معارضة تستعدي الشعب: بلا معارضة لن تكون سوريا معافاة… ولكن!
غياب المعارضة، يتيح للسلطة الانفراد بالقرار، ويجعل الحكم أحادي الاتجاه، مهما كانت نوايا وإمكانات القائمين عليه.

العربي القديم – محمد الشيخ علي
عند النظر إلى حال المعارضة الحالية للسلطة الانتقالية، المتمثلة بالشيخ غزال غزال والهجري وتيار «قسد» وبعض أبواقه الإعلامية، يشعر المرء بالحزن.
وليس الحزن على هذه الشخصيات بحدّ ذاتها، بل على سوريا، لأن سوريا تستحق معارضة حقيقية تُوجّه الحكومة وتنتقدها نقداً موضوعيا. فالنقد لا يكون بالتهجّم على أشكال الأشخاص أو طول لحاهم، بل بتقييم أعمالهم وسياساتهم وانعكاسها على واقع السوريين. ومن المؤسف أن كثيرا من المختصّين يرون أن المعارضة اليوم تتحول أحياناً إلى عامل إرباك للحكومة، فتبطّئ اتخاذ القرارات أو تفتح أبواباً لصراعات داخلية، بينما تكون في الوقت ذاته عرضة للاستغلال الخارجي بطريقة لا تخدم المصلحة الوطنية.
سوريا تخسر!
شخصيا، أرى أن سوريا ستخسر الكثير بغياب معارضة وطنية حقيقية، معارضة تمتلك مشروعا واضحا وتعمل من أجل مستقبل البلاد، لا من أجل تسجيل المواقف أو تصفية الحسابات. النقد البنّاء هو محرّك الإصلاح، وهو وسيلة لمعالجة مشكلات المجتمع لا مشكلات الأشخاص. ومن دون هذا النقد، تفقد الحكومة أهم أدوات المراجعة والتصحيح، وتضيع على البلاد فرصٌ لا تُعوّض في بناء مؤسسات قوية وشفافة.
فالمعارضة الوطنية تعزّز مبدأ المساءلة، وتفتح المجال لتحسين الأداء، وتدفع السلطة إلى العمل بدقة أكبر وتخطيط أفضل.
غياب المعارضة
أما غياب المعارضة، فإنه يتيح للسلطة الانفراد بالقرار، ويجعل الحكم أحادي الاتجاه، مهما كانت نوايا وإمكانات القائمين عليه. وفي هذه الحالة، لا يمكن تحميل السلطة وحدها المسؤولية، لأن غياب معارضة ناضجة وقادرة يجعل أي حكومة بلا شريك رقابي ولا صوت يوازن الخيارات أو يراجع السياسات، وفي الأنظمة الصحية، تكون المعارضة جزءا من حماية الدولة نفسها، لا خصما لها، لأنها تمنع الانزلاق نحو التسلط أو الفساد أو الأخطاء غير المحسوبة.
ويقول البعض إن أصحاب السلطة اليوم لم يطرحوا مفهوم الديمقراطية بشكل واضح لا بل حتى أنهم لم يذكروها ذكر، وهذا صحيح، لكن هذا لا يعني غياب الحاجة إلى معارضة. فحتى الأنظمة ذات الخلفية الإسلامية، كما هو حال السلطة الانتقالية الحالية، تؤمن بمبدأ الشورى: “وأمرهم شورى بينهم”، وهو مبدأ يقوم على المشاركة والنقاش والاختلاف الصحي، لا على الصمت والموافقة العمياء.
المعارضة تستعدي الشعب!
أما الإشكال الأخطر، فهو ابتعاد المعارضة الحالية يوماً بعد يوم عن الشعب. تتبنّى خطاباً يعمّق الفجوة بينها وبين الناس، وتستخدم أوصافاً لا تليق بشعب دفع أثماناً باهظة عبر سنوات طويلة. فمرّة تصفهم بالعبيد، ومرّة تتهمهم بالخضوع الكامل للحكومة، حتى في تفاصيل بسيطة كالمناسبات والاحتفالات. بهذا الخطاب، لا تبني المعارضة جسور تواصل مع المواطنين، بل تهدم البقية الباقية من الثقة.
سوريا بحاجة معارضة تعمل مع الشعب
إن سوريا اليوم بحاجة إلى معارضة تعمل مع الشعب لا ضدّه، وتراقب السلطة لا لتسقطها، بل لتدفعها إلى المزيد من العدالة والكفاءة.، ومع غياب هذه المعارضة، تصبح الحكومة مجبرة على اتخاذ قرارات قد تكون غير متوازنة أو غير مكتملة الصورة. والضرر هنا لا يقع على السلطة وحدها، بل على سوريا بكل مكوّناتها ومجتمعها ومستقبلها السياسي.
وفي الخلاصة، إن غياب معارضة حقيقية في سوريا يُبطئ الإصلاح، ويؤخر بناء دولة عادلة وقادرة على النهوض بالبلاد نحو مستقبل أفضل. فتكامل السلطة والمعارضة هو شرط أساسي لنجاح المرحلة الانتقالية، ولإعادة سوريا إلى موقعها الطبيعي دولة مستقرة، قوية، ومتنوعة سياسيا وفكريا.