فنون وآداب

مسلسل بيت أهلي: حارة شعبية في المزرعة الأسدية!

العربي القديم- أحمد صلال:

لازالت درما البيئة الشامية تحصد رود فعل رافضة ومزعجة، حيث غابت شهامة وعز الحارة الشامية وتقاليدها الضاربة في جذور التاريخ لتحضر البهدلة والنماذج المهزوزة واللصوص والعملاء والتافهين، دراما يفترض بها أنها مستوحاة من فترات تاريخية معينة، ولكنها للآسف مجرد تسفيه للتاريخ ونشر التفاهة والانحلال والطمع والجشع، حتى ليمكن القول إن دراما البيئة الشامية بات تقدم للمشاهد أسوأ ما يمكن أن يكون عليه الإنسان السوري عامة والدمشقي خاصة، ويبقى الربح المادي والرسائل السياسية المدلسة هي الهم الشاغل لصناعها، بينما تغيب معالجة التاريخ واستعراض معطيات المرحلة، وملامسة روح شخوصها ورجالاتها حتى لو تسمح العمل بذكر شخصية وطنية من وزن عبد الرحمن الشهنبدر؛ هكذا أرى مسلسل “بيت أهلي” تأليف وسيناريو وحوار الدكتور فؤاد شربجي وبطولة كل من الممثلين أيمن زيدان وسلوم حداد وعبد الفتاح المزين وصفاء سلطان وإخراج تامر مروان إسحاق.

تسفيه تاريخ أهله!

جسد المسلسل السوري “بيت أهلي” صوراً مما يفترض أنه واقع الإحتلال الفرنسي في الأربعينات من العصر المنصرم، وهذه الاحتلال بات من لوازم البيئة الشامية، سواء أثناء الحكم العثماني أو الفرنسي، يبقى  ما عدا ذلك كليشهات في الخلفية غير دقيقة، كلام في السياسة يدور على محوري العمالة والوطنية والملاسنات التي لا تنتهي بينهما ولا شيء بينهما، مع شيطنة تفاصيل الحارة الشامية، فتغيب الشهامة مقابل حضور التلاعب والتلون، ويفوح الجوع والطمع والانحلال والنجاسة مقابل غياب القناعة والتعفف والرصانة التي اشتهر بها الدمشقيون، إنها تعبير صادق عن روح النظام الذي يفسد كل شيء حين يأتي كاتب ينتمي إلى منظومته الفاسدة ليقارب التاريخ؛ تاريخ أهله فيشوهه ويسفهه بطريقة صبيانية.  تشويه متعمد للحارة الشامية ومكوناتها، واجترار لتفاصيل صغيرة في الحارة أصبحت هي المتن، فيما التفاصيل الإنسانية الكبيرة والمعاشة تغدة الهامش.

لا أحداث هامة في دراما فؤاد شربجي بل قصص صغيرة مختلقة، وجدل وسفسطائية ومماحكات بطريقة غير بسيطة وغير سلسلة، عبر نص فقير وهزيل درامياً مع مماطلة في كل هذه المحاور الدرامية الهزيلة أصلا، لملء الثلاثين حلقة.

أرجوزات على النمط البعثي

النص المفقود هنا الآن؛ أبناء الحارة الشامية يتكاتفون في الأفراح والأحزان، ويتصدون للاحتلال الأجنبي من خلال أبطال شعبيين وليش شياطين أو أراجوزات على النمط البعثي، مما يجعله أهم تفصيل في عمود دراما التشبيح الأسدي، هو تصوير رجال الحارة الدمشقية بهذه الصورة المزرية…  ولهذا من الطبيعي أن يصنف مسلسل “بيت أهلي” من فئة الدراما الأمنية، وهو المصطلح الأدق من البيئة الشامية، ونستطيع القول؛ أنها حارة شعبية في المزرعة الأسدية، تفوح منها رائحة الفساد القيمي والاستزلام باعبتاره قدر جميع الرجال، وتفتقد المروءة والرصانة باعتبارها نكهة الحارة / السيرك، المسكونة بروح هذا الزمن الأرجوزاتي، لا زمن الأربعينات والرجال الذي كانوا يصنعون التاريخ. 

الممثلون والفنانون والذين يعرفون تاريخ بلادهم قليلا أوكثيرا يدركون أن  أن ما يقدمونه في “بيت أهلي”لا علاقة له  بالتاريخ ولا بالمدينة وروحها  رغم أن مسلسلهم  يحاول أن يندحش في سجلها، ويتحدث عن زعمائها، ويتثاقف على كتف عبد الرحمن الشهنبدر وشخصيته التنويرية التي يتخذ من حادثة اغتياله مادة للمطمطمة والمشهديات والحوارات المعادة المكررة دون أي تقدم درامي. إن ما يقدمه ” بيت أهلي” رواية لأحداث فلكلورية، تستعرض بعضاً من تاريخ تلك البيئة حسب مزاج ورؤية الكاتب المهوس بالردح النسائي، ومحاولة فقيرة لتوظيف للمراحل الاستعمارية واللعب غير النزيه على البيئة الاجتماعية الشامية لضمان رواج الصناعة الأمنية. وأزعم أن فؤاد شربجي غير ضليع بالتاريخ والحضارة الدمشقية رغم تمسحه الدائم بها وتقديم نفسه كمثقف دمشقي، فيخرج الجاهل بتاريخ سوريا على المشاهد في”بيت أهلي”بديكورات وأزياء وإكسسوارت لا تعبر عن تاريخ تلك المرحلة فيصبح المسلسل رغم الترويج له على أنه مستوحى من الواقع والتاريخ، مجرد عمل روائي يخلق أبطالاً وهميين وشخصيات غير حقيقية وغير محببة للناس على الرغم من غنى تاريخ الشام بالمثقفين والأدباء والأبطال.

حكاية بروح عادية

بالطبع أيمن زيدان  يحضر هنا في مكانه. فكل قيم السماجة الفنية والتشبيح على التاريخ التي يرتكز عليها النص، تنطبق عليه لتخرج أسوأ ما عنده, لكن زيدان لا يصنع ذلك التشبيح مفرداً فمن الواضح والملفت للنظر البصمات الإخراجية للمخرج الصغير تامر مروان إسحاق الذي يقدم نمطية كاريكاتورية لشخصيات أبطاله مميزة بالفشل في تقديم  أي تطور دينامكي داخل بنية الدراما، ولأن “بيت أهلي” يقدم للجمهور حكاية بروح عادية ومملة، فقيرة بالأحداث والتحولات، وهو أمر يبدو إسحاق أصغر من أن يكتشفه قبل أن يتورط في بإخراج هذا النص، فإدارته للكاميرا ولأداء الممثلين تكرس عيوب النص وفقره، ودوماً وأبداً يقدم لقطاته بالتمازج مع روح المكان المغتربة بالصورة البصرية الكاذبة والمدلسة والمزورة للحقائق والتاريخ، فتبدو سياحية خارجية،  وليست مكانا لأناس يعيشون فيه ويحبونه ويدافعون عنه رغم وجود نوع من الضخامة الإنتاجية التي بأمكانها توفير كل ما يلزم… سوى تأمين روح للأمكنة!

أيمن زيدان وغياب السهل الممتنع

كل عام يظهر الممثل أيمن زيدان”بحتوتة”غير مسلية ليوسع مساحة النفور من حوله، أيمن زيدان وصل لدرجة من القبح لا يدرك معها أنه بات علة من علل الدراما الشامية وهو يقدم جرعة كبيرة من الإسفاف والابتذال، هذا هو”الغباء”الفني.

يغيب السهل الممتنع عن زيدان أمام عدسة الكاميرا، تجاعيد العمر لا تظهر تجاعيد الفن، يمثل بصعوبة ولا يصل للقلب مع مجهود فيبالغ ويتقعر في أداء مصطنع، ولا يملك كاريزما وسحر الحضور، والسحر أقصد به هنا الأداء؛ لا أعتقد أن أيمن زيدان ممثل من الوزن “الثقيل” بل هو ممثل من الوزن الخفيف وزن”الريشة” ببساطة لأنه لا يمتلك مفردات وادواته تمكنه من القيام بدور عبقري، بل حتى البسيط “نوري بيك” ذو الشخصية المركبة والمعقدة، تفترض تحول بالأداء ضمن الصعود والهبوط الدرامي، لكن يبقى هذا كله بعيدا عن أداء أيمن زيدان الذي يرتع في مستنقع هذه الدراما بعد أن جعل المرلف من شخصية سلوم حداد التي كان يظن الناس أنها البطل الإيدابي… مجرد شبح!

باقي الممثلين لا يصنعون فرقاً في  منسوب السماجة الفنية المتصاعد، فلا ردح صفاء سلطان المسترخي في فجوره، ولا لوازم عبد الفتاح المزين القديمة، ولا الحضور الكاريكاتوري لوائل زيدان وأندريه سكاف وباقي الشباب بقادر أن يخرج هذا المسلسل من مأزقه ويوصله إلى بيت أهله بسلام. مع مخرج متعثر ونص كارثي… وروح أسدية آسنة تفوح من حارة شامية لا تشبه الشام ولا أزمنتها النظيفة.

زر الذهاب إلى الأعلى