مقامات أمريكية | في البحث عن عنوان
د. حسام عتال
من أصعب المهام هو إيجاد عنوان مقبول للعمل الفني سواء كان قصة، قصيدة الشعر، لوحة رسم، أو مقطوعة موسيقية.
في الواقع أن إعطاء عنوان للعمل الفني أمر حديث لم يصبح شائعاً حتى أواخر القرن الثامن عشر، وحصل مع ارتفاع حدّة الأنا عند الفنان الذي أمسى يعتبر شعوره الخاص هو أهم صفات عمله وأساس إبداعه. قبل ذلك كان العنوان وصفياً بحتاً حين لم يجد الفنان سبباً مقنعاً لإيجاد عنوان لعمله فهو يصف ذاته بذاته “أصيص زهور، المتسول، ارتقاء المسيح، سوناتا ماينور رقم ٢٥، فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال…الخ”.”
اليوم، أي فنان يعرف ان إيجاد عنوان مناسب لعمله أمر عسير لأن تطور الفن أبعده عن الواقعية المحضة، وصار تلخيص أمر كبير وعميق ومعقد بكلمات قليلة أمر شائك. هذا دفع كليات الفنون أن تطرح نصائح لطلابها في هذا الشأن: اختر عنواناً بسيطاً، يوحي بالدافع وراء العمل، اجعله قابلاً للتذكر، أصيلاً، يحكي قصة، إجعله مرموقاً غير رخيص، ودعه يسمح للمتلقي بإضافة شيء ما من عنده.
رغم كل تلك النصائح ذلك نجد كتاباً مشهورين مثل جون شتاينبك يختارون لكتبهم أسماءً مثل “عن الفئران والرجال”!
وهناك بعض الفنانين الذين يخشون إعطاء عنوان لأعمالهم لأنهم يعتقدون أنهم بذلك يوجّهون المتلقي للعمل للتفكير باتجاه معين ضيق. لذلك يلجأون لترك أعمالهم بدون عنوان تاركين مساحة واسعة من الحرية للمتلقي في تفسير العمل أو الشعور به دون قيود. أجد هذا التبرير غير مقنع، هل يذهب احدنا لدار السينما لمشاهدة فلم (وهو عمل فني) دون عنوان؟ أعتقد أن الثمن الذي يدفعونه هو ترك عملهم عرضة للنسيان خصوصاً في أيام التواصل الاكتروني هذه التي نعتمد فيها على البحث عن أي شئ بواسطة عبارات محددة، إن غابت غاب معها العمل وصاحبه معه.
وهذا ما حدث معي مساء هذا اليوم الربيعي وأنا أقترب من إنهاء إحدى القصص القصيرة، عندما فشلت في إيجاد عنوان جيد لها، وخطر لي لبرهة تركها بدون عنوان. وقفت وفتحت باب الشرفة لإدخال النسيم المنعش لغرفة المكتبة، ثم ذهبت لإعداد كوباً من القهوة (نعم أنا من أولئك الرعاع الذين يشربون قهوتهم في كوب). عندما عدت إلى الغرفة وجدت الهواء قد نثر أوراقي في كل مكان على أرض الغرفة.
هل هذا هو الطالع الذي احتاجه لإيجاد العنوان؟ هل على العنوان أن يشير إلى الربيع، الشرفة، المساء، الريح، البعثرة، أو ربما… القهوة؟