أرشيف المجلة الشهرية

الكيلانية.. الحي الذي دٌفن أهله تحت ركام منازلهم (صور نادرة)

العربي القديم – محمد الريس

بطرازه المعماري الفريد، تربّع حي الكيلانية في حماة على نهر العاصي، لتلتقي جدران منازله بمياه النهر، وتنعكس طبيعة العاصي على بهاء عمرانه وتضفي جمالاً على نفوس سكانه.

شهدت أزقته على عصور الأيوبيين والمماليك والعثمانيين، حيث أسسه سيف الدين يحيى الجيلاني قبل نحو 700 عام، بينما يُرجح مؤرخون أن أساسات الحي تعود إلى أزمنة بعيدة مستشهدين بأقنيته وأقبيته ودهاليزه.

لا عجب أن الحمويين يصفونه بأنه قطعة من الجنة، فصوره على قلّتها وضعف جودتها إلا أنها ترسم تحفة معمارية فريدة، فتشعر وكأنه هارب من مدن الأندلس أو حضارة الأناضول، فقد ضمّ قصوراً وزوايا ومقامات وأقبية ومضافات، أشهرها قصر الحمراء المشابه للعمارة العربية في الأندلس والمُلقب بـ “الطيارة” لأنه يطل على النهر متخذاً شكل طائرة.

وفي يوم أحمر دامٍ من أيام شباط عام 1982، وقعت مجزرة حماة ومُسح حي الكيلانية بأكمله قصفاً وتفجيراً وجرفاً، ودُفن أهله تحت ركام منازلهم، وقُدّر عدد المنازل المدمّرة بما يزيد عن 120 منزلاً في هذا الحي الحموي الصغير، فحافظ الأسد لم يكتف بحاضر مدينة أبي الفداء بأن قتل أهلها واعتقلهم وشرّدهم وانتهك حُرماتهم، بل عمد إلى ماضيها فدمّر آثارها وتحفها الفنية، لتصبح قصور الكيلانية ومعالمها آثراً بعد عين.

لم يبق من حي الكيلانية سوى صور ورسومات حملها بعض الناجين المهجّرين منه في قلوبهم، ليودعونها في بيوتهم الجديدة، فتكون بينهم وبينها قصة وفاء يستذكرون فيها كل صباح حيهم الأثري، ويلعنون كل مساء حافظ الأسد، جزّار سوريا وطاغيتها.

كانت أحجار حي الكيلانية تخبئ بين جنباتها قصة شعب حموي لم يترك طاغية على مر العصور إلا وناضل لخلعه، لتبقى أنقاضها شاهدة على ذلك وتكمل رواية الحكاية.

زر الذهاب إلى الأعلى