موت ماهر وعبير الذي جمع السوريين: سورية المتمردة على التفتيت والتشرذم
العربي القديم – إيمان أبو عساف
سورية الوطن والشعب سردية مازالت ضائعة وكينونة مغيبة، وكم نحتاج من عقول وضمائر ووقت لنكشف الجميل المسكوت عنه و الرديء أيضا، لكن سياق مثل ذلك لم أره بعد بسبب الواقع الذي أثقل على هذا الشعب حتى بات حمله أثقل الأحمال إطلاقا
وهناك تاريخ أصدق من كل ما يكتب مازال يسكن في الذوات، تاريخ يسجل النضالات مجتمعة وهي تستوي على نار المشاعر وتظهر الشعب السوري بصفاته المتفردة بعيدا عن التعميمات والأنماط، التي سجلت بقلم العجالة الصحفية او بقلم الخبث العنصري والعقائدي، للشعب السوري. قصص مؤجلة تنتظر فضاءات وأشخاص الحرية
وفي انتظار ذلك تعبيرا في الادب والتاريخ يأتي حدث ليسبق، كل التدوينات في توثيق لحظات قطعت أشواطاً في الرؤيا وسيرورة التحولات.
نعم وقد يكون الحدث مثلا موت زوج وزوجته في بلاد المغترب في حادث قدري. كالناشطين عبير المصري وماهر خويص. موتهما مخنتقين في منزلهما في ألمانيا حيث كانت محطة اللجوء. ليأتي العزاء والتعبير عن هذا الموت في طقوس الجنازة التي أعلنت أننا شعب نخترق الحصار والتفتيت، والشروط المضادة لهويتنا الإنسانية والحضارية.
في جنازة أبي خليل وأم خليل حضرت سورية الكونية المنتجة للقيم، سورية المتمردة على الانغلاق والوسم والنمطية والأيديولوجيا، سورية التي بكت الزوجين السوريين مبتكرة ٱفاق لمعنى المشتركات في صفوف الشعب السوري سورية التي هجرها النظام القهري المتحيز الطائفي، ومشايع القوى الظلامية. سورية التي جعلت جنازة ماهر وعبير أيقونة حزن وطني، مؤكدة على الأخلاق والإنسانية كمحور وأساس في اي ثورة تنشد المضي نحو العظمة، وأعطاء كل ما يليق بلغزية الوجود الإنساني.
الجنازة والرثاء والحزن وكل ماعبر عنه الأصدقاء والرفاق والمعارف يؤكد أن سورية التي ننشدها، موجودة أساسا في روح الشعب. سورية المؤمنة بالتعددية والمكونة من تعددية، تؤمن أن هذه التعددية إحدى مكونات وجودها وصيرورتها، وأن كل العراقيل هي بدع الأنظمة الفاسدة ومن يساندها.
موت عبير وماهر المخلصين للوطن ولبعضهما، والنحيب والرثاء النبيل الذي عبر عنه السوريون الأحرار، هو بيان سافر على أن بنيتنا وطنية وهويتنا إنسانية كونية
الحدث موت زوجين سوريين، والعزاء في ألمانيا، والدلالات والتأويلات لهذا الحضور هو تأكيد على أننا شعب سوريا الحاضر على صعيد العمران والتشييد القيمي والإنساني، وأن شروطا جديدة تكتب بتلقائية الأصالة المتوارثه والمختزنة، لتجعل من سورية النهضوية حاضرة الان، وقادمة في كل مستقبل.
لقد رثى أبا خليل وأم خليل سوريون بكل النوازع والجوارح السورية، رثوا الموت في الغربة، وبعيدا عن الأهل والوطن، فكان المعزون هم الأهل والوطن. رثوهم ضمن سياق يمضي فيه السوريون نحو التمسك بالنزعة الإنسانية والاخلاقية الذي خلنا أن النظام والحرب قد دمرتها، لكننا نكتشف في لحظة فقد ما، انها مازالت في رأس أولويات أهدافنا في بناء وطن سوري حر.