الدين الشعبي في مواجهة الضباع الطائفية
انتصار الدين الشعبي وتحريره من دنس السياسة والقتلة أيا كان مذهبهم جزء مهم من تحرير الأوطان.
أحمد برقاوي – العربي القديم
عاش الدين الشعبي في بلاد الشام والعراق بكل أنواعه وطوائفه دون أن يكون طائفياً على الإطلاق. والضباع الطائفية طارئة على حياتنا المعشرية وقد خرجت من إسطبلات السلطة، الضباع الطائفية نجحت في تلويث فضاء الحياة النظيف بروائح وسخها، لا فرق في الحيوانات الطائفية سواء كانت حيوانات ترتدي ربطة العنق أو كانت ترصع أكتافها بالشارات العسكرية، أو كانت تخفي رؤوسها بالعمائم.
يختفي بعض المثقفين وراء حداثة زائفة، بالنظر إلى الثورات الشعبية العربية على أنها صراع ديني ثقافي، حيث ينظرون إلى الثقافة التقليدية عاملاً واحداً وحيداً لفهم ما يجري. وبالتالي تبرئة السلط المستبدة من مسؤوليتها عن هذا الخراب الحاصل.
فإذا كانت الحداثة انتصار العقل وحرية الإنسان والديمقراطية والمواطنة والمساوة في الحق دون النظر إلى الطائفة والدين والمنطقة والعرق، فإن تبرئة سلطة ديكتاتورية تدمر لبنات الحداثة الأولى وتحول دون ظهور أية حداثة، وتحطم المجتمع عبر القمع والعصبية المتخلفة، ومنع قيم الحداثة من الوجود، والحيلولة دون تعيينها في الواقع، بل وتدمير الدين الشعبي وقيمه وبعث أحط قيم تدمير الحياة المعشرية، فإن رد المسؤولية إلى الثقافة موقف لا أخلاقي من جهة وهروب من الموقف السياسي بل إغراق في عصبية ما قبل حداثوية. إن الثقافة عامل فهم من جملة عوامل لكنها ليست أداة تزييف وهروب وتبرير.
إنها تبرئة للقتلة من ميليشيات حزب الله وما شابهها من ميليشيات الوسخ التاريخي. فما قصة حماية الأماكن المقدسة في سوريا والعراق التي طلع علينا بها حزب الله وإيران؟ وممن سيحمونها؟ ومن كان يحميها منذ أكثر من ألف عام؟
خاضت إيران وحزب الله معركة سياسية عسكرية مدنسة ضد حرية شعبي سوريا والعراق، انطلاقا من موقف طائفي-سياسي فقط، وإضفاء المقدس على هذه الحرب المدنسة تبرير أيديولوجي مكشوف وفج.
أولاً ليس هناك من أشخاص مقدسين في الإسلام ولا قبور مقدسة. هناك مكانة خاصة تستدعي احتراماً خاصاً.
ثانيا إن هذه الأماكن التي ينظر إليها حزب الله والإيرانيون على أنها مقدسة حماها الوعي الديني الشعبي في كلا البلدين، وإلا لما استمرت في البقاء حتى الآن… وبالتالي إن تجييش الشعور الطائفي عبر الدفاع عن المقدس في خدمة السياسة، لا يختلف في شيء عن تجييش الوعي المسيحي في أوربا أيام الحروب الصليبية على أنها دفاع عن القدس.
وهب إن قبور من ينتمون إلى آل البيت مقدسة أليس في خطاب زائف تفوح منه رائحة الهيمنة والسياسة تدنيس المقدس. أليس الكذب على المقدس وباسم المقدس انحطاط أخلاقي. أيهما أكثر قدسية عند الإله أيها المدافعون عن المقدس القبري، مئة ألف طفل قضوا… أم القبور التي تقدسون؟
واعلموا أن انتصار الدين الشعبي وتحريره من دنس السياسة والقتلة أيا كان مذهبهم جزء مهم من تحرير الأوطان. الدين الشعبي دين حب الله وليس الموت من أجله.
مدننا كبيرة، مدن حرفة وصناعة وتجارة، وقرى زراعية منتجة، بلادنا متعددة الأديان والطوائف والإثنيات، سوريا بلد الفئات الوسطى الواسعة، بلد ثقافة الإبداع الأدبي والفكري والموسيقى. ثورات الشعب قامت من أجل حريتها ومن أجل القضاء على العصبية الطائفية، ومن أجل وطن حر يقضي علي همجية قل مثيلها في التاريخ.