الصحافة العالمية

النص الكامل لتقرير الإيكونومست: هل يخرج ديكتاتور المخدرات السوري من عزلته؟

بشار الأسد أقل عزلة.. لكنه غير قادر على إبقاء البلاد متماسكة!

العربي القديم – ترجمة: وسنان الأعسر

يعتبر هذا التقرير المطول لـ “ذا إيكونوميست” البريطانية، من أدق ما كتب عن سورية في الصحافة العالمية منذ مطلع العام الحالي… وهو يظهر أزمة بشار الأسد وتجارة المخدرات التي يستقوي بها، مثلما يظهر معاناة السوريين في مختلف مناطق حكم الأمر الواقع سواء لدى النظام أو في مناطق سيطرة الأكراد أو مناطق الشمال الواقعة تحت السيطرة التركية، إلا أنه يكشف أن المعاناة الأسوأ للمواطن السوري هي في المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد… وهذا النص الكامل للتقرير الذي دأبت مواقع عدة في اليومين الماضيين على الاكتفاء بلتخيصه (العربي القديم)

طفل نازح ينظر من حفرة في فصله الدراسي إلى مدرسة مؤقتة أقيمت في مخيم للنازحين السوريين في قرية حرنبوش بمحافظة إدلب

انقسام بشكل متزايد

في البداية بدا الأمر وكأن افتتاح معبر أبو الزندين في أغسطس/آب بين الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون والأراضي التي يسيطر عليها النظام داخل سوريا قد يبشر بإعادة ربط أجزاء البلاد. وعلى تلة خارج الباب، شمال حلب، قام المتمردون، تحت حماية تركيا، وقوات النظام، تحت حماية روسيا وإيران، بسحب الأسلاك الشائكة. وخطط السوريون النازحون في الشمال لزيارة وطنهم التي طال انتظارها. ورحبوا باحتمال الإعفاء من التعريفات الجمركية الباهظة التي يفرضها المهربون. وتساءلت الحكومات الأجنبية عما إذا كان اللاجئون قد يغامرون بالعودة إلى ديارهم. ولكن بعد يوم واحد، بدأت القذائف تتطاير وأغلق المعبر مرة أخرى.

في حين تتجه أنظار العالم إلى غزة، تدخل الحرب في سوريا، التي قتل فيها أكثر من 400 ألف شخص وشردت 14 مليون شخص، عامها الرابع عشر. وتبدو البلاد المحطمة أشبه بلبنان، جارتها الفوضوية. فهي منقسمة بشكل متزايد على أسس عرقية ودينية. ويدافع أمراء الحرب المدعومون من قوى أجنبية عن مناطق نفوذهم، ويمولون ميليشياتهم مثل قطاع الطرق ويتقاضون رسوماً مقابل عبور خطوط الصراع. وقد تدخلت القوى الخارجية، فتبنت زعماء محليين وعبثت بالعلاقات العرقية والدينية. وفي اقتصاد متوسط ​​الدخل كان سريع النمو في السابق، يعيش أكثر من ربع السكان على أقل من 2.15 دولار في اليوم. وكان عدد قليل من السكان يعيشون على هذا الدخل قبل عام 2011، عندما بدأت الحرب. وبات الشمال السوري الذي يعيش فيه نصف سكان سوريا الحاليين -16 مليون نسمة – خارج سيطرة الحكومة في دمشق، ويحكمه مقاتلون سنّة في الشمال الغربي. أما شمال شرق سوريا، فتحكمه جماعات كردية تدعمها أمريكا، وتقف بينهما تركيا والحكومة السورية المؤقتة الوكيلة عنها.

البلد ملكهم!

لقد فقد النظام السوري السيطرة على الأجواء والحدود. وتتصرف روسيا وإيران ووكيلها حزب الله وكأن البلد ملكهم. وتهيمن المليشيات الشيعية من العراق ولبنان على المناطق الحدودية. واستخدم حزب الله سوريا كقاعدة لإطلاق صواريخ ضد إسرائيل. وفي جنوب شرق البلاد، يعيش الدروز، الذي التزموا سابقا بدعم عائلة الأسد، ولكنهم يحتجون منذ أكثر من عام ضد  بشار الأسد، وطالبوا بانتخابات حرة وخروجه من السلطة.

وفي الشمال، ساعدت الموارد من أموال النفط المهرب والقمح، الأكرادَ على ترسيخ كيانهم، وكذا أعدائهم الجهاديين في إدلب. وقال مسؤول في الأمم المتحدة: “لم يعد سيد الموقف”، في إشارة إلى بشار الأسد العالق في العاصمة، مع أنه لا يزال يؤمن بقدرته على توحيد سوريا التي فتتها وتعزيز موقعها كقوة إقليمية.

الأسد يجادل بدون تقديم أسباب

 الأسد يتحدث عن “لا مركزية إدارية” لتوحيد البلد. وهناك خطة لإلغاء نظام الخدمة العسكرية الإلزامية البغيض. ويجادل الأسد، بدون تقديم أسباب، أن بقاءه في السلطة، بدد مخاوف أعدائه الأجانب من إيران ومن موجة جديدة من اللاجئين، وربما لهذا السبب تخلوا عن مطالبهم بالانتقال السياسي وفتحوا العلاقات الدبلوماسية معه.

وفي العام الماضي، أعادت جامعة الدول العربية مقعد سوريا، وبدأت بإرسال المساعدات. وفي تموز/ يوليو، اقترحت ثماني دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، التعاملَ الدبلوماسي مع الأسد. ويريد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إعادة العلاقات وإنعاش الاقتصاد السوري كوسيلة لإقناع اللاجئين السوريين بالعودة إلى بلادهم. إلا أن جيش النظام السوري منهك ولا يستطيع استعادة الشمال. وبدون دعم  مالي خارجي، فربما يخسر الأسد الأراضي الواقعة تحت سيطرته. ولكنّ هناك عددا قليلا من الدول التي ستغامر وتتحدى العقوبات الأمريكية وتستثمر بعروضه المتزايدة لبيع أصول الدولة، مثل مطار دمشق، علاوة على تمويل إعادة إعمار سوريا التي قدر البنك الدولي كلفتها بحوالي 200 مليار دولار.

الدولة تنهار والأسد يسيطر على المهربين

وإذا حكمنا من خلال الأنوار الليلية، فإن البنك الدولي يقدر انكماش اقتصاد سوريا بأكثر من 80% منذ عام 2010. كما خسرت الليرة السورية 99% من قيمتها منذ بداية الحرب، وهو انهيار يشبه انهيار الليرة اللبنانية. وفي الشمال، تخلى السوريون عن العملة المحلية واستبدلوها بالليرة التركية. وفي العام الماضي، خفّض الأسد معظم الدعم، مما أدى إلى إعاقة المزيد من الخدمات الأساسية. وتقول معلمة لم يعد راتبها يغطي تكلفة ركوب الحافلة إلى المدرسة: “أنا سعيدة بالتطوع ولكن ليس بالدفع للتطوع”.

في الوقت الذي تنهار فيه الدولة، يسيطر الأسد على المهربين، ولديه شبه احتكار على الإنتاج العالمي لمخدّر الكبتاغون. وتقول تقارير البنك الدولي، إن قيمة صادرات المخدرات هي ضعف قيمة الصادرات المشروعة مجتمعة في سوريا. ولكن العائدات تعود إلى جيب الأسد وليس إلى الدولة، في حين تضيق قاعدته الشعبية أيضا. ففي التعديل الحكومي الأخير، كان كل المعينين تقريبا من العلويين، وهم الأقلية التي ينتمي إليها.

حكومة الشمال وكلاء لتركيا

ويعتقد آخرون أنهم قادرون على إنقاذ سوريا، ففي قصر مسوّر بمنطقة الري قرب الحدود التركية، يرى وزراء في الحكومة المؤقتة أنفسهم بأنهم مستقبل سوريا الموحدة لمرحلة ما بعد الأسد.

ففي مناطقهم التي تمتد على مساحة 40 ألف كيلومتر مربع جنوب تركيا وباتجاه حلب، ثاني أكبر مدن سوريا، يتحدث الناس بحرية. وتظهر اللافتات المعادية للحكومة في كل مكان، ويحصل رجل الشرطة على 100 دولار في الشهر، أي خمسة أضعاف راتب عنصر الشرطة بمناطق النظام، وتتوفر الكهرباء على مدار الساعة، وتم إنشاء منطقة صناعية توفر للمستثمرين عمالة رخيصة ومنفذا للأسواق العالمية الحرة عبر تركيا. ولكن أنقرة تحتفظ بآلاف الجنود في شمال سوريا، وتريد أن تظل الحكومة السورية المؤقتة وكيلة لها وليس حكومة المستقبل.

ويقول أحد المسؤولين، إن 15% فقط من عائدات الجمارك التي تجمعها تركيا عند المعابر الحدودية الدولية تذهب إلى الحكومة المؤقتة، فيما يذهب معظمها إلى المجالس المحلية والمليشيات التي تشكل الجيش السوري الحر الذي يبلغ قوامه 45 ألف جندي. ويعترف قائد إحدى المليشيات السورية المدعومة من تركيا: “كل شيء في أيدي الأتراك، لا تريد تركيا أن نتّحد في حالة رفضنا لها، ولهذا السبب يمولون العديد من المليشيات”.

والعديد من الممثلين المحليين، بمن فيهم رئيس وزراء الحكومة المؤقتة، هم من التركمان. وحتى المآذن في العديد من المساجد التي تم ترميمها بطريقة تحاكي التصميم التركي، برماح معدنية رفيعة مثل الكماشة بدلا من المثمنات الحجرية التقليدية في سوريا. ويقول مسؤول أممي آخر، إن شمال سوريا الذي تسيطر عليه تركيا يشبه الجزء الشمالي من جزيرة قبرص الذي تسيطر عليه تركيا منذ خمسين عاماً: “إنها شمال قبرص قيد الإنشاء”.

إن سوريا وعلى مدى 2000 عام ظلت متشرذمة أكثر من كونها متحدة، وهو ما يصدق عليها اليوم. ومن المرجح أن تستمر عزلة بشار الأسد الداخلية والدولية على الرغم من سعي بعض الدول الغربية والعربية إلى إعادة علاقاتها به، كما سيستمر الأسد بالاعتماد على تجارة الكبتاغون للمحافظة على نفوذه المحدود بعيدا عن تأثير القوى الكثيرة التي تشاركه الحكم في سوريا، آملا بتقبل العالم لحكمه بمرور الوقت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى