لوفيغارو: المسيحيون في أفريقيا ضحايا التطرف الإسلامي.. وفي سورية فقدوا الثقة بالمسلمين!
العربي القديم – ترجمة وإعداد: وسنان الأعسر
“إضطهاد المسيحيين يتصاعد حول العالم” تحت هذا العنوان نشرت صحيفة “Le Figaro” الفرنسية تحقيقا موسعاً كتبته جان ماري غينوا، واستندت فيه إلى المؤشر العالمي الذي تنشره “المنظمة البروتستانتية الإنجيلية Portes Ouvertes” كل عام، متابعة ما تعرض له المسيحيون في العام 2023.
الهند ونجيريا والهند وكوريا الشمالية في المقدمة!
حلت الهند في المرتبة الأولى من حيث عدد المعتقلين المسيحيين لديها، ونجيريا من حيث عدد القتلى، والصين من حيث استهداف الكنائس، فيما تحتلّ كوريا الشمالية المرتبة الأولى من حيث قمع حرية التعبير الديني منذ أكثر من 20 سنة، حيث يفتقر المسيحيون هناك إلى أي مساحة حرّية، فيضطرّون إلى عيش إيمانهم سرّاً. في العام 2023، تمّ الإبلاغ عن 5 مسيحيين حين كانوا مجتمعين للصلاة في مزرعة معزولة. هم مُهدّدون الآن بعقوبة الأشغال الشاقة لسنوات طويلة. وقالت الصحيفة الفرنسية:
“إن أكبر عدد من المسيحيين المعتقلين هبسبب معتقدهم الديني هم في الهند، إذ يقبع 2332 مؤمناً في السجن راهناً، ما يساوي أكثر من نصف المسيحيين المحتجزين حول العالم (عددهم الإجمالي 4125). ينجم هذا الوضع عن تشريع يهدف إلى حماية إيمان الهندوس في بلدٍ يُعتبر فيه تغيير الدين «خطراً قوميّاً». وتُعتبر نيجيريا البلد الأكثر قتلاً للمسيحيين، فهي تُسجّل 4118 جريمة قتل من أصل 4998 عملية اغتيال حول العالم. في الوقت نفسه، تعرّض 3300 مسيحي للخطف هناك في السنة الماضية من أصل 3906 عمليات في أنحاء العالم. أمّا الصين، فهي على رأس البلدان التي تستهدف الكنائس (قرارات إدارية بإغلاقها، مهاجمة المباني…). قرّر البلد متابعة إغلاق 10 آلاف مكان للعبادة بعد إقفال أبوابها موَقتاً لمكافحة جائحة «كوفيد 19». في هذا السياق، تُسجّل الهند الرقم القياسي على مستوى عدد الكنائس التي تتعرّض للاعتداءات، إذ يبلغ عدد أعمال العنف فيها 2228. تحتلّ نيجيريا المرتبة الثالثة، فقد اعتُدي فيها على 750 مكاناً للعبادة المسيحية. في المحصّلة، أصبحت 14776 كنيسة مستهدفة خلال العام 2023 في كلّ أنحاء العالم”.
وتلاحظ الصحيفة أن هناك ارتفاعاً مقلقا في الاعتداء على دور العبادة المسيحية حول العالم، فمقارنة مع العام الأسبق 2023 اقتصرت الاعتداءات على 2110 كنيسة فقط، في حين اقترب العدد هذا العام من الخمسة عشر ألفا!
نيكاراغوا… بلد مُعادٍ للمسيحيين
ويتوقف التقرير بشكل خاص عند نيكاراغوا في أمريكا اللاتينية، فيتحدق عنها كبلد معاد للمسحييين ويقول:
“في نيكاراغوا، تقمع حكومة دانييل أورتيغا علناً الحرّية الدينية ولا تخفي عدائيّتها تجاه الكنيسة، ولا سيّما منذ أن دعا مسؤولون مسيحيون إلى احترام دولة القانون… إذ سرعان ما خسرت الجامعات المسيحية شرعيّتها القانونية، واستولت الحكومة على وسائل إعلام مسيحية أيضاً. كذلك فقد عجزت بعض الأبرشيات والكنائس عن استعمال حساباتها المصرفية بعد حظرها، وبات الاحتفال ببعض المناسبات المسيحية ممنوعاً. ولا ننسى أن 347 كنيسة في نيكاراغوا تعرّضت للاعتداءات في العام 2023. نتيجةً لذلك، قرّر الفاتيكان إغلاق مكتبه التمثيلي الديبلوماسي في نيكاراغو في 18 آذار/مارس من الماضي. مع ذلك، أقدم نظام أورتيغا على اعتقال 15 كاهناً وطالبَي لاهوت، لكنّ رُحّلت هذه المجموعة من رجال الدين الكاثوليك من البلد في 14 كانون الثاني واستقبلهم الفاتيكان”.
المسيحيون و”التطرف الإسلامي” في أفريقيا
لا يغفل تقرير المنظمة البرونستاتنية الإنجلية، ومن خلفها صحيفة (لوفيغارو) التي تشيد بموثوقيته ودقته، توجيه الاتهامات لما أسمته “التطرف الإسلامي” وتشير إلى أنه:
“في أفريقيا جنوب الصحراء التي أصبحت رهينة للتطرّف الإسلامي. بدأت جماعات تابعة لتنظيم «الدولة الإسلامية» و«القاعدة» تتكاثر في 26 بلداً. كذلك، أصبحت أفريقيا جنوب الصحراء منذ سنوات المنطقة التي تشهد مقتل أكبر عدد من المسيحيين لأسباب مرتبطة بإيمانهم. يستغلّ المتطرّفون الإسلاميون انعدام الاستقرار السياسي ويستفيدون من نقاط ضعف نظام الحُكم أو هشاشة الوضع الأمني لتطوير نشاطاتهم الجهادية واستهداف المسيحيين. هذا ما يحصل مثلاً في الصومال، ونيجيريا، ومالي، وبوركينا فاسو، وموزمبيق.
المسيحيون في سوريا ضحية العمليات العسكرية التركية
وفيما يخص المنطقة العربية من المغرب العربي إلى سوريا والعراق، يعتبر التقرير أن تطبيق الشريعة الإسلامية فيمنا يتعلق بـ “حد الردة” أي ارتداد المسلم عن دينه حسب قوانين الشريعة الإسلامية، هو شكل من أشكال اضطهاد المسيحيين الآتين من خلفيات إسلامية، وتقول الصحيفة:
“أمّا في المغرب العربي والشرق الأوسط فيمكن اختصار المشكلة بالسؤال التالي: هل ما زال المسيحيون في أرضهم الأصلية؟ حيث يتعرّض كلّ من يُغيّر دينه الإسلامي لأسوأ الاضطهادات بشكل عام، لكن يشعر المسيحيون التاريخيّون أيضاً بأنهم بدؤوا يخسرون الترحيب والقبول في الأوساط المحيطة بهم مع مرور الوقت. أصبحت هذه الظاهرة حسّاسة جدّاً في سوريا، حيث أطلقت جماعة «هيئة تحرير الشام» وعناصر من «الدولة الإسلامية» اعتداءات جديدة ضدّ المسيحيين، بعد الزلزال الذي شهده البلد في شباط 2023 مباشرةً، فخطفوا عدداً من المسؤولين الكنسيين، أو دمّروا الكنائس، أو احتلّوها. يتعرّض المسيحيون السوريون للاستهداف أيضاً في شمال البلد، وتحديداً في منطقة عفرين، على يد مقاتلين مدعومين من تركيا. هذا ما دفعهم إلى إطلاق موجة جديدة من الهجرة لأنّ عدداً كبيراً منهم فقد ثقته بالمواطنين المسلمين. تبرز مصاعب مشابهة في كردستان العراق، حيث يقع المسيحيون ضحية العمليات العسكرية التركية والمناخ غير المتسامح. تنتشر أيضاً مظاهر اضطهاد مماثلة في ليبيا، حيث يُعتقَل المسيحيون الجُدد الذين تخلّوا عن الدين الإسلامي ويلقى المهاجرون المسيحيون معاملة سيّئة عند اكتشاف دينهم.
حملة إغلاق الكنائس في الجزائر
يُشير المؤشّر العالمي لاضطهاد المسيحيين إلى تصاعد أعمال العنف ضدّ المسيحيين في الجزائر أكثر من أي بلدان أخرى خلال العام 2023. يتطرّق تقرير جديد إلى «نهاية الحلم» بنشوء بلدٍ اعتُبِر لفترة طويلة استثنائيّاً في منطقة المغرب العربي، نظراً إلى كنائسه الكبيرة التي تشهد تجمّع مسيحيين غيّروا دينهم الإسلامي بلا مشكلة. بلغت حملة إغلاق الكنائس التي بدأت في الجزائر، في العام 2017، ذروتها في الفترة الأخيرة، إذ لم تبقَ إلّا 4 كنائس مفتوحة من أصل 46. كذلك، أغلقت كنائس مستقلّة أخرى أبوابها بضغطٍ من السلطات. تتّضح مظاهر القمع أيضاً عبر إدانة حوالى 20 مسيحيّاً والحُكم عليهم بالسجن بتُهمة التبشير أو المشاركة في احتفالات دينية غير مصرّح بها. يقول واحد من هؤلاء المسيحيين المُدانين إنّ الدولة وجدت الوسائل التي تسمح لها بفرض قوانين تُصعّب حياة المسيحيين. انتهى عصر الحرّية الذي كان يسمح لهم بالتجمّع لممارسة شعائرهم الدينية، وقد يضطرّ الكثيرون في السنوات المقبلة للتجمّع سرّاً.
365 مليون مسيحي مضطهد
في المحصلة، تشير تقديرات مؤشّر العام 2023 إلى تعرّض 365 مليون مسيحي لمظاهر فائقة من الاضطهاد والتمييز في 78 بلداً. كان هذا الرقم يبلغ 360 مليوناً في العام 2022. لهذا السبب، يُعبّر المسؤولون في المنظمة عن قلقهم من «تسارع حملات الاضطهاد المتوسّعة ضدّ المسيحيين مجدداً»، علماً أن هذه المشكلة بدأت تتفاقم منذ 5 سنوات وترافقت مع سلسلة متلاحقة من أعمال العنف الواضحة في 30 بلداً.
وقد تطرّق البابا فرنسيس إلى هذه الظروف والأرقام أثناء مخاطبته لوفد ديبلوماسي في 8 كانون الثاني، فقال: «أصبحت حملات الاضطهاد والتمييز المتزايدة بحق المسيحيين مقلقة جدّاً، ولا سيّما في العقد الأخير. غالباً ما يحصل هذا الاضطهاد بطريقة غير دموية، لكنّه مؤثر من الناحية الاجتماعية، فيترافق مع مظاهر التهميش البطيء والإقصاء من الحياة السياسية والاجتماعية وبعض المِهَن. تقع هذه الأحداث أيضاً في بلدان تُعتبر مسيحية تقليديّاً. نتيجةً لذلك، يتعرّض أكثر من 360 مليون مسيحي في العالم لمستوى هائل من الاضطهاد والتمييز بسبب إيمانهم، ويضطرّ عدد متزايد منهم للهرب من بلدهم الأمّ».