أرشيف المجلة الشهرية

الشيشكلي لم يعدم أحداً خلال فترة حكمه

تعقيب على مقالة د.  محيي الدين اللاذقاني "الشيشكلي إن حكى"

بقلم: نزار المحمد شققي

الأستاذ محمد منصور رئيس التحرير:

قرأت باهتمام بالغ مقالة الدكتور محيي الدين اللاذقاني”الشيشكلي إن حكى” في مجلتكم الغراء، وباعتباري جزءاً من فريق العمل، الذي عمل على كتاب (أديب  الشيشكلي الحقيقة المغيبة)، وأسهمت – بجهد متواضع – في تحقيق المادة التاريخية في الكتاب، رأيت أن أكتب إليكم، لكي أسجل بعض الملاحظات على المقالة المذكورة، والتي لا تغض من إعجابي بالمقالة بشكل خاص، وبكتابات الدكتور اللاذقاني بشكل عام.

 والحال أنني حين فرغت  من قراءة المقالة التي يتداخل فيها الأدب مع السياسة، تذكرت وصف الناقد السعودي عبد الله الغذامي للاذقاني بأنه “امتداد للجاحظ في عصرنا”، فقد كان مثله أديباً وسياسياً، وأنا في ردي هذا لست معنياً بالجانب الأدبي في النص – على إعجابي  به- ولكنني سأحاول مناقشة السياسة فيه، وأحب أن أؤكد قبل كل شيء أن اهتمامي  منصرف – ليس إلى المساجلة والجدال، بقدر ماهو منصب على الإضاءة على بعض المغالطات التي وردت في النص، والتي ترددت كثيراً في الفضاء الإعلامي، حتى بات يخيل لقارئها أنها حقائق راسخة مسلّم بها، ولأنني أعرف في الدكتور اللاذقاني موضوعيته واستقلاليته وحرصه على تحري الحقيقة التاريخية بعيداً عن التحيزات المسبقة، آثرت  أن أشير  إلى تلك المواضع التي أخطأ فيها الدكتور الحقيقة بحسن نية.

يقول الدكتور اللاذقاني، إن الشيشكلي كان صديقاً لحسني الزعيم، وساهم في انقلابه، ولكنه انقلب عليه، وشارك في إعدامه، وهنا يقفز النص فوق واقعة مؤكدة، وهي أن الشيشكلي اصطدم مع الزعيم، عندما قام هذا الأخير بتسليم أنطون سعادة إلى السلطات اللبنانية التي أجرت له محاكمة سريعة، ثم أعدمته على إثرها، فقد اعتبر الشيشكلي أن هذا العمل كان إهانة للشرف العسكري، بعد أن أعطى الزعيم الأمان لسعادة، وأهداه مسدسه الخاص دليلاً على هذا العهد. وكنتيجة لهذا الصدام سُرّح الزعيم الشيشكلي من الجيش، وغادر الشيشكلي بعدها إلى قريته في محافظة حماة، وبقي فيها حتى انقلاب الحناوي على الزعيم، وبالتالي لم يكن للشيشكلي أي دور على الإطلاق في انقلاب الحناوي، ولا في الإعدامات التي تمت صباح ذلك الانقلاب، وذهب ضحيتها الزعيم، ورئيس وزرائه محسن البرازي- الذي هو بالمناسبة ابن خال الشيشكلي- ويمكن للباحث أن يعود إلى كتاب الضابط محمد معروف، الذي قال إنه بعد انقلاب الحناوي بدأ البحث عن الشيشكلي ووجده في قريته قرب حماة..

وفي هذا الصدد نؤكد على حقيقة معروفة عن الشيشكلي، وهي أنه لم يُعدم أحداً طوال فترة حكمه، وأنه عفا حتى عن الذين حاولوا اغتياله، ثم يذهب الدكتور اللاذقاني إلى القول إن الشيشكلي قام بقصف السويداء بالطيران، وهنا نحيله إلى التقرير الذي حرره قائد درك موقع السويداء عادل البغدادي عن أحداث السويداء بالتفصيل بعد انتهائها، والذي يضع هذه الأحداث في حجمها الحقيقي، ويشرح مسبباتها، ويعدد ضحاياها من الطرفين، وقد تم الحصول على هذا التقرير من ملفات المحكمة البرازيلية التي حاكمت قتلة الشيشكلي، وسينشر كاملاً في الطبعة الثانية من كتاب ” الحقيقة المغيبة” التي ستصدر قريباً.

 كما أن جميع من شهد معارك السويداء من ضباط موالين للشيشكلي، وخصوم له نفوا مشاركة الطيران، بما فيهم عدنان حمدون، شقيق مصطفى حمدون الذي أذاع بيان عصيان حلب.

⁠ بعدها يقول الدكتور اللاذقاني إن أزمة السويداء هي التي أخرجت الشيشكلي من الحكم، وهذا غير صحيح فحوادث السويداء كانت قد انتهت بتاريخ ٢ فبراير حسب الوثائق الأجنبية، وجاء  وفد من جبل العرب لتهنئة الشيشكلي، واستنكار فتنة الجبل، والذي حدث أن الشيشكلي استقال حقناً للدماء، بعد تمرد قطعات عسكرية في حلب ودير الزور، وحتى لا يقتتل الجيش في ما بين فئاته، وهو الذي قال: كرسي الحكم عندي لا يعادل قطرة دم واحدة لجندي سوري.

وختاماً، يقول الدكتور اللاذقاني في كتابه “نورس بلا بوصلة”، إنه يرحل دوماً كالنورس بدون دليل أو بوصلة، وليسمح لي أن أقترح عليه بوصلة تجنبه المطبات والعثرات، وتنشط ذاكرته السياسية، حين يكتب في تاريخ الشيشكلي بحثاً عن (الحقيقة المغيبة) في خضم التهميش والافتراء والتزوير، ألا وهو الكتاب والعنوان نفسه الذي سبق ذكره.

وأخيراً أعبر عن اعتزازي بهذه الفرصة للحوار مع الأديب والسياسي اللاذقاني، الذي عاش كالشيشكلي تجربة المنفى بعيداً عن الوطن الذي أحبه، وأخلص كلاهما له الحب.

_________________________________________

من مقالات العدد الرابع عشر من (العربي القديم) الخاص بالأسر السياسية في التاريخ السوري – آب / أغسطس 2024

زر الذهاب إلى الأعلى