أرشيف المجلة الشهرية

حدث عام 1939: السوري الذي صنع حذاء زوجة الرئيس الأمريكي

بقلم: فليكس فارس

“لم يكد صانع الأحذية السيد فيكاني السوري العربي يصنع أحذية عقيلة الرئيس روزفلت حتى اهتمت البلاد كلها باختراعه، فأصبح الرجل الفاشل المعدم بالأمس “رجل الساعة في الصناعة” تنهال الطلبات عليه من كل صوب، وتحول مصنعه لتصليح الأحذية العتيقة، معملا كبيرا يجتذب الزبائن. وهكذا حقق “الصغير الفيكاني” في الولايات المتحدة ما حلم به في قريته منذ ثلاث وأربعين سنة في وطنه النائي”. استيبان والاس

هذه كلمة من إحدى كبريات جرائد الولايات المتحدة موقعة بإمضاء كاتب من أشهر الكتاب في العالمين الجديد والقديم، وقد وقعنا على مقال في مجلة (المناهل) التي تصدر من مدينة بيونس إيرس عن قصة الفيكاني فاخترنا تلخيصها:

” قدم السيد الفيكاني من سوريا وقد ضاقت بوجهه سبل الارتزاق من حرفته، فنزل في بلدة (كربندال) حيث اتخذ دكانا لترقيع أحذية الفقراء، فكان دخله يكاد لا يفي لتأمين معيشته. ولكنه لم يستسلم للضيم وأخذ يفكر ويجرب على ضوء اختباراته في صنعته، حتى وفق أخيرا إلى اختراع قالب لحذاء يتمتع منتعله بالراحة التامة مهما كان شكل قدميه، ومهما تجشّم من مشقة السير أو الوقوف، وسجل اختراعه.

وما عتم حتى أقبل أهل القرية على استعمال أحذيته؛ فابتسم له الحظ إلا أنه بقي يزاول عمله بيديه لعدم وجود رأس مال كاف يستعين بهعلى بناء مصنع كامل العدة، إلى أن وقع نظره يوما على صورة للسيدة إليونور عقيلة الرئيس روزفلت، فتأكد من ملامح وجهها أن حذاءها يؤلم رجليها فقصد العاصمة!

وهناك بدأ من جهة يتسقّط المعلومات اللازمة لتهيئة الحذاء الذي سيفتح له باب الشهرة والثروة، ومن جهة أخرى يراجع ذوي الشأن للحصول على مقابلة السيدة الأولى، حتى بلغ القصد بعد انتظار دام تسعة أشهر. وما [إنٍ] مثل لديها وعرض الحذاء المبتكر، حتى انتعلته وسارت تتخطر في القاعة جذلة راضية وهي تردد عبارات الثناء؛ ثم أوصته بصنع أزواج عديدة

ليبتسم من يشاء لهذه القصة من الشبيبة المثقفة الحالمة بتربع دسوت الوزارات، والتهافت على باطل الأمجاد وكاذبات الأماني، المحتقرة لكل عمل لا تدور به عناصر التحكم بالناس والترفع عن كل حرفة، فإن هذه الشبيبة فئة علمّتها عثرات الآمال أن تعتمد على نفسها، وتنطلق في ميادين الأعمال الحرة من أي نوع كانت، وهذه الفئة تباهي بالإسكافي الوضيع الذي عرف أن يجعل السيدة الأولى في أعظم الأمم ثروة وعدداً وجهداً، تشهد بفضله وتثني عليه لأنه ابتكر طريقة تريح الناس من عناء تحملوه عبثاً، حتى كشف سره وهو لا يحمل شهادة الفلسفة بل أمي لا يعرف من العلم شيئاً.

ليس من عمل حقير في العالم إلا العمل الذي تديره يدٌ متواكلة بتفكير حقير. إن في حرفة الكناسة مجالا للعبقرية، كما أن في مهمة إدارة الأمم مجالا للحماقة والغرور. ولو أن كل فرد في هذه الأمة اتجه إلى إتقان عمله باذلا فيه كل جهده لبدت طلائع الرقي بين الوضيعة، قبل أن تبدو بين الطبقات العليا.

إن حياة الأمم تبدأ بانتباهة الفرد ونشوء فكرة التضامن بين جماعاته الصغرى. فلو عملت الفئة الناهضة المثقفة في هذه البلاد على إثارة هاتين القوتين في المزارع والقرى الصغيرة، لقضت على التواكل والخمول، ولرأينا بدلا من الشعب الذي يتوقع من حكومته كل شيء، شعباً واثقا من نفسه يقيم كل شيء على سواعده.

أما يكفي الأمة لتحيا أن يكون حاكموها منها ولها، وأن يعدل القضاء بين أفرادها؟

مجلة (الرسالة)  العدد (307) 22/4/1939

___________________________________

من مقالات العدد السابع من مجلة (العربي القديم) كانون الثاني/ يناير 2024

زر الذهاب إلى الأعلى