أوهام على رمال متحركة: أحلام السلوم السوداوية وسيناريو ما بعد الرحيل
أي قوة – محلية أو دولية – قادرة على كبح جماح الأكثرية السنية بعد أن دفعت من دماء أبنائها وأموالها وبيوتها ثمناً باهظاً للوصول إلى حقها في الحكم؟

بلال الخلف – العربي القديم
في منشوره الأخير، قدّم محمد السلوم ما وصفه بـ”السيناريو التخيلي” لسوريا بعد رحيل أحمد الشرع، لكنه لم يكن سوى خطاب مموّه بالتحريض، يخلط الطائفية بالتشاؤم، ويقدّم صورة مشوهة للمشهد السوري، تختزل الثورة في شخص واحد وتتعامل مع المجتمع وكأنه كتلة يمكن تفكيكها بصفقة دولية أو قرار فوقي.
السلوم بنى طرحه على فكرة “التوافق الإقليمي والدولي” الذي أوصل الشرع إلى موقعه، وكأن الشعب كان مجرّد متفرج، متجاهلاً أن أي توافق – إن وُجد – جاء مكرهاً بعد مفاجآت الميدان وزخم الانتصار الذي حاولت الأطراف الدولية احتواءه، لا صناعته.
لكن السؤال الأهم: هل يتصور السلوم أن أي قوة – محلية أو دولية – قادرة على كبح جماح الأكثرية السنية بعد أن دفعت من دماء أبنائها وأموالها وبيوتها ثمنًا باهظًا للوصول إلى حقها في الحكم وتقرير مصير البلاد؟
يا سلوم، تذكر أحداث الساحل والطوفان البشري هناك، وكيف تغيّرت المعادلات بشكل لم تستطع أي قوة أن توقفه. التاريخ القريب يقول بوضوح: حين تتحرك الشعوب بدافع الكرامة والبقاء، لا تستطيع أي تسوية فوقية أن تعيدها إلى الوراء.
الشرع نفسه بشر، سيموت كما يموت أي إنسان، وسيأتي بعده “شرعات” وغيرهم ممن سيواصلون المسار. الثورة لم تُبنَ على فرد، بل على فكرة وإرادة، والأشخاص يتغيرون بينما تبقى الحركات الشعبية طالما بقيت أسبابها ودوافعها.
الخطير في خطاب السلوم أنه لا يكتفي بالتشكيك في الأشخاص، بل يصنع رواية كاملة تُدين الثورة وتصفها بالفشل والتطرف، وكأن هذا مصير حتمي. هذا النوع من الخطاب يخدم أعداء الثورة واليسار الغبي أكثر مما يحذر أصدقاءها، ويغفل أن من صمد وواجه النظام والإرهاب معاً، لن يفرّط في تضحياته لمجرد تغيّر الوجوه.
أما إدلب، التي يحاول السلوم تصويرها كخاسر أكبر، فهي المكان الذي انتقد الشرع في بداياته، ثم تحولت لتكون حصنه القوي بعد أن أثبتت التجربة صلابته في القيادة. هذه الحقيقة وحدها تكفي لنسف الكثير من توقعاته السوداوية. في النهاية، ما يروّجه السلوم ليس تحليلًا سياسيًا، بل خطاب تفكيك وإحباط بلبوس السخرية ، يقوم على فرضية أن المشهد السوري مرهون بشخص واحد. لكن الحقيقة أن الثورة خلقت واقعًا جديدًا لا يمكن إعادته إلى ما قبل 2011، وأن إرادة الشعوب حين تدفع ثمن الحرية، لا تستطيع لا أنت يا سلوم، ولا من تسميهم “المشغلين”، أن توقفها