إسرائيل وتغيير قواعد اللعبة على الساحة السورية
ما هو شكل العلاقة الممكنة في الأيام والأشهر القادمة بين إسرائيل وتركيا؟ فهل يتحول الأمر إلى صدام مباشر على الأراضي السورية؟
العقيد الركن خالد المطلق – العربي القديم
على أرض الملعب السوري تغيرت قواعد اللعبة خلال السنوات الأخيرة، بل خلال الأشهر والأيام القليلة المنصرمة، فالسقوط المفاجئ لعصابة الأسد حولت لاعبين أساسيين في الملعب السوري إلى لاعبين احتياط مثل إيران وروسيا وأصبحت المواجهة الأبرز الآن بين الفاعلين الجدد بشكل كبير اللذين كانا موجودين لكن زاد نفوذهم بشكل واضح وهم تركيا وإسرائيل!
بالتالي بدأت هناك تساؤلات حول هل يمكن أن تكون هناك مواجهة مباشرة بالفعل أم صراع على النفوذ فقط؟ وهذا ما يتم تداوله بشكل كبير في الأوساط الإسرائيلية التي لاحظت بشكل واضح أن هناك تصاعد كبير في النفوذ التركي في سورية، وهذا لن يمرر عليها بشكل عابر ولهذا شكلت لَجْنَة حكومية للتصدي لهذا الموضوع وبدأت تدرسه بشكل واضح.
ومع تصاعد النفوذ التركي بشكل كبير في سوريا يُطرح تساؤل ما هو شكل العلاقة الممكنة في الأيام والأشهر القادمة بين إسرائيل وتركيا؟ فهل يتحول الأمر إلى صدام مباشر على الأراضي السورية؟ أم أنه يمكن أن يأخذ بُعداً آخر؟ خاصة وإن إسرائيل تعتبر أن هناك منهم مقربين منها وحلفاء لها يجب أن تعطي لهم ضمانات ودعم كالدروز والأكراد، ولعل الإجابة على هذا السؤال جاء من التوصية التي رفعتها هذه اللجنة إلى حكومة نتنياهو والتي قضت بالاستعداد لحرب محتملة مع تركيا، وهذا الأمر قد يكون مثيراً لكن الأكثر إثارة منه هو تصنيف اللجنة نفسها للخطر التركي بأنه أكثر خطورة من التهديد الإيراني، ونتيجة لذلك دعت إلى اتخاذ إجراءات واضحة لتعزيز القدرات العسكرية الإسرائيلية.
هذه المخاوف ظهرت للعلن بعد أن كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن إجراءات تحاول تل أبيب القيام بها من خلال حوار مع قوات سورية الديموقراطية، والذي لم تنكره قيادات تلك القوات، بالإضافة إلى وجود دائرة ضيقة للغاية تحاول إسرائيل اختراقها بشكل كبير حتى تتصدى لهذا التواجد والنفوذ الكبير لتركيا في سورية، ولعل تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي حذر من خلاله بوجود قوة إضافية غير إيران بالميدان وأن على إسرائيل أن تستعد بشكل جيد، مؤشراً واضحاً على ما جرى في كواليس الاتصالات الأمنية والعسكرية والسياسية في إسرائيل والتي رشح منها خوف الجميع من الحفاظ على أمن الأقليتين الصديقتين لإسرائيل وهما الأقلية الدرزية والأقلية الكردية وضرورة الاهتمام بوضعهما.
إن سقوط النظام السوري شكل ضربة قاصمة للمحور الإيراني الذي فرض طوقاً نارياً على إسرائيل منذ عملية طوفان الأقصى لكن التحدي الأكبر الآن هو النظام الجديد في سورية المتمثل في هيئة تحرير الشام المدعومة من تركيا وهذا سيجعل تركيا جارة لإسرائيل رغم عدم وجود حدود بينهما بالإضافة إلى التقارب التركي العربي الذي حد من النفوذ الإسرائيلي في المنطقة، من جهة أخرى يمكن أن نقول بأن نتنياهو في ظل الظروف المعقدة التي يمر بها على المستوى الداخلي يبالغ في حجم النفوذ التركي في سورية كي يفتح جبهة جديدة يحاول من خلالها إيهام شعبه من خلال ضجيج إعلامي يروج من خلاله إلى احتمال قيام حرب بين إسرائيل وتركيا بسبب نفوذ الأخيرة المتزايد في سورية وليكون هذا ذريعة في إطالة عمر حكومته، لا شك أن إسرائيل تحاول تحقيق هدفها الاستراتيجي الأسمى من خلال هذه الورقة في محاولة لدعم الأقليات بشكل أساسي محاولة اقتطاع أجزاء من الجغرافيا السورية وإيجاد حكم ذاتي في جنوب سورية وشمال شرقها، وهذا ما يحقق جزء من مشروع بن غوريون الذي يتبناه نتنياهو والقاضي في فرض حكم الأقليات على شرق المتوسط بالرغم من خسارته لنظام الأسد الذي ينتمي للأقلية العلوية والذي كان أقوى حليف له في المنطقة خلال أربع وخمسون عاماً واستطاع خلال تلك الفترة الحفاظ على أمن الحدود الشمالية لإسرائيل.
إن ما يحدث في المنطقة بشكل عام وفي سورية بشكل خاص يصُب في مصلحة إسرائيل بشكل أو بآخر، خاصة بعد أفول المشروع الإيراني الذي استخدمته إسرائيل خير استخدام، وكسبت من خلال محاربته قبولاً نسبياً في صفوف الشعوب العربية، خاصة الشعب السوري الذي ضاق ذرعاً بجرائم إيران وميليشياتها، وأعتقد أن توغل المشروع التركي في سورية واعتماده على التنظيمات الراديكالية التي لا يمكن أن يتقبلها الشعب السوري يأتي في نفس السياق، خاصة إذا استمرت ممارسات تلك التنظيمات والتي سينتج عنها آجلا أم عاجلا تململ شعبي قد يؤدي إلى ثورة جديدة ضد تلك التنظيمات وداعميها، وبالتالي يمكن أن تلعب إسرائيل نفس الدور الذي لعبته في القضاء على النفوذ الإيراني في سورية… وهذه المرة تهيئة الظروف المناسبة لإسقاط حكام دمشق الجدد، وهذا سيرسخ الرضى الشعبي الذي أسست له إسرائيل بعد طرد إيران وأذرعها من سورية.