أرشيف المجلة الشهرية

غزّة، المفاجأة والارتباك!

بقلم: مصعب الجندي

لا أؤمن بنظريات المؤامرة التي تكثر في وسائل التواصل ومنصات الإعلام، ومنعاً للتكرار لا حاجة لتفنيدها، أو نقضها. وأتحاشى، أو أتهرّب، لا بأس بالفعلين، من وضع تكهنات، عمّا ستؤول إليه نتائج طوفان الأقصى، ولن أكون من القائلين ستثبت القادمات من الأيام أن، وأن، وأن ؟؟؟  لكن السياسة وإدارتها، وتتابع الأحداث قد يُعطينا بعض النتائج، ضمن المدى المنظور الحالي، مع هوامش خطأ، وباختصار شديد:

أولاً: لا جديد في الدعم الدولي الغربي لإسرائيل، وإنما الجديد حجمه، وفي كل المجالات (العسكرية والأمنية والإعلامية)، وأغلب الظن ليس عن عدم ثقة بقدرات إسرائيل وتفوقها العسكري، لأنه من المسلمات، لكن إسرائيل نفسها تعاني من حالة خلل داخليّ هو تتابع وصول اليمين الصهيوني إلى إدارة الدولة، وتعاقب الحكومات ذات البنية المتطرفة، وذلك عبر صناديق الاقتراع، بالاعتماد على أصوات المستوطنين، وأعدادهم التي هي في ازدياد، مع التنويه أن غالبيتهم من المتدينين اليهود، وهم فئة اجتماعية لا تخدم في جيش الدفاع الإسرائيلي، والنتيجة كانت سلبية في بنية الجيش وتكوينه الاجتماعي، فتاريخ تشكّل الدولة العبرية يذكر أن أغلب قياداتها كانت من المؤسسة العسكرية، أو شبيهاتها التابعة لها بشكل مباشر، وهو أمر يُوصف من وجهة نظر قوى الدولة الشاملة، بضعف في العامل المعنوي. وعلى الرغم من حالة تتابع تسلّط اليمين التي خلقت نفوراً داخلياً ودولياً، إلا أن هذا (الدولي/ الأمريكي)، ولخشيته حتى من شبه هزيمة لإسرائيل تماهى مع الموقف الإسرائيلي بشكل مثير للقرف.

ثانياً: من الخطأ الدخول في تحديد زمن ما قد يطول، أو يقصر لواقع الصدام العالي الوتيرة الحالي، والمفتوح على كل احتمالات التمدد، وخصوصاً مع تجميع القوى العسكرية بهذا الشكل الذي يكاد يفوق حالة حرب تشرين (350 ألف عسكري احتياط، والرقم في ازدياد، عدا عن قوات غربية وأمريكية مضافة إلى ما هو متواجد سابقاً). هذا التجميع يسمح بإطالة الأمد، ويفتح المنطقة على كل الاحتمالات.

ثالثاً: الجميع مرتبك، وهنا بيت القصيد!

الأمريكيون، ومحيطهم محرَجون، وفي حيرة من أمرهم، بين خشية على إسرائيل من الغرق في رمال غزة، وعدم وجود رؤية لديها، عن كيفية الانسحاب بنصر أو بدونه، وبين بقية الحلفاء والأصدقاء العرب المُطبعين علناً، أو سراً، والمحرَجين أيضاً (ولو بلا خجل) أمام شعوبهم. الإسرائيليون بين مطرقة الهزيمة التي قد تعني حكماً الدخول في دوامة الانتخابات وتكرارها، وبين التردد أمام المعركة البرية التي ستكون باهظة التكاليف، بعد تجربة اجتياح لبنان، وحصار بيروت، دون التمكن من اقتحامها، لما بعد خروج المقاتلين الفلسطينيين منها، وإزالة دشم الدفاع عنها. أما باقي التوابع الأمريكية تعيش الخجل أمام قيمها، وشعاراتها ومصداقيتها، أمام شعوبها التي تعارض الهجوم على غزة، رغم كل الآلة الإعلامية والسياسية المُجندة لها.

إيران الأدرى، والأدهى في الحسابات، والتي صنعت وخاضت جميع حروبها، عبر وكلائها في المنطقة، يبدو أنها رغبت بعمل ما لحركة حماس ثأراً من إسرائيل، لكنها لم تتوقع الحجم، أو قدرة حماس على تحقيق هذا الحجم من الخسائر لإسرائيل، وهي الأكثر ارتباكاً من اضطرارها دخول المعركة مباشرة، لأنها تعرف حجم خسائرها مسبقاً، أمّا الوكلاء، فارتباك الفرع تابع للأصل، وهنا كلّي أمل أن أكون مخطئاً، بأن المشروع الإسلامي للأصل والفروع متقدّم على المشروع (الفارسي/ الصفوي)، طبعاً لا تغرينا بعض المناوشات في الجنوب اللبناني، لأن إمكانية فتح جبهة بطول (79كم لبنان،76كم الجولان، بالإضافة ل 51كم غزة) إمكانية موجودة، ومتوفرة لمن يريد فعلاً.

باقي العرب: لا حديث…! بالكاد هي في مجال البحث عن وسائل، وأدوات استكمال السيطرة على شعوبها. وهي معنية فقط في حسابات النصر والهزيمة، وخطابهم (السياسي/ التعبوي)، ورؤيتهم لها التي لا أرقام للشهداء فيها ولا حجم الدمار، قد يكون (نصراً إلهيّاً) كحرب تموز 2006، أو نصراً جماهيرياً ثورياً (كنصر 67…؟ حين تمكّن النظام في دمشق من تحقيقه، بعد أن فشلت إسرائيل من إسقاط النظام كهدف رئيسي لحربها). جميعهم يتربّص لقطف ثمار الخواتيم، وهم سادة العارفين، بأن الجوائز والمكاسب الأمريكية توزّع، وفق مدى السمع والطاعة.

وحده (الفلسطيني/ السوري) غير مرتبك، فلا سُبل أمامه، ولا بدايات ونهايات له، إلا البسط والقبض، الوجد والفيض، الحلم والرفض، له الشجن القاهر المُوجع المُستحب الذي يبدع، وعلى كلّ القيامات يقوم.

_________________________________________

من مقالات العدد الخامس من صحيفة (العربي القديم) تشرين الثاني/ نوفمبر 2023

زر الذهاب إلى الأعلى