علم النفس والسلوك

الأحلام وتفسيرها: طُرق مؤدية إلى الشفاء وأخرى لمعرفة الذات

ليس ثمَّة حلم واحد لا تمتد جذوره إلى الطفولة الأولى لدى كل فرد.

هايل شرف الدين – العربي القديم

يعتمد العلاج النفسيّ على مجموعة من الأدوات للوصول إلى مكمن الخلل في ذهنيَّة كل عُصابيّ. وإذا ما افترضنا بأنَّ العقل اللاواعي هو كقلعة قديمة مدفونة تحت الأرض، فإنَّ الأحلام هي إحدى تلك الدروب التي تقود إلى داخلها.

تعتبر الأحلام بالإضافة إلى تقنيتيّ (التداعي الحُر) و(التنويم الإيحائيّ) أهم وسائل العلاج وأسهل الممرات التي من خلالها نستطيع الدخول إلى قلعة كل طالب للشفاء النفسيّ.

وليست أهمية الأحلام فقط في كونها إحدى السراديب السرّية الساعية إلى عمق الذات بقصد الشفاء؛ لا بل في عملية فهم الإنسان لذاته وبالتالي فهمه للطبيعة البشرية ككل.

تتشابه مسألة تفسير الأحلام كتقنية علاجية وكأسلوب مساهم في الشفاء، مع طرائق العلاج النفسيّ كافَّة، وذلك في مسألة البحث والتفتيش عن الطفل.

حيث يسعى المُعالِج النفسيّ بشتَّى الوسائل إلى اصطناع الطفل، إلى إخراج الطفل، وتعويمه على سطح الشخصيَّة طوال الفترة العلاجيَّة، بغية الكشف عن المشاكل المرتبطة بتلك المرحلة العمرية والتي مازالت تمارس جذباً للمشاعر والأفكار، وضغطاً على السلوك.

يتم ذلك الاصطناع بوسائل عدَّة لعلَّ أهمها في جعل المريض يستلقي على الأريكة والبدء بالحوار معه، أو البدء بالتداعي الطليق من قبله، بينما يقف المُعالِج خلف رأسه لا أمامه، أو من خلال العلاج بالرمز واستثارة الحلم المصطنَع.

وهذا ما يفعله المحلِّل النفسيّ أيضاً عندما يفسّر الأحلام، فالأحلام تتقاسم مع العلاج النفسيّ أو تتشارك معه في مسألة الارتكاز على الطفولة؛ فليس ثمَّة حلم واحد لا تمتد جذوره إلى الطفولة الأولى لدى كل فرد.

وإذا ما تناولنا الموضوع من خلال منهج فرويد في تفسير الأحلام، سنجد بأنَّه ارتكز بشكلٍ أساسيّ على الطفولة، وعلى العُقد والمطبَّات النفسيَّة التي واجهها الطفل حينها، والتي تركت عظيم الأثر على شخصيته كعقدة أوديب مثلاً، أو عمليَّات التحويل والإزاحة، أو الطَفَالة وغيرها… والتي لايزال عالقاً في شراكها إلى الآن.

فالأحلام في أحد أبعادها ليست إلا نكوصاً واضحاً إلى مرحلة الطفولة، والتي تشابه إلى حدٍ كبير العودة بالذاكرة من خلال التداعي الحرّ.

ومن باب التوضيح: فإننا نعني بالتداعي الحرّ هنا السماح للمريض في الجلسة العلاجيَّة بإطلاق العنان لأحاديثه الذاتية ودون مراعاة منه، من خلال سرده هذا، استخدام مفردات منتقاة، وتجنّب استخدام مصطلحات وأفكار يعتبرها مٌحرجة وغير أخلاقيَّة؛ بل عليه أن يتحدث فحسب.

هذا وتساهم كغيرها من الطُرق العلاجية الأخرى، في إعادة الشخصيَّة نظريَّاً إلى مكوناتها الأساسيَّة، بغية الوقوف عند موطن الوهن فيها وعلاجها وتقويمها، كي تعود إليها قوتها ويعود تناغمها من جديد.

فيما يخصّ تقنيَّة العلاج بالحلم المُستثار :

فهو ليس حلماً ليليَّاً نلجأ إلى تفسيره لفهم ذواتنا، بل تقنيَّة علاجيَّة أخرى تمثِّل غوصاً في الذاكرة، محاولين من خلالها الكشف عن المواقف والأحداث التي أدَّت إلى المشكلة النفسيَّة في مرحلةٍ سابقة.

حلم مُصطنَع وشيء من التذكُّر بالتحريض.

ويجب أن نُشير هنا أيضاً إلى أنَّ ما يحصل خلال هذه الرحلة إلى الماضي، إن صح التعبير، يحصل بين المريض وذاته وذاكرته فقط، على شكل تصفُّح ألبومات المخ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى