتنظير والتمجيد لحركة حماس و لمحور إيران ولإنجازات طوفان الأقصى من خلف الكاميرات وداخل الإستديوهات المكيفة، ليس بإمكانهم أن يمضو يوما واحدا في شققهم الفاخرة بلا كهرباء أو ماء أو إنترنت من دون تذمر، فكيف لمئات الآلاف من الغزيين الذين يكابدون العيش في ظروف قاسية أن يقتنعو بما يروجه هؤلاء الدجالون عن نصر حماس الكبير بينما يكشف الواقع عكس ذلك تماما، وهل تصنع أشرطة الاخبار العاجلة الفارق وهي تفيد بسقوط  ” مفرقعة إيرانية ” على مكان خال في الداخل المحتل أو على هدف عسكري بأضرار لا تكاد تذكر ؟

لا جدال في أن سكان قطاع غزة يمنون النفس بأن تأتي الأيام القليلة القادمة بخبر مفاده عقد صفقة تنهي الحرب الدائرة ومعها معاناتهم اليومية المريرة ما بين البحث عن قطرة الماء ولقمة العيش، لكن على النقيض من ذلك فإن قادة حماس في الداخل والخارج منشغلون بقطع الطريق على عودة السلطة الى حكم غزة أكثر من إنشغالهم بما يحدد شروط وقف الحرب وإنهاء الكارثة الإنسانية، وعلى العموم فإن ما يهمنا اليوم هو الوصول الى صفقة تنهي حمام الدم المهدور، قبل الحديث عن شكل ووجه السلطة التي ستشرف على إدارة مستقبل قطاع غزة، وسنترك للتاريخ الحكم بالتفصيل على مغامرة السنوار بما لها وما عليها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى