التاريخ السوري

كأس الشهبانو وصهيل الرياح الخرساء: وقائع سجن شاعر وتاريخ من العلاقة مع إيران

نوار الماغوط – العربي القديم

تعود  العلاقات السورية الإيرانية  الى  سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، فالخميني الذي كان مستقرا في فرنسا عام 1978  كانت تربطه مع حافظ الاسد علاقة عن طريق موسى الصدر الذي كان  صلة الوصل بين الخميني وحافظ الأسد، وكان الصدر حينها قد عرض على الخميني النزول في سوريا، لكن الأخير فضّل الاستقرار قرب العاصمة الفرنسية باريس، وهذا كله قبل انتصار “الثورة الإسلامية” عام 1979 وعودة الخميني ليستلم حكم البلاد وليصبح لاحقًا مرشد “الثورة الإسلامية الإيرانية”.

عندما انتصر في ثورته على الشاه وبدأ بتثبيت مفاصل حكمه للبلاد، وبسط سيطرته، بدأ الخميني بتصدير ثورته إلى الخارج تحت شعارات متعدده، ليجعل من طهران عاصمة تحكم  بلاد الشام  .

قبل وصول الخميني للحكم عام 1979، كان حافظ الأسد قد وصل إلى كرسي الحكم في سوريا عام 1970 بعد انقلاب عسكري سماه البعثيون  “الحركة التصحيحية”
 كان الصراع بين فرعَي البعث في العراق وسوريا  في تلك الفترة على أشده، وهو الأمر الذي دفع حافظ الأسد إلى فتح نافذة مع هذه الدولة. وذلك من أجل تطويق صدام حسين من عدة جهات.

حافظ الأسد وشاه إيران محمد رضا بهلوي  في طهران 1975

إن الكراهية التي يضمرها حافظ الأسد تجاه صدام حسين لا يمكن تصورها أو تحملها او فهمها… ولكن هذه الكراهية لا تصلح لوحدها، لأن تكون تبريراً لتناقض مواقف الشخصين سياسياً ودينياً ، بل موقفاً شخصياً ينبع من عمق مشاعرهما بمعرفة ارتباطات كل منهم.  وعلى الرغم من التصادم الفكري  بين مشروع حزب البعث القومي العربي  والمشروع القومي الفارسي،  زار الاسد  طهران ليلتقي بالشاه الإيراني عام 1975.

يذكرنا عدم ذهاب بشار الاسد إلى  طهران التعزية بوفاة الرئيس الايراني إبراهيم رئيسي الذي لقى حتفه في حادث تعرضت له مروحيه كانت تقله مع مسؤولين آخرين في شمال غرب إيران… يذكرنا  بذهاب حافظ الأسد الى طهران لمصافحة شاه ايران وليسأله عن صحة الشهبانو الذي قضى الشاعر فايز خضور سنوات في السجن والتعذيب لأجل ذكر اسمها في سبعينيات القرن الماضي!

كان الشاعر فايز خضور يجلس في مقهى “البرازيل” أو “الهافانا” لاحقا  وهو من المقاهي الثقافية   التي كان يرتادها نخبة من المبدعين في دمشق، أمثال محمد الماغوط ونزار قباني والجواهري والبياتي.   
رفع فايز خضور كأسه الى الأعلى وقال :
“كأس الشهبانو …”هجم عليه مجموعة من رجال الأمن وأوسعوه ضرباً وحطموا أسنانه، ونظراً لخفة وزنه صار يرفسهم بقدميه وهم يحملونه وسارع شخص من الأمن وضربه بأخمص المسدس على قفا رأسه فسقط مغمياً عليه!
واقتادوه شحطاً إلى جهة مجهولة وغاب ثلاث سنوات في زنزانه منفردة لم يسمح لأحد بزيارته.
كان فايز خضور صديقًا مقرباً من والدي وكان يقول له أنت تكتب أفضل من محمد ولكن أخيك محمد له علاقات ومعارف يحبونه كثيرا، وهو في دمشق وأنت في الجزيرة.. وهو يجلس في الهافانا ويعرفه الكتاب جميعهم ويعرفون أنه افضل منهم.
كان محمد الماغوط يرتاد الهافانا يومياً وهو  مازال يخدم العسكرية ويلبس بدلة عسكرية عتيقة وعليها رتبة عرّيف حلّ الصباغ عليها.. وفي الهافانا تعرف عليه نزار قباني والجواهري والبياتي، والذي أعرفه ان عمي محمد كان يكرهه كثيراً لفايز خضور، وفايز يبادله نفس  شعوره ولكن لم يظهرا  كرهما لبعضهما …
وكان فايز خضور منحازا لوالدي في كتاباته وفي سلوكه وكان  طوال حياته يزورنا في بيتنا دائما و يقرأ لوالدي كتابته ويهديه دواوينه بإهداءات طويلة، ويصف والدي بأنه أعظم المقموعين في  العالم… وكان يفتخر فايز خضور  بترشيح القوميين له لأعلى المناصب في الحزب ولكن والدي كان يقول لنا أن اعتقاله أثناء قصة الشهبانو قضى عليه للأبد.


وسبب مدح رجال الحكم له في أواخر أيامه كان بسبب أنه قومي سوري، وأن مسؤولًا كبيراً في الحزب الشيوعي السوري “رفيق رضا” قال لوالدي  بعد أن سأله عن مستقبل القوميين السوريين: سيصبحون في مؤخرة البعث. وقد كان فائز خضور في غرفة واحدة مع بثينه شعبان في اتحاد الكتاب العرب، وكان رئيساَ لها، ومنعها من وضع صورة  حافظ الأسد في غرفتيهما طوال استمراريتها في هذه الغرفة.

سألته أنا مره عن علاقته بالدين الإسلامي وطوائفه فأجابني هل تتصور أن شخصاً مثلي يُوقف تخرجه أربعون سنة من كلية الآداب بسبب موقف من مادة الديانة.. في منهاج كلية الآداب  وتحدّيت يومها طلاب كلية الآداب وأساتذتهم  بإنتاج طالب مثلي متفوق عليهم جميعاً وقد أثبت ذلك!

_________________________

تنويه:

 “الشهبانو” فرح بهلوي (بالفارسية: فرح ديبا) (14 أكتوبر 1938)؛ إمبراطورة إيران السابقة والزوجة الثالثة لشاه إيران الأسبق محمد رضا بهلوي، هي التي أنجبت له ولي العهد.

زر الذهاب إلى الأعلى