العربي الآن

رحيل عصام العطار: رفض الرشاوى السياسية.. وحافظ الأسد اغتال زوجته وعيّن شقيقته وزيرة

محمد منصور – العربي القديم

رغم أن كثيرا منهم يتخذ موقفا مختلفا من حركة الإخوان المسلمين التي كان أحد أبرز رموزها في سبعينيات وثمانينات القرن العشرين، فقد نعى السوريون وبكثافة وإجلال رحل السياسي والمفكر السوري عصام العطار الذي غيبه الموت فجر اليوم  الجمعة، في مدينة آخن الألمانية عن عمر ناهز السابعة والتسعين عاماً، قضى أكثر من سبعة عقود منها في العمل السياسي، ومقارعة حكم البعث الفاشي في سورية وخارجها.

ونعى ولدا المفكر السوري الكبير أيمن وهادية العطار والدهما على صفحته على فيسبوك بالقول:  “توفي والِدُنا عصام العطار الليلة (ليلة الجمعة ٢٣ شوال ١٤٤٥ ه / ٢ أيار ٢٠٢٤ م) تغمدهُ اللهُ برحمَتِهِ ورضوانِه وهوَ يسألكم المسامحة والدعاءَ لَهُ بالمغفِرَةِ وحسنِ الخِتام

وقد أرفقا نعوتهما بكلمات وداعية مؤثرة كان قد تركهما والدهما جاء فيها:

„وَداعاً وَداعاً يا إخوَتي وأخَواتي وأبنائي وبناتي وأهلي وبَني وَطَنِي. أستودِعُكُمُ اللهَ الذي لا تَضيعُ وَدائِعُه، وأستودِعُ اللهَ دينَكم وأمانتَكم وخواتيمَ أعمالِكُم، وأسألُ اللهَ تَعالَى لَكُمُ العونَ على كُلِّ واجبٍ وخير، والوِقايَةَ مِنْ كُلِّ خَطَرٍ وشَرّ، والفرجَ مِنْ كُلِّ شِدَّةٍ وبَلاءٍ وكَرْب. سامِحوني سامِحوني واسْأَلوا اللهَ تعالى لِيَ المغفِرَةَ وحُسْنَ الخِتام. شكراً لَكُم شكراً. جَزاكُمُ الله خيراً. أخوكم عصام العطار“

سوريون من كافة الاتجاهات ينعونه

ونعى العديد من الكتاب والمفكرين والأدباء والسياسيين من مشارب مختفلة عصام العطار على صفحاتهم الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي، فكتب الأديب والمفكر السوري محيي الدين اللاذقاني:

“رحم  الله العالم الجليل عصام العطار الذي يمثل مع شقيقته نجاح العطار حالة الانقسام السورية داخل الاسرة الواحدة ،فقد طاردته العصابة الاسدية وحاولت اغتياله اكثر من مرة ونجحت في إحداها بقتل زوجته بنان الطنطاوي ابنة العلامة علي الطنطاوي فظل صامدا على معتقداته، وبرحيله يختفي جيل المعارضين الاوائل”

ووصف الباحث عباس شريفة العطار بـ “الأيقونة السورية” وقال في منشور له على صفحته على فيسبوك:

“انتقل إلى رحمة الله تعالى الأيقونة السورية والإنسان النبيل الاستاذ عصام العطار في مقر إقامته بمدينة آخن الألمانية بعيداً عن وطنه بعد أن أمضى  أكثر من 60 عاما في مغتربه معارضاً عنيداً للنظام حالماً بالحرية و العودة إلى الوطن. إنا لله وإنا إليه راجعون”.

وقال الطبيب الدمشقي د. ياسر العيتي، رئيس تيار سورية الجديدة في نعيه:

“فقدت سورية مساء الأمس 2 أيار 2024 واحداً من شخصياتها الوطنية التي يندر أن يجود الزمان بمثلها. رحل صديق الوالد الحميم الذي طالما وصفه بأنبل العبارات كلما ذكر أمامه. رحل الأب الحنون والزوج الوفي والشاعر الرقيق والأديب البارع والخطيب المفوه. كان عصام العطار  ثورة على الظلم لا تهدأ، حمل الخطاب الوطني الجامع، شحذ العزائم وأوقد الهمم وأيقظ العقول، ولم يمنعه الضعف والمرض من إيصال كلماته للسوريين حتى آخر أيام حياته. رحل عصام العطار مثال الصدق والتضحية والإخلاص، وبقي ذكره شعلة خالدة تضيء الطريق لكل سوري يسعى إلى حرية سورية ووحدتها واستقلالها”.

وكتبت ابنة مصياف السيدة ندى الخش:

“وداعا ابن سورية عصام العطار مؤسس حركة الاخوان المسلمين والتي اختلف معها ببرنامجها السياسي وبماقامت به من ادوار عصفت الى جانب ادوار اخرى بوضع سورية الوجودي ولكن كان من حقه ان يعيش في سورية وان لايتم حرمانه من زوجته والتي ماتت اثر محاولة اغتيال له فكان الموت نصيبها. هذا جزء من أشعاره التي كنا نود سماعها منه داخل سورية وليس في المنافي… الله يرحمك وعزائي الحار لكل ابناء سورية…

كم ذا أحنُّ إلى أهلي إلى بلدي

إلى صِحابي وعهد الجدِّ واللٔعبِ

إلى المساجدِ قد هامَ الفؤادُ بها

إلى الأذانِ كلحنِ الخلد منسكبِ

إلى المنازل من دينٍ ومن خلقٍ

إلى المناهل من علمٍ ومن أدبِ

‏والشَّوقُ في أضلعي نارٌ تذوّبني

ما أفتكَ الشّوق في أضلاعِ مغتربِ

ما أفتك الشوق في أضلاع مغترب.

سيرة سياسية مبكرة

ولد عصام العطار عام 1927، في منزل يعتبر ملتقى للعلماء والمفكرين الإسلاميين، فوالده الشيخ محمد رضا العطار كان عالما وقاضياَ ومن رجال القضاء الشرعي والعدلي، وكان رئيسا لمحكمة الجنايات ومحكمة واعتبرمن أبرز الوجوه الدمشقية في عصره.. وأسرته حفلت بأسماء لامعة في الشعر والأدب والحياة أبرزها شاعر دمشق أنور العطار.

عصام العطار طفلا مع والده الشيخ محمد رضا العطار

انخرط عصام العطار منذ فتوته بالعمل الدعوي وانضم إلى جمعية شباب محمد (ص) التي تعتبر نواة حركة الإخوان المسلمين السورية. كان العطار الشاب خطيباً بليغاً في مسجد الجامعة، وعرف عنه الانفتاح على جميع الحركات والجماعات سواء اتفقت مع فكر الأخوان أم لم تتفق. أول مواجهة له مع السلطة سنة 1951 حيث هاجم بخطبته الحاكم العسكري آنذاك أديب الشيشكلي الذي أمر بإغلاق مقرات جماعة الأخوان المسلمين، فأمر هذا الأخير باعتقاله مما اضطره إلى السفر إلى مصر عام 1952 وعاد إلى دمشق عقب اشتداد مرض والده ليشهد وفاته عام 1953. وعقب  المؤتمر الذي عقد في دمشق وضم علماء ومشايخ سوريا الكبار والسياسيين السوريين الإسلاميين، اختير عصام العطار بالإجماع أمينا عاما لهيئة المؤتمر الإسلامي، وكان وقتها يتقلد مناصب أخرى في الهيئة التشريعية والمكتب التنفيذي للإخوان المسلمين.

في عام 1956 أوفدت جامعة دمشق الأستاذ مصطفى السباعي إلى أوربا للاطلاع على مناهج الدراسات الإسلامية، فاختير عصام العطار ممثلا ومتحدثا باسم الأخوان المسلمين، وكان عصام العطار من الناحية الفعلية يحمل مسؤولية المراقب العام للأخوان المسلمين والمكتب التنفيذي في وقت واحد.

بين الوحدة والانفصال

في فترة الوحدة بين سوريا ومصر، كان صوت عصام العطار من الأصوات النادرة  التي ارتفعت عالياً في وجه الطبقة المستبدة التي حكمت سوريا في عهد الوحدة، رغم ذلك رفض العطار التوقيع على وثيقة الانفصال وتمسك بالوحدة على أسس صحيحة وديمقراطية.

وبعد عدة أشهر من وقع انفصال، اختلف العسكريون مع السياسيين فاعتقلوا رئيس الدولة د. ناظم القدسي ورئيس الوزارة، ودعوا ثلاثة عشر شخصا منهم عصام العطار من أجل أن يشاركوا في استلام دفة الحكم، لكن عصام العطار رفض ذلك، وطالب بإعادة رئيس الجمهورية المنتخب إلى مكانه، فأفرجوا عنه وأجبروه على تكليف بشير العظمة بتأليف الوزارة، فدعا الرئيس ناظم القدسي عصام العطار إلى القصر الجمهوري وعرض عليه المشاركة في الوزارة، لكنه رفض لأن بشير العظمة شيوعي ولا يصلح لتأليف الوزارة برأيه، وطالب بحكومة ائتلافية يشارك فيها الجميع أو حكومة حيادية يطمئن إليها الجميع. فاتصل رئيس الجمهورية بعصام العطار وعرض عليه أن يسمي أربع وزارء، لكنه فاضطرت حكومة بشير العظمة للاستقالة.

صحافة عهد الانفصال تنتقد عصام العطار وتتهمه أن يريد التلاقي مع عبد الناصر!

في مواجهة البعث وحكم الأسد

 بعد استيلاء حزب البعث على السلطة في سوريا بانقلاب سنة 1963، رفض عصام العطار الاعتراف بشرعية الإنقلاب، ويقول في إحدى المقابلات عن تلك المرحلة: “رأيت الوجه الطائفي من وراء الحركة، وأعلنت ذلك وأكدت أنه بالنسبة لبلادنا فإن النظام الذي يحميها من المخاطر الخارجية هو النظام الديمقراطي، و إلا فإن النظام الديكتاتوري ضرر في كل جوانبه”.

وعلى إثر مواقفه الجريئة من البعثيين الإنقلابيين، سعت القيادة البعثية إلى إغتياله عدة مرات وفشلت، فقامت بمنعه من العودة إلى سوريا عندما خرج للحج سنة 1964، وبقي منفياً وممنوعاً من دخول بلاده حتى وفاته.

بعد اشتداد الأزمة مع الإخوان المسلمين في نهاية السبعينيات، سعى حافظ الأسد لاستمالة عصام العطار، محاولا شق صف الحركة، ورشوته ببعض الامتيازات، وأرسل له موفدا خاصا على مستوى رفيع جدا أخبره أنه سيستقبل داخل البلاد بكل التقدير والاحترام،  كما وسط شقيقته تجاح العطار التي كانت قد عينت وزيرة للثقافة منذ عام 1976 لكن عصام العطار رفض وسطاتها، كما أخبر مبعوث الأسد في ذلك الوقت أنه شخصيا لم يكن ولن يكون له أي قضية شخصية، والقضية عنده هي بلادي، الأمر الذي دفع حافظ الأسد للانقلاب عليه وأوعز لمخابراته القيام باغتياله، وكانت السلطات الألمانية تغير مكان إقامته بشكل دائم حفاظاً على حياته وحياة الآخرين من حوله، لكن يد الغدر طالت زوجته بنان علي الطنطاوي التي قتلت عام 1981 في عملية اغتيال كان المقصود فيها اغتياله هو… ووقف عصام العطار في المركزالإسلامي في آخن لينعي زوجته قائلا: “الله عندنا أكبر من القتلة والظالمين.. وأكبر عندنا من الحكم الديكتاتوري الطائفي في سورية”.

علاقته بشقيقته نجاح العطار

لم يطو رحيل حافظ الأسد وتوريث الحكم لابنه بالقوة وبمباركة أمريكية، صفحة العداء مع هذا النظام الاستبدادي، وفي ثمانينات القرن العشرين، أذكر أن أهل دمشق كانوا يتداولون أشعاره سراً،  مثلما كانوا يرددون بأن عصام العطار إذا عاد إلى سوريا سيكون انتقام الأول من شقيقته نجاح العطار التي عملت مع عدوه ومع أجهزة المخابرات التي اغتالت زوجة شقيقها، إلا أن هذه الرواية التي كانت تتناقلها الألسن شفاهاً في السهرات كلما ظهرت صورة نجاح العطار على التلفزيون، هي أبعد ما تكون عن طبيعة العلاقة التي خلقت بعداً مختلفاً تماماً في المسار السياسي كما في الاجتماعي والعائلي: ولهذا عندما سئل عصام العطار بعد تعيين شقيقته نجاح العطار في منصب نائب الرئيس 2007م عن إمكانية عودة إلى سوريا في عهد الوريث الابن، أجاب مختزلا علاقته بشقيقته:

“لا علاقة لهذا التعيين بي شخصياً، ليس لي ولن يكون لي أي مطلب خاص، هي (نجاح العطار) ذات شخصية مستقلة عني، وأنا صاحب شخصية مستقلة عنها، وهي لا تعنيني بشيء”.

نجاح العطار: حاول حافظ الأسد استغلال علاقتها العائلية بالشيخ عصام العطار سياسيا في أكثر من اتجاه

ولهذا قيل الكثير من السياسيين وشهود العيان أن حافظ الأسد كان يرى في نجاح العطار، قناة للتواصل مع الإخوان حين تقتضي الحاجة، من خلال علاقتها العائلية بالمراقب العام للإخوان آنذاك، إلا أن تلك المحاولات لم تفلح عن أي نتيجة تذكر!

لكن المؤكد والثابت أن نجاح العطار لم تكن لتحظى بهذا الاهتمام والتركيز على توزيرها لنحو ربع قرن في وزارة الثقافة، لولا أهمية صلتها العائلية، وما أراد حافظ الأسد استغلاله من خلاله القول أن شقيقة المراقب العام لأخوان المسلمين الذين يقاتلون ضدي هي وزيرة في الحكومة!

…. وأدرك فجر الثورة

رحل عصام العطار صاحب العديد من الكتب والدراسات والمقالات والأشعار والعمل السياسي الطويل، الذي عاد إلى الواجهة بحيوية عندما انطلقت الثورة السورية، فأيدها بقوة وسجل الكثير من رسائل الفيديو ونشرها على موقع اليوتيوب، ليدعوا فيها السوريين إلى التوحد في وجه الطاغية ويحثهم على الصبر والثبات.. وظهر في العديد من البرامج التلفزيونية، ليقول للسوريين وللتاريخ: لقد أمد الله بعمري لأشهد ثورتكم وتوقكم الحقيقي للحرية والكرامة والتغيير… وهذا يكفيني.

زر الذهاب إلى الأعلى