غضب إسرائيلي من صحيفة (هآرتس) ومطالبات بحجب الإعلانات والاشتراكات عنها
العربي القديم- ترجمة وإعداد وسنان الأعسر
ما يزال التقرير الذي نشرته صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية قبل أيام، نقلاً عن الشرطة الإسرائيلية، والذي أفاد بأن مروحية إسرائيلية قصفت في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي فلسطينيين وإسرائيليين في بلدة (رعيم) بغلاف غزة، الأمر الذي يفسر ارتفاع عدد قتلى طوفان الأقصى من الإسرائيليين، ويتناقض مع الرواية الإسرائيلية بأن مقاتلي حماس تعمدوا استهداف المدنيين… ما يزال هذا التقرير يثير غضباً في إسرائيل، دفع بالشرطة الإسرائيلية إلى وصف صحيفة «هآرتس» بالمضللة.
شلومو قارعي: بوق لأعداء إسرائيل
القصة لم تتوقف هنا، فقد قدم مكتب وزير الاتصالات الإسرائيلي (شلومو قارعي) اقتراحاً لوقف تمويل مؤسسة صحيفة «هآرتس» ووقف الإعلانات ورسوم الاشتراك لجميع مؤسسات الدولة مبرراً ذلك بأن (هآرتس) تتجاهل قانون الرقابة العسكرية الذي يمنع نشر أي معلومة تمس الجيش والأمن واجتماعات الحكومة خلال الحروب إلا بعد إجازتها من الرقيب.
مكتب وزير الاتصالات تابع في بيانه متهماً الصحيفة اليسارية الميول بما أسماه ”النشر المستمر للدعاية الانهزامية والكاذبة والتحريض ضد دولة إسرائيل أثناء الحرب“. واعتبر قارعي أن الصحيفة “تتخذ خطّاً هجومياً يقوض أهداف الحرب، ويضعف الجهد العسكري وصمودنا الاجتماعي”. وأضاف إن ”وقف شراء الخدمات من صحيفة (هآرتس) من قبل الهيئات الحكومية سيقلل من الضرر الشديد الذي يشعر به المواطنون الإسرائيليون ليس فقط من المنشورات في الصحيفة، ولكن أيضاً من حقيقة أنهم مجبرون على دفع ثمنها من أموال الضرائب“. واعتبر الوزير الإسرائيلي الصحيفة ”بمثابة بوق لأعداء إسرائيل“، متهما إياها بـ”الدعاية في خدمة العدو وتقديم رواية أعدائنا مع تقديم الأكاذيب، واستخدام المصطلحات المناهضة للصهيونية والمعادية لإسرائيل وتبرير العدو“.
الصحيفة الأعلى صوتاً
لم تعقب «هآرتس» على اتهامات قارعي، كما لم يتضح إذا كانت الحكومة الإسرائيلية ستوافق على طلبه؛ لكن حكومة نتنياهو وبعد إعلانها حالة الحرب إثر هجوم حركة حماس في السابع من أكتوبر الماضي، كانت قد منعت الرقابة العسكرية نشر أيّ تسريبات عن اجتماعات الحكومة أو المداولات السياسية السرية، إلا أن (هآرتس) ظلت هي الصحيفة الأعلى صوتاً، وبخلاف الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية الأخرى، دأبت على انتقاد ممارسات الجيش الإسرائيلي ونشر تحليلات سياسية ومقالات رأي ساخطة على الحكومة، كما اتخذت بشكل عام موقفاً معارضاً للاحتلال ومؤيداً للسلام مع الفلسطينيين.
ويرى مراقبون مختصون بالشأن الإسرائيلي أنه بالرغم من أن الإعلام الإسرائيلي يؤدي جزءاً من المعارك ضد الفلسطينيين والعرب، ولا ينشر ما يمكن أن يمسّ الأمن القومي الإسرائيلي، إلا أنه في الإطار الداخلي استطاع أن يشكّل ضابطاً لأداء السلطة السياسية، وكشف ملفات للفساد بما يخدم المجتمع الإسرائيلي وكيانه، ومنها قضايا فساد تتعلق برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وخلال الحرب الحالية، بزر اتجاه حكومي (ومجتمعي أحياناً) يطالب بفرض رقابة شديدة على أيّ منشورات تدعم الفلسطينيين، من قبل وكالات إنفاذ القانون الإسرائيلية، حيث تقوم قوات الأمن بمنع نشر المعلومات حول الخسائر وأداء الدفاع الجوي وحالة الوحدات والمشاكل الاجتماعية التي يعانيها الجنود الإسرائيليون.
الرقابة العسكرية على الإعلام
مصادر مطلعة أفادت بأن هيئة الرقابة العسكرية تعتزم إجراء فحص صارم للمقالات الإعلامية والمواد التي يرسلها المراسلون الحربيون عن العملية العسكرية في قطاع غزة. وبحسب الحكومة الإسرائيلية؛ فإن للمنشورات التي تتناول تفاصيل القتال عواقب سلبية على العملية العسكرية الجارية.
وتُعرف الرقابة العسكرية – التي تفرضها إسرائيل – على أنها مجموعة القوانين التي يتم فرضها لحظر نشر بعض المواد الصحفية والإعلامية على وسائل الإعلام والتي ترى فيها السلطات على أن نشرها قد يتسبب بضرر نفسي أو عسكري أو قانوني على الدولة التي تفرض هذه الرقابة أو مواطنيها. ويبعث المراقب العسكري لوسائل الإعلام الإسرائيلية قوائم الموضوعات التي يجب عرضها على الرقابة قبل النشر. ويحق للرقيب العسكري وفقاً لمواد قانون الدفاع وقت الطوارئ رقم 87 و97 أن يصدر أوامر بعرض كتب للمراجعة قبل نشرها، في حين يقتضي تقديم المواد الصحفية المتعلقة بـ”أمن الدولة“ للفحص قبل نشرها، وتشمل تلك المواد السلم والنظام المجتمعي في إسرائيل، أو المتعلقة بالضفة الغربية وقطاع غزة، وكذلك العلاقات العربية – الإسرائيلية.
وبين عامي 2011 و2016 حظرت الرقابة العسكرية نشر 2000 مادة إعلامية وفق تقرير لـ”الحركة من أجل حرية المعلومات“ الإسرائيلية، كما عدّلت في الفترة نفسها وفقاً للتقرير 14 ألف مادة إعلامية لكي تكون ”صالحة للنشر من ناحية أمنية“، في ما تعرضت 20 في المئة من المواد الإعلامية لـ”مقص الرقيب“ سواء من خلال الحظر المطلق أو التعديل.
التحيز الإعلامي أبرز تحديات إسرائيل
يعتبر معلقون أن الهجوم الإعلامي يجعل الفوز في الحروب أكثر صعوبة. وفي هذا السياق يقول الكاتب جيرارد بيكر في مقال نشرته صحيفة (التايمز) البريطانية إنه ”لو تم الإبلاغ عن وفيات الألمان في عام 1944 مثل تلك التي حدثت في غزة، لكان من الممكن أن يتعرض انتصار الحلفاء إلى خطر قاتل“. متسائلاً: ”كيف يمكنك الفوز في حرب تخضع فيها عملياتك العسكرية لمستوى من التدقيق يمكن، عن طريق الصدفة أو عن قصد، أن تصورها للجمهور العالمي على أنها وحشية، بل إنها ترقى إلى مستوى جرائم حرب؟“.
ويؤكد بيكر المنحاز للموقف الإسرائيلي، أن: ”جزءاً من التحديات التي تواجهها إسرائيل في غزة هي مشكلة التحيز الإعلامي المتفشي، وهي قصة مألوفة بشكل قاتم في السنوات الأخيرة عبر الكثير من التغطية الإخبارية، حيث أصبح الصحافيون يرون دورهم ليس مجرد إعلام جمهورهم، ولكن أيضاً إرشادهم باستمرار حول ما يجب أن يفكروا فيه“.
ولم تقتصر الرقابة العسكرية الإسرائيلية على الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة بل تطال المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، وتمكنت مؤخراً بعقد اتفاقيات مع كبريات شركات التواصل الاجتماعي في العالم مثل ميتا وإكس بهدف حذف أو حظر أيّ محتوى ترى فيه أنه يضر بإسرائيل. ورغم أن تلك الرقابة نجحت بحظر معلومات مهمة في أوقات السلم أو الحرب، إلا أنها صعّدت من حالة النقد الداخلي والخارجي لحالة قمع الحريات.
وفي سياق هذا الجدل الدائر، اقترح كبار الإعلاميين في إسرائيل مرات عدة حل معضلة التعارض بين الحاجة إلى الرقابة وبين التطبيق العملي لها واستغلالها لأهداف أخرى من خلال استبعاد الحكومة من اتخاذ القرارات الخاصة بموضوع الرقابة، أو بعبارة أخرى ألا تكون المؤسسة الأمنية هي صاحبة القرار في هذا الموضوع، أو على أقل تقدير أن يكون هناك إشراف ورقابة على عملها.