رسالة أوجلان إلى العشائر العربية.. بين الاعتباطية والضياع
محاولة أخيرة ويائسة لتحسين شروط سجنه، حتى ولو على حساب إراقة مزيد من الدماء السورية

أسامة المصري – العربي القديم
عبد الله أوجلان الذي ظهر في مطلع مارس الماضي على شاشات التلفزة في فيديو مسجل بدا مسالما إلى درجة الاستسلام، عندما أدلى ببيانه حول حل حزب العمال الكردستاني متحدثا عن السلام، وعن الجمهورية التركية الديموقراطية، وأاهمية الحوار، وقال حينها أنه “لا سبيل سوى الديمقراطية والحوار الديمقراطي ولا بقاء للجمهورية إلا بالديمقراطية الأخوية”، مضيفا أن “لغة العصر هي السلام والمجتمع الديمقراطي بحاجة إلى التطوير”.
لكن أوجلان عندما أراد التحدث عن فرعه السوري فقد غابت هذه الكلمات من رسالته التي وجهها إلى العشائر العربية قبل أيام، مشددا على بقاء قوات سوريا الديموقراطية قائدة للمنطقة والمجتمع مطالبا الجميع بدعمها وتقويتها، فهل يعتقد أوجلان أنه يمكن أن يكون مسالما ومستسلما في تركيا، ومقاتلا في سوريا مثلا؟ وهل يستطيع الجمع بين هذا التناقض؟ فإذا كان ذلك لا يعني المخاطبين في سوريا سواء كانوا أكرادا أم عربا، فإن ذلك سيكون انعكاسه سيكون سلبيا عليه في تركيا، وتضعفه في موقف سيئ أمام من سعوا إلى صفقة حل الحزب وتسليم السلاح وما قدموه من ضمانات.
السيد أوجلان الذي أتعبته سنين الاعتقال حيث تجاوزت الـ 26 عاما، يبدو أ ان الصفقته التي رعاها حزب الشعوب الديموقراطي التركي لم تثمر في إطلاق سراحه، وربما حتى تحسين شروط سجنه، فأتت رسالته لتكون محاولة للقول أنه لا يزال قادرا على التحرك عبر الفرع السوري لحزبه، والذي لم يسلم سلاحه وهو متواجد في منطق هامة في سوريا، فأوجلان دفع برسالة التفافية إلى القبائل والعشائر العربية في الجزيرة السورية، يدعوهم للالتفاف حول قوات سوريا الديموقراطية “قسد”، وواضح من رسالة أوجلان أنه بات كالغريق الذي يتعلق بقشة وأن رسالته التي يمكن وصفها بالاعتباطية، كانت تحتوي على مفاهيم ضبابية، متحدثا عن العلاقة بين الشعبين الكردي والعربي ساردا مغالطات تاريخية.
في مطلع الرسالة تحدث أوجلان عن (الأمة الديموقراطية) وفي الواقع هذا مصطلح ابتدعه أوجلان على عجل، فالديموقراطية نظام سياسي ولا يطلق على تجمعات بشرية، فأوجلان يريد أن يؤسس أمة جديدة في الجزيرة السورية، من العرب والأكراد، متجاهلا الآشوريين والسريان بشكل متعمد على اعتبارهما أقليتان صغيرتان، ولا ندري لماذا اعتبر فقط العشائر عربا فهل بقية السوريين ليسوا عربا؟، إنه منطق متهافت حقا يريد وحدة الأكراد مع العرب في الجزيرة السورية، لكن لا يريدهم في الدولة السورية التي أغلبية شعبها من العرب، وفي محاولة ساذجة لإثبات التاريخ المشترك للأكراد والعرب يستعرض التاريخ بطريقة كاريكاتيرية عندما يقول “هناك علاقات بين الشعبين الكردي والعربي. وفي أعماق التاريخ دوماً كانت الصداقة والأخوّة بين الشعبين العربي والكردي في المقدمة. حتى أصبحت هذه الصداقة أساساً في دخول غالبية الكرد الدين الإسلامي الحنيف بسهولة خلال فترة ظهوره وانتشاره بقيادة الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) “. إنها جمل لا ترابط بينها، معتبرا الصداقة هي سبب دخول الأكراد إلى الدين الإسلامي، دامجا بين ظهور الإسلام وانتشاره، إنه تملق ليس في مكانه.
أوجلان يريد الإبقاء على جناح حزب العمال الكردستاني في سوريا المتمثل بـ “قسد”، مسلحا ومسيطرا على مناطق الجزيرة السورية، ومصادرا لقرارات الأقليات الأخرى من أشوريين وسريان، في محاولة أخيرة ويائسة لتحسين شروط سجنه، حتى ولو على حساب إراقة مزيد من الدماء السورية، وهو من المفترض أنه يعلم أن سوريا ليست قابلة للقسمة باتفاق معظم السوريين والمحيط الإقليمي والدولي، وبذلك يؤكد أوجلان أن الجزيرة السورية يجب أن تبقى تحت سيطرة منظومة حزب العمال الكردستاني الحاكمة والمتحكمة بمصير الناس ومصادرة قراراتهم وإراداتهم بالقوة.
ويعطي حديث أوجلان في رسالته مؤشرا على عدم توازن في الرؤية فمرة يتحدث عن اتحاد العشائر العربية مع الأكراد، لتشكيل “الأمة الديموقراطية” ومرة يتحدث عن الاتحاد في سوريا، عندما يقول (هذا الاتفاق الذي تقودونه اليوم، هو تاريخي من ناحية، واجتماعي من ناحية أخرى، كذلك له أساس سياسي أيضاً، لذا إن هذا الموقف والاتحاد في سوريا له أهمية كبيرة، وأنا أعطيها معنى كبيراً.) فهو في هذه الفقرة لم يوضح عن أي اتفاق يتحدث هل الاتفاق مع العشائر الذي يدعو إليه مع الأكراد؟، أم مؤتمر وحدة الصف الذي عقد في الحسكة؟، أم أنه يتحدث عن اتفاق الذي وقعه السيد مظلوم عبدي مع الرئيس أحمد الشرع؟، ليعود مرة أخرى ويتحدث عن أهمية دعم “قسد” كشرط للعيش في أمان وسلام، وهذا يعني أنه بدون دعم “قسد” وتنفيذ أوامر السيد أوجلان لا يوجد أمان وسلام، وهذا تهديد واضح باستخدام القوة ضد من يرفض أوامره، ـ عائدا وحزبه إلى حقيقته الإرهابيةـ ، فيقول أوجلان (على هذا الأساس طورنا وأعطينا توجيهات على أساس أخوة الشعوب والأمة الديمقراطية. يجب أن يتساوى الكل ويكونوا أحراراً وأن يعيشوا معاً ويديروا أنفسهم سوياً، المساواة والأمان والعدالة يجب بناؤها على هذا الأساس. كذلك أن يعيش العرب والكرد معاً بسلام وهذا مرتبط بدعمكم لقوات سوريا الديمقراطية،) ومن الملاحظ أن أوجلان هنا لا يتحدث عن سوريا بل عن وحدة كردية عربية لتشكيل “أمة ديموقراطية” في منطقة الجزيرة السورية حيث استخدم كلمة إدارة أي إقليم شبه منفصل، يرجح أنه يفكر بإقليم على الطريقة العراقية، موحيا مرة أخرى أنه هو القائد الفعلي لـ “قسد”، فقد أكد في رسالته أنه هو من أعطى التوجيهات وأنه بعد ذلك يمكنكم أن تلعبوا دورا مهما في بناء سوريا ديموقراطية.
بالطبع يدرك أوجلان، أن الجزيرة السورية لا يسكنها الأكراد فقط، وأن العرب سواء كانوا من أبناء العشائر أو غيرهم، هم أصحاب أرض ومساكن ومدن وقرى في هذه المنطقة، وهم جزء من سوريا التاريخية، وبالتالي محاولته هذه لخلق أمة جديدة، تحت مسمى ”الأمة الديموقراطية” الساذج لا يمكن أن يتحقق بتجاهل العرب وهم العنصر الحاسم في هذه المنطقة، وتوجهه للعشائر العربية وحثهم على دعم وتقوية “قسد”، مهددا ومتوعدا من جهة، ومن جهة أخرى فإن ما أتى به ليس سوى محاولة ساذجة لدق إسفين بين أبناء سوريا مجددا من جهة، والقول للأتراك أنه لا يزال لاعبا ومؤثر في الساحة السورية، وبنفس الوقت خلط الأوراق بوجه السلطة السورية وإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، فأوجلان ابن المدرسة الماركسية العبثية، وحليف نظام الأسد الأب الذي تخلى عنه تحت التهديد التركي.
أوجلان مؤسس وزعيم الحزب العمال الكردستاني في تركيا، الذي أعلن عن حل وتسليم السلاح حزبه في بيانه الشهير الذي أدلى به، يريد اليوم أن يخبرنا أنه لا يزال زعيما لكن هذه المرة على جناحه السوري، الذي يرفض تسليم السلاح، حتى لو قاد ذلك الى حرب، فهذه الورقة آخر ما تبقى له وربما نستطيع وصفها بالنزع الأخير، لكن من جهة فإن تركيا التي تبحث عن مصالحها وفقط ولا تعنيها لا سوريا ولا الأكراد السوريين، إلا بما يحقق مصالحها ونفوذها، فإنها قد تجد في مواقف أوجلان هذه ذريعة للعمل العسكري وبالتالي يمكن القول “على نفسها جنت براقش”، فهل غابت هذه عن حسابات أوجلان أم أنه بات يتخبط مع احساسه بفقدان الأمل.
أنه أمر مثير للشفقة أن يرضخ الأكراد السوريون وقادتهم للسيد أوجلان، الذي بدا من خلال رسالته أنه يحتاج إلى مزيد من الوقت لفهم المسألة السورية وأيضا عليه قراءة التاريخ وفهمه أكثر، فأوجلان أضاع البوصة عندما خرج عن مفاهيمه الماركسية والقومية، فبدا مشوشا ومرتبكا، فهو يريد القول للأكراد لا تلقوا السلاح ولا تندمجوا في سوريا الموحدة اخلقوا أمة جديدة.
ما يثير الشفقة أيضا ليس ما ورد في رسالة أوجلان من سذاجة أو اعتباطية أو ضبابية، بل تبنيها والتعامل معها من قبل جمهوره كونها رسالة تاريخية رغم رفضها جملة وتفصيلا من قبل زعيم العشائر العربية، وهذا ما يؤكد حجم الوهم الذي يعيشه بعض المثقفين والنخب، بانفصالهم التام عن الواقع مع ارتفاع منسوب الكراهية إلى درجة خطيرة بعد سقوط نظام الأسد.