كلمات وذكريات | من كرة القدم إلى كرة اليد: أرنا عرض كتافك
يكتبها: خير الدين عبيد
كرة القدم: الركلة المشتهاة!
أعشقُ كرةَ القدم، لكنَّ والدي يمنعني من اللعب في الحارة.
عندما بلغتُ الخامسة عشرة ذهبتُ إلى ملعب نادي أميّة. تدرّبنا، لياقتي ممتازة، قسَمنا المدرّب أبا العز فريقين.. لنلعب.
أنا دفاع، ركلَ حارسي الكرة باتجاهي. استلمتُها، فكّرتُ.. يجب أن تكون ركلتي فنّيّة ولافتة.
تذكّرتُ مجلة onze “رقم ١١” الفرنسيّة الرّياضيّة التي يشتريها خالي حسّان، في المجلّة صورةٌ لركلة، تَرْكُل الكرة بوجه قدمك الخارجي، توحي أنّك تسدّدها للأمام، لكنّ الكرة ستتّجه لليمين.
يميني لاعب الجناح ينتظر، وأمامي مهاجم الخصم. إنّها الركلةُ الأولى، المشتهاة، المنتظرة. بكلّ ما أوتيتُ من عشق وحرمان ركلتُها. وبدلاً من الاتّجاه يميناً.. اتّجهتُ أماماً.
على طبق من ذهب.. رَكَلَها المهاجم الخصم وسجَّل هدفاً.
وقبل أن أستفيق، ناداني أبو العز غاضباً، سرتُ نحوه، وصلتُ إلى خطّ التّماس، قال:
اِذهبْ إلى المشالح، بدّلْ لباسك، وأرنا عرضَ أكتافك.
كرة اليد: اعتزلت الغرام
بعد ثلاث سنوات من “اعتزالي” كرة القدم، صرتُ في الصّف العاشر.
أثناءَ لعبي في حصّة الرّياضة ناداني أبو شعيب. أبو شعيب، لاعب كرة يد مميّز .. ومدرّب.
وجهاً لوجه، كفارسين.. وقفنا.
– الاثنين القادم، السّاعة الرّابعة عصراً، أراك في الصّالة الرّياضيّة، أنت لاعب كرة يد.
هكذا.. من الباب للطاقة، وبكلّ جديّة واختصار. لطالما سمعتُ عن لحظة الاكتشاف، لقد لمحتُها في عينيه.
يوم الاثنين، السّاعة الرّابعة إلاّ ربعاً، كنتُ في الصّالة. تدرّبنا. كنتُ رشيقاً.. مصرّاً.. وحالماً. أبو شعيب لا يملّ من ذكر اسمي.
– تعلّموا من خيرالدين الانضباط، الأدب والإصرار.
بعد ثلاثة أشهر من التّدريب والمديح لعبنا المباراة الأولى. هل نسيني أبو شعيب؟ بيني وبينه متران، لماذا يتركني على كرسيّ الاحتياط؟! انتهت المباراة، قلتُ لنفسي:
– الأيّام قادمة.
في المباراة الثّانية، جرى الأمر نفسه، معقول؟ تركتُ الكرسي ووقفتُ متوثّباً حانقاً، متأفّفاً ساخطاً، حتى نهاية المباراة. لم يتوقّف أبو شعيب عن مدحي وثنائي والإشارة لي كلّما انزعج من أحد اللاعبين أثناءَ التّدريب.
وجاءت المباراة الثالثة، المباراة المفصل، الصّالة تغصُّ بالمشجّعين، والفريقُ الخصم فريقٌ قوي، إذاً.. اليوم يومي، لقد تركني أبو شعيب لساعة الشدّة. صفَّرَ الحَكَم.. وبدأت المباراة. الحكم المساعد يسجّل الأهداف، وأنا أسجّل الدّقائق والثواني من زمن المباراة. الجمهور يهتف. يهدر، وأنا بركان.
الزّمن يمضي، عشر دقائق متبقيّة، هل أصرخ في وجه أبو شعيب؟ سبعة، ستة، خمسة، هل ألكم أبو شعيب؟ ثلاثة، اثنان، واحد، وصفَّر الحكم. أيّها الحظّ العاثر، إلى متى؟!
الصّالة الرّياضيّة خواء، لا جمهور، لا حكام ولا لاعبين. قررتُ “الاعتزال”، مشيتُ باتجاه غرفة تغيير الملابس، دخلتُ.
كان أبو شعيب غاضباً من الخسارة، يصرخ ويقول:
– أنتم مستهترون، مهملون، كم مرّة قلتُ لكم تعلّموا من خيرالدين الانضباط، الأدب والإصرار؟