شبيحة السيادة: بين تحرير الأرض وتحرير العقول
بلال الخلف – العربي القديم
عندما تدخل إلى صفحات النظام على مواقع التواصل، يتدفق شعورٌ عميق بالاشمئزاز أمام كمّ السذاجة المغلفة بالعنعجهية والغرور. ترى ببغاوات النظام يرددون شعارات السيادة كأنها من أصول المعتقد، يتغنون بوهم العظمة وكأنهم يحاولون إقناع أنفسهم قبل غيرهم بأن واقعهم البائس هو ذروة المجد. سيادة باتت أوسع من (….) تتحول إلى ستارٍ يخفي تحته الواقع المرير. في هذا العالم المغلق، حيث تبدو عقولهم محاصرة بقوقعة تمنعهم من رؤية أي ضوء خارج تلك الحدود الوهمية، يصبح التفكير المستقل خطيئة، وتتحول المحاولة للخروج من هذا الصندوق إلى خيانة لا تُغتفر.
لكن الغيرة ليست محصورة بعبيد السلطة وحدهم، للأسف. على الضفة الأخرى، نجد بيننا في صفوف الثورة من لم يتحرر من ذات العقلية. هناك من خرج ضد النظام، لكنه لم يخرج من “قوقعة” التفكير ذاتها. هؤلاء يعيشون في صراع دائم مع أي نجاح يتحقق، صغيراً كان أو كبيراً، في المناطق المحررة. نجدهم يبحثون عن العيوب في كل مشروع أو بناء، وينفقون ساعات في الحديث عن الأخطاء ويملؤون الساحة “بنصائحهم” الجوفاء. المفارقة أن هؤلاء، الذين يقدمون أنفسهم كناصحين أو مراقبين، لهم تاريخ مليء بالفشل والتخبط؛ فشلهم السابق ليس سراً، بل ترك أثره في قرى ومدن ومناطق وأحزاب بل ثورة بأكاملها.
هذا الحسد أو الحقد على أي تطور أو إنجاز، يعكس مأزقاً فكرياً كبيراً؛ هنا ندرك أن تحرير العقول أصعب بكثير من تحرير الأرض. معركة الأرض واضحة، معروفة النهاية تدور في ميادين محددة ولها طرقها وأسلحتها. أما تحرير العقول فهو معركة ضد أوهام رسختها عقود من التلقين المتكرر، حيث يظل الكثيرون سجناء لقوالب عقلية قديمة، تخنق التفكير الحر وتمنعهم من رؤية العالم كما هو.
في المناطق المحررة، لم يدّع أحد أنها “دبي الثانية” أو “جنة الفروس” كما يتصور بعض محدثي النعمة أو ضعيفي البصر، لكنها على الأقل مساحة تمنح الناس فرصة للتفكير بحرية، ومكاناً يمكن فيه للناس تجربة نماذج جديدة رغم التحديات الكثيرة. ورغم التواضع النسبي، فإن هذه المشاريع، التي تُبنى وسط الصعوبات، هي في جوهرها خطوة نحو مستقبل مختلف، نحو أرض لا تخضع لهيمنة الأنظمة التي تسجن العقول وتشل الفكر.
لكن يبقى هذا التحرير الفكري التحدي الأكبر. إنه نضال يتجاوز المعارك المادية، فهو صراع ضد جدار سميك من الأوهام، ضد قوالب جامدة تفرض نفسها على التفكير، وضد عقلية تقليدية تتعامل مع الواقع بتقديس للماضي ولا تعترف بالتغيير. ولعل الانتصار الحقيقي لن يتحقق إلا حين تنكسر هذه القوقعة ويخرج الجميع لرؤية العالم بحقيقته، بعيدًا عن شعارات النظام وأوهام “الطريق الوحيد” التي طالما استخدمها كأداة للبقاء.