دفعة النصر في جامعة دمشق: احتفال بأدوار لا علاقة لها بالنصر
هؤلاء الخريجون – وبالأخص من كلية الإعلام – لم يكونوا محايدين في زمن الحرب، ولا صامتين.

إبراهيم سيد حمود – العربي القديم
في مشهد مزيّن بالأعلام والابتسامات المعلّبة، احتفلت جامعة دمشق بتخريج دفعة من طلاب كليتي طب الأسنان والإعلام، تحت اسم “دفعة النصر”، في لحظة ما بعد تحرير سوريا من سطوة النظام الذي كبّلها لعقود. لكنها كانت لحظة رمزية مشوشة، مليئة بالتناقضات، تثير تساؤلات أكبر من بهجة الحفل:
أي نصر؟ ومن هم المنتصرون؟ وهل من تخرّجوا اليوم كانوا في صف الشعب أم في خدمة جلاده؟
كان من المفترض أن يكونوا في صف القامعين
هؤلاء الخريجون – وبالأخص من كلية الإعلام – لم يكونوا محايدين في زمن الحرب، ولا صامتين. بل كان كثير منهم يتهيّأون ليكونوا جزءًا من ماكينة إعلامية احترفت قمع الصوت الحر، وتزييف الوعي، وتبرير القتل والدمار.
كانوا سيتخرجون ليدخلوا شاشات النظام، ليبرروا الاعتقال التعسفي، ويبرروا قصف المدنيين، وليصنعوا عبارات مثل “الجيش العربي السوري يحارب الإرهاب”، بينما كانت البيوت تُدمّر على رؤوس أهلها.
أما طلاب طب الأسنان، فرغم أن مهنتهم بعيدة ظاهريًا عن السياسة، إلا أن كثيرين منهم خضعوا لنفس السياق: أُجبروا أو اختاروا الصمت أمام المذابح، وأُعدّوا للعمل في نظام صحي هش، قائم على الولاء قبل الكفاءة، يخدم مراكز القوة لا عموم الناس.
دفعة بلا نصر… فماذا يحتفلون؟
تسمية الدفعة بـ”دفعة النصر” تبدو استفزازية لمن يعرف ما مرت به سوريا. فهم لم يكونوا في صفوف المقاتلين من أجل الحرية، ولا من الناشطين في الميدان الإنساني أو الإعلامي الحر. لم يكونوا من المهجرين أو المعتقلين أو الذين صمدوا تحت الحصار.
بل كانوا، في الغالب، يعيشون في ظل النظام، محاطين بأمان زائف، يتلقّون تعليمهم في جامعات سيطر عليها خطاب أحادي، لم تسمح بحرية الرأي أو النقد… فكيف يُسمّون “دفعة النصر” وهم لم يقدّموا شيئًا للحرية، ولا شاركوا في التغيير، ولا عانوا من تبعات الثورة؟
نصر الشعب لا يُنسب لمن خدم النظام
إن كان ثمة نصر في سوريا، فهو نصر الصمود الشعبي، ونصر العقول التي قاومت الكذب، والقلوب التي حافظت على إنسانيتها وسط القصف والجوع.
النصر لا يُهدى في حفلات التخرج، ولا يُعلق على جدران الجامعة، بل يُكتسب في الشارع، في الميدان، في الصوت الحر، في التضحية، في المواقف الأخلاقية.
فما قدمته هذه الدفعة – إلا من رحم ربي – لم يكن خدمة للوطن، بل كان استعدادًا لخدمة النظام، بطبهم وإعلامهم، ضمن منظومة تميّزت بالفساد والتزييف.
شهادة بلا موقف… لا تساوي شيئًا
الشهادة وحدها لا تُصنع النصر.
من تخرّج اليوم باسم “دفعة النصر”، ولم يتخذ موقفًا من آلة القتل والكذب، فلا يستحق شرف الانتصار، لأن من لم يكن مع الحق، فهو جزء من الباطل، ولو لزم الصمت.
ويبقى السؤال معلّقًا فوق مسرح التخرّج: أي نصر هذا؟ ومن الذي انتصر فعلاً؟