العربي الآن

الفوارق وقحة وعلنية: عن الصراع الطبقي ومقال فواز حداد

العالم لا يعيش صراع طبقات بقدر ما يعيش هندسة للصراع

نوار الماغوط – العربي القديم

أقدّر المقال الذي كتبه الاستاذ فواز حداد تحت عنوان “الصراع الطبقي.. هل يعود؟” والمنشور في الزميلة “العربي الجديد” بتاريخ 10 يونيو 2025، وهو  يقدّم قراءة  سريعة للتاريخ الطبقي وتحولاته، وأتفق معه في أن الصراع لم ينتهِ، بل تغيّر.

وإذا كان صراع الطبقات قد تغيّر، فإن أدوات مقاومته يجب أن تتغيّر أيضاً، وأنه في ظل تعمّق الفجوة الاقتصادية والاجتماعية، وصعود طبقات تكنولوجية رقمية تسيطر على مستقبل الإنتاج. فإن الحلول لا تكمن في ثورات جديدة بالضرورة، بل في سياسات عقلانية وعدالة ضريبية وإرادة سياسية تعيد التوازن… وبالتالي فإن فواز حداد في هذا النص لا ينفي مفهوم الصراع الطبقي، كما علمنا اياه ماركس بل يعيد تأطيره في واقع  جديد في سياق اقتصاد رقمي، رأسمالية فائقة السرعة، وطبقة وسطى خائفة. وهو لا يدعو لصدام مباشر، مع الطبقة التي تملك وسائل الإنتاج بل لتفكير جديد في العدالة الاقتصادية، ما يجعله صوتًا عقلانيًا في نقاش بات باهتاً حالياً.

نعم اتفق مع الاستاذ فواز أن الصراع الطبقي لم يغِب، لأنه ببساطة لم يُحلّ. وقد أحسن في تتبّع مسار الطبقات عبر التاريخ، لكن الواقع اليوم أوضح من أي كلام فلم يعد هناك تعقيد في تقسيم الطبقات، بل انقسام واضح بين طبقتين فقط الفقراء والأغنياء.

طبقة تمتلك كل شيء، وأخرى تكافح من أجل البقاء. الفوارق لم تعد خفية، بل وقحة وعلنية، ومع ذلك لا تنفجر الأمور، لأن هناك من يدير هذا الصراع بعناية. مهمة رؤساء الدول والشركات العملاقة اليوم ليست القضاء على التفاوت، بل الحفاظ على استمراريته، شرط ألا يخرج عن السيطرة. يتم ذلك عبر سياسات منضبطة بدقه عالية، قليل من الدعم هنا، بعض الوعود هناك، وتهدئة الغضب بالمسكنات وهي المحافظة على الطبقة العاملة بقدر المستطاع لتستطيع إدارة عجلة الإنتاج “الزيت اللازم لإدارة عجلة الإنتاج “.

وبالتالي يمكن القول أن العالم لا يعيش صراع طبقات بقدر ما يعيش هندسة للصراع، حيث تُدار التناقضات لصالح طبقة ضئيلة من الأثرياء، وتُترك الملايين في دوامة من العمل المرهق والعائد المادي الضئيل  الذي يمكنها بالكاد ان تتنفس .

وهنا الحل الذي طرحه الاستاذ فواز رغم عقلانيته من حيث المبدأ، لكنه يبدو مثاليًا أو متفائلًا أكثر مما ينبغي. فالدول اليوم، خصوصًا في ظل النيوليبرالية، أصبحت خادمة لرأس المال لا حارسة للعدالة

وبالتالي لا حلول تأتي عبر تدخلات دولية، وسياسات ضريبية عادلة، وتحقيق عدالة اقتصادية، لأنها  برأيي تبدو  عادلة ، في ظاهرها ولكنها في  جوهرها  خادعه ومزيفه ، لأن أدوات التغيير المفترضة هي ذاتها أدوات القمع والتكريس الطبقي

لن نجد دولة واحدة في العالم، شرقية أو غربية، تقف حقًا في صف الفقراء الذين يشكلون 99% من سكان الأرض. الحكومات، في أنظمتها الحديثة، ليست أطرافًا محايدة، بل حارسات للمنظومة الاقتصادية القائمة، ومنفذة لإرادة رأس المال،

كما ان الرأسمالية الجديدة لا تعتمد فقط على السيطرة المالية، بل أيضًا على الهيمنة الثقافية. يُقنعون الناس بأن الفقر سببه الكسل، وأن المليارديرات يستحقون ثرواتهم لأنهم “أذكى”. لذلك فإن تفكيك هذه الخرافات شرط أولي للتغيير

ومن ينتظر أن يأتي الحل من “فوق”، فسينتظر طويلاً. لا مفر من أن يُعاد بناء التغيير من “تحت”: من وعي الناس، وتنظيمهم، وصبرهم، وإصرارهم.

ولن يحرّرنا أحد… ما لم نبدأ بتحرير أنفسنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى