فنون وآداب

لماذا تهاجمون "الشامي" وأغانيه... وتنسون الزمن الجميل وبلاويه؟!

العربي القديم – علاء طرقجي

″لو انتي رعب أنا ليكي أمان
لو انتي صمت أنا ليكي آمااان
لو انتي نقص أنا بعطي كمان
بلا بلا بس ضلي هان

صبراً صبراً صبراً ل روحي وربي يعلم صبرا
لك كلي حزن وعلاجي خصرها يا قلبي ثبات″

هذا كان مقطع من أغنية للمغني السوري الشاب عبد الرحمن الملقب بالشامي والأغنية بعنوان ″صبرا″

أغنية صبرا كانت ترند في الأيام القليلة الماضية، وحققت انتشاراً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي، وبلغت مشاهداتها على منصة اليوتيوب فقط خلال 15 يوماً قرابة الـ 19 مليون مشاهدة.

هذه لم تكن الأغنية الأولى للشامي التي حققت نجاحاً وانتشاراً كبيرين، فقد سبقها أغنيته (ياليل ويالعين) التي بلغ عدد مشاهداتها على منصة يوتيوب خلال خمسة أشهر مايقارب الـ 118 مليون مشاهدة، لتحتل المرتبة 75 ضمن أفضل الفيديوهات الموسيقية في العالم، والتي أقتبس من كلماتها:

″ياليل ويالعين من بعدك عمر ماهوينا

عمر يا العيد يأتيني بنظرة زوينة

عل هون عيونك تروي العيون

 من اليوم طريقك أبيض اللون

من اليوم ل رمي عداكي ب لوم

 لو رادو حرب وللهي ل اشعلهم″

أغنية الشامي (يا ليل ويالعين) فازت بجائزة الأغنية المفضلة لعام 2023، وتم تكريمه بهذه الجائزة في حفل توزيع جوائز Joy Awards الذي أقيم في العاصمة السعودية الرياض، بمشاركة العديد من نجوم التمثيل، والغناء، والرياضة العرب والأجانب، وبرعاية كريمة من سيادة طويل العمر المستشار تركي آل الشيخ راعي الفن والفنانين… الأمر الذي أثار امتعاض أحمد رافع، فوصفه بـ “ابن امبارح” وتساءل: “أنا اللي الي ستين سنة في الفن كيف رح تكرمني لكن؟”

وهنا لابد من الإشارة أن أغلب أغاني الشامي هي من تأليفه وألحانه وغنائه.

قد يظن القارئ أني هنا سوف أنتقل لتقييم صوت الشامي وكلمات وألحان أغانيه، بالطبع لا. صحيح أني أعتبر نفسي “حلبي سمّيع” وأمتلك أذناً نظيفة موسيقياً، وأستطيع أن أضبط المطرب، إذا قال نشازاً وخرج عن اللحن والطبقة الموسقية، ولو بمقدار درجة، لكني لست عمر خيرت، ولا عمار الشريعي، ولا حتى حلمي بكر لكي أقيم اللحن، ولا أحمد شوقي، ولا مأمون الشناوي، أو أحمد رامي لكي أقيم الشعر الغنائي.

الذي دفعني أن أكتب هذا المقال هو ماقرأته على وسائل التواصل الاجتماعي من هجوم عنيف على هذا المغني الشاب الملقب بالشامي، ووصف أغانيه بالهابطة، وأنه يعمل على تشويه الفن ووصف جمهوره بأنهم أطفال، ولايفقهون شيئاً بالغناء والطرب.

لننطلق هنا من مقولة الروائي البريطاني الشهير جورج أورويل ″يتخيل كل جيل أنه أذكى من الذي سبقه وأكثر حكمة من الجيل الذي يليه″

ولنعد سوية إلى الوراء وإلى أيام “الزمن الجميل”، عندما كانت الست منيرة المهدية الملقبة بسلطانة الطرب تقوم بجولات فنية دامت إحداهما ثلاث سنوات، غنت فيها في بلاد عديدة مثل لبنان، والعراق وسوريا وتركيا وإيران، وليبيا، وتونس، والمغرب. السيدة منيرة المهدية لديها أغنية من ألحان الموسيقار محمد القصبجي تقول فيها:

″بعد العشا

يحلى الهزار والفرفشة

انس اللي فات وتعالى بات

مستنظراك ليلة التلات بعد العشا

أوعى تسهيني بقى

واحنا في عز النغنغة

وتمد إيد وهزار يزيد عارفاك أكيد

إيدك تحب الزغزغة″

هنا من الطبيعي أن يسأل القارئ، لماذا قامت الست منيرة المهدية بدعوة من تعرف بأنه يحب الزغزغة وبشكل مؤكد الى المبيت عندها يوم الثلاثاء؟

أما موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب فقد غنى أغنية من كلمات يونس القاضي وألحانه يقول فيها:

″فيك عشرة كوتشينة فى البلكونة
باصرة بَشــــكة عادة مجنونة
لاعبني عشرة إنما بِرَهان

كَلت بولد آه ياحلولي وشوف بقى اللعب الرايق
الطيّبَة الدو والبللي وأهي فورة من أول طابق
تلاعبني ليه بقى بِرَهان

دي باصرة بالكومي والبنت وادي باصرة تانية بالشايب
اللي ما شـــــــفتك مرة كَلت بـــاين مـــــا لكش هنا نايب
تلاعبني ليه بقى بِرَهان″

يمكننا أن نسنتج أمرين من أغنية موسيقار الأجيال هذه:

– الأمر الأول أنه لاعب كوتشينة (ورق شدّة) محترف

– والأمر الثاني أنه أضاع كل ثروته في لعب القمار

وبالطبع عند ذكر “زمن الفن الجميل” أول مايخطر في بالنا كوكب الشرق السيدة أم كلثوم، والتي قامت بطرح أغنية سرعان ماقامت بسحبها من السوق؛ بسبب كلامها الذي أعتبر إباحياً وقتها حيث كانت تقول فيها:

″الخلاعة والدلاعة مذهبي

من زمان أهوى صفاها والنبي

لما يخطر حبي عندي بمشيته

تلقى قلبي له يميل من فرحته

شوف دلاله ولا قده وطلعته

تفرح القلب يا ناس كده والنبي″

لم أستطع التعليق على هذه الأغنية كوني لم أتمكن من رسم صورة في عقلي للسيدة أم كلثوم وهي تتدلع وتتخلوع.

والكثير من الأمثلة على أغاني من هذا النوع كأغنية الست رتيبة أحمد: أنا لسه نونو في الحب بونو ده الحب دح دح والهجر كخ كخ، وأغنية ملك الأغنية الشعبية أحمد عدوية والتي يقول فيها: السح الدح إمبو أدو الواد لأبوه.

أما من جيل المطربين الذين يعتبرون بالوقت الحالي نجوم الغناء في العالم العربي يجب ألا ننسى رائعة محمد فؤاد:

″اكتش كدر فى الالولو كمننا حب ندية وحب لولو كمننا

ولا يابتاع الفل يابو قلب زى الفل ولا يابتاع الفل يابو قلب زى الفل
لو انهاردة لفت بكرة هتبئة فل. ″

من الواضح أن كلمات هذه الأغنية هي عبارة عن حِجاب لجلب الحبيب، وردّ المطلقة كتبه أحد المشايخ من أجل نادية ولولو.

وبالطبع لا بد لنا من المرور عند نقيب المهن الموسيقية في مصر، والمشهور بمحاربته للأغاني الهابطة والتي تعرف باسم المهرجانات لفتت نظري أغنية له اسمها (زرعة خايبة) يقول في أحد مقاطعها:

″إنـتـوا نـاس ولا لـيــكم لازمـة
في حـيـاتــي وجـودكـم كــان أزمة
وأنا دايـمـا كـنـت مـنـكـم حـريـص
نــاس فـــالـصــو لا ديـور ولا جوتـشي
وثـمـنـكـم يـدوب ثمـن كـوتــشـي
تـايــواني من اللي سـعـره رخيص″

طبعاً والأستاذ مصطفى كامل يقصد بالكوتشي الحذاء الرياضي بالعامية المصرية الذي لايرضى أن يترديه؛ لأن كل أحذيته غالية وماركات.

ولكيلا يتحامل علي بعضهم، ويقول لي إن جميع الأمثلة التي ذكرتها أعلاه هي من أم الفن مصر، ألا يوجد هكذا أغانٍ في بلدان ثانية؟ أقول له لاتحزن هيا بنا لنذهب الى أم الطرب والموشحات والقدود حلب.

أحد سلاطين الطرب في حلب، الفنان حمام خيري، يقول في أغنية الدلعونة:

″على دلعونا والشب مدلل عشق الصبايا من الله محلل

والي عندو بشعة يكبسها مخلل يجعلها مازة لليسكرونا″

يجب علينا الإشارة هنا أن المطرب يجب ألا يمارس فعل التنمّر وهو جائع وخَرمان.

أما ملك الطرب والقدود والموشحات صباح فخري يقول في أغنية يامسعدك الصبحية:

″قومي العبي وارويني ونَهْدك فنجان الصيني

يا بنْت وليش ما تطيعيني والوقت صاير حُرّيّة

يا سلام يا سلام يا سلام آه يا سلام والله الليل ما بنام″

ثلاث ملاحظات على هذا المقطع الصغير للراحل الكبير صباح فخري:

أولاً: الترويج التجاري للبضائع الصينية

ثانياً: الدعوة للانفتاح

ثالثاً: إن وضع الأستاذ صباح فخري صعب جداً، وإنه لا ينام الليل

ما أردت قوله بسيط، ويمكن اختصاره في سطر واحد، ولكن كان يتحتّم عليّ كتابة ما سبق لكي أوصل الفكرة، ولكي يصبح ما أكتبه مقالاً.

أنا لا أحب جميع الأكلات التي يستخدم فيها الـ “أرضي شوكي” أو ما يعرف “بالأنكينار” أو “الخرشوف”، لكني لا أهاجم من يقوم بطبخه، ولا أقول عنه نبتة فاشلة، ولا أصف من يحبونه بالتافهين، وكذلك الأمر بما يخص المغني الشامي، أراه شاب وضع الله القبول فيه، وأحبه وأحب أغانيه فئة من الشباب، قد نعجب بما يقدمه أو لا يبقى الأمر نسبياً، ويبقى كل جيل يتخيل أنه أذكى من الجيل الذي سبقه وأكثر حكمة من الجيل الذي يليه.

زر الذهاب إلى الأعلى