الرأي العام

المشروع الايراني وتداعيات انهيار حزب الله

إيمان أبوعساف – العربي القديم

المنطقة تتغير والعالم بتغيّر. هو قرار عبرت عن ضرورته السياقات التي اتخذتها  الأحداث؛ فالوقت الذي صمم فيه حزب الله ليكون لم يعد مناسباً، لقد استنفذ وظيفته. ويبدو أنه لعب الأدوار المطلوبة منه جادا ومخلصا لحد التضحية بفطنته، والتسليم  لمن أسسه ودعمه، فأصبح اجترارا  فعليا له، وإعادة رواية للسردية الأغرب في تاريخ المنطقة… السردية التي أرادت منها إيران  التجني على الشخصية العربية  المؤسسة أصلا على سلوك غير ديمقراطي متجذر.

إيران اجتهدت كثيرا لتغير كل شيء… اجتهدت استحضارا للسرديات والنصوص التي اخترعتها وآمنت بها وألبستها لبوساَ إسلامياً، على اختلاف قيمتها  وفبركاتها ومقاربتها للديني.

هذا في الداخل ومن المدهش أن لا تدرك الفرق الزمكاني  لحضور الأيديولوجيا التي ولفتها، ولم تتمهل حتى لتفقد قدرتها على الانتاج والاثمار في شتى المناحي والمجالات. ويبدو أن عملية التريث قد تحمل في جنباتها وخباياها اقتراباً من النقد، والنقد يعني فتح الأبواب على رؤيا مغايرة قد تسبب وهن في التوهم الأيدولوجي المستحضر.

وبنفس السعي والهمة بدأت خطتها لتصدير “الثورة” على الطريقة الإيرانية، الملأى بالأحقاد والفتن والمشاريع التدميرية،   وعلى أساس ومقتضى الدين والتاريخ والجغرافية  تناولت المنطقة، والمنطقة غارقة  في اشتباكات متعلقة  بالصراعات  مع عدو محتل، وفي صراعاتها البينية والداخلية مع إرث آخر.   

فالحكومات  التي حملتها العقائد الشمولية للحكم  كانت محكومة بالبحث عن اقصى درجات ضبط شعوبها، وليس همها الاول أي تحول يقود إلى إقامة دول مؤسسات ومواطنة، الأمر الذي هيأ  لحضور المشروع الاسلامي الإيراني… هذا المشروع كان كما هو معلوم، مدعوما بل مشروعا امريكيا وغربيا على العموم، ويحقق أهدافاً متعددة  منها خداع المنطقة بأن تفهم ما حصل فيما يتعلق مع الدين الاسلامي براوية فتنوية تؤجج الصراعات، وانه  في الوقت الذي  اشتدت فيه غلواء التشدد  كانت أميركا تلفق الطرح الإيراني 

تضايَفَ وتكامل إذا المشروعان على حساب  تغافل وقصدية الحكومات والأنظمة وافتقارها لأي مشروع مواجهة غير الحفاظ على السلطة…  ولم يكن مهما أبدا تحقيق العدالة والتعددية  والعقد الإجتماعي و..و… ولا أدعي الفطنة عندما أشير الى وضوح دلالات الرغبة السلطوية  للساسة والحكام في المنطقة  ونزعة الهيمنة الغربية

عقود أنتجت كل هذا الخراب المشهود، وصار تناول الوضع البائس الى أقصى الحدود في ظل الهيمنة المركبة  نوعاً من الهرف أو التخيل. ويتمظهر الغضب بسطوع في الثورة السورية التي بدأت بالمطالبة بحلول جذرية لقضايا متعلقة بحقوق الإنسان وكرامته وحقه في الحياة المتحررة من الخوف وتغول المخابرات.

ويبدو أن الثورة  كانت مناسبة كحدث في قلب الشرق الاوسط  كمفتاح  للشروع في تنفيذ ماعرف تحت اسم الشرق الأوسط الجديد.

امتدت الثورة متعثرة  وتلونت أهدافها بتلون قادتها ومتعهديهم، وأخذت اشكال من الصراع غير مسبوق، فقد كانت سيولة  المشروع الامريكي تغرق المنطقة بحيل السياسة المرواغة  والتي اتخذت شكل الحفاظ المشروع الايراني وتداعيات الأزمة.

اتخذت شكل الحفاظ على الصراع  واثارته كلما لاح في الأفق اي بوادر لحل ما. واستطاعت توظيف قوى كبرى واقليمية  في الحفر البعيد لتمتين  دعائم واسس مشروعها. ووسط جدال سياسي وعقائدي وديني ومعرفي  وتوليد مستمر للأزمات  بدا المشروع يفصح عن نفسه، وأخذت تجس نبض المرجعيات كلها  واذا كان مناسبا ومواءما للمشروع، ويبدو ان المرجعيات كانت متوسدة  باطمئنان على نظمها الفاسدة… ومقتنعة ان ما استقرت عليه الامور هي مقبل الأيام. و كالعادة تحركت المنطقة على إيقاع  قناعاتها، وتم الأغلاق على هذه القناعات  على أساس أنها ثوابث. ويظهر حزب الله كذراع إيراني  انه مثل هذا الاتجاه  لقد قرأ الحزب  المنكوب  بعمى العقيدة الوضع بلوثة الولي الفقيه  وبلوثة البنى  المنهارة في المنطقة. ووقع بتلك القراءة  في عين العاصفة، وهنا اكد ـصحاب المشروع انها البداية للإفصاح والاعلان والشروع

وكي لاننسى علينا ان ندرك مدى استمرار الاذرع والنظم كان  يستمر مع حوافز  من الظروف الاقتصادية  والفكرية السائدة. ولقد أتت الظروف غير مواتية  من هذه الجهة، لأن نفسها قامت بغباء  وعتو  بتدميره  لتحشد لخطاب  تدميري. وهكذا تشقق الخطاب الاسلامي  بشقيه الشيعي والسني. ومن المؤكد أن قراءات متعقلة  وناقدة  ومتبصرة للاسلام، طرحت كحوافز  للتقدم والتطور والوصول بها  الى مشاريع ديمقراطية في المنطقة؟

وعلى المقلب الآخر كان اصحاب مشروع الشرق الاوسط يقرأون حسب مصالحهم، ولنعترف ان امريكا استطاعت أن تخلق كل الشروخ وكل الاتجاهات المتعاكسة  عبر تواطؤ تسميه “شراكة”. الشراكة تمت مع نفس الانظمة والاذرع والتي تعمل اليوم على ازالتها  جذريا بالوسيلة والغاية.

لقد نفذت صلاحية المشروع  الأيراني المتداخل مع الديني  ونظم الاستبداد الأمنية، والآن نحن في قلب الخراب والحطام  وفي خضم كم من الأسئلة والمعضلات، ولعل أصعبها إطلاقا  كيف نكون موقفا صائبا ونحن في حالة الصدمة؟ لقد رفعت أمريكا عبر إسرائيل  معركتها مع الاسلام بشقيه نحو اقصى سقوفها. 

في هذه اللحظة التاريخية  كيف نكون هويتنا  ونحدد ملامح واضحة  ونتعلم ان نكون في قلب السياسة   وكيف ننقذ انفسنا من اتهامات الاسلام الإرهابي الذي لفقته امريكا واسرائيل وتدبرته  وظيفيا مع ايران، وهل نستطيع ضبط انفسنا مع إرث تقيل  في التشابكات والأزمات والصراعات الإسلامية؟ وهل يمكن أن نقارب  رؤيا  ديقراطية تعددية مؤمنة بحقوق الإنسان؟ ولكن هل نملك وقتنا وسط هذا الاحتدام من اجل تنظيم استحقاقاتنا الكلية  بدءا  بالقيمي والثقافي والاقتصادي والسياسي  معا وخطوات عادلة ومتوازنة؟ 

ولابد أن نستذكر كل العقائد والآراء  هي حالات فعل بشري؟ ويمكن بهذا الفعل الواعي والمتبصر ادراك  مانريده  وما يريده الآخر… وأعتقد ان الوقت ليس في صالحنا  وعلينا الاسراع والتجاوب  بذكاء وندية مع مشروع بدأت  ملامحه تفرض بالقوة.

المنطقة تتغير والعالم بتغير.. هو قرار عبرت عن ضرورته السياقات التي اتخذتها الأحداث، فالوقت الذي صمم فيه حزب الله ليكون لم يعد مناسبا. لقد استنفذ وظيفته… وحتى لو بقي فلن يكون هو نفسه حزب الله قبل مجزرة البيجر واغتيال نصرالله؟ 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى