العربي الآن

ما الذي سيتغير بعد اغتيال حسن نصر الله؟

فاضل المناصفة – العربي القديم

انتهى الأسبوع الأول من التصعيد على لبنان بمقتل الرجل الأول في ميليشيا حزب الله حسن نصر الله، وهو ما اعتبره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كفيلا بتغيير موازين القوى بالمنطقة، وليس من الغرابة أن يبالغ “بيبي” في تعليقه عن الحدث كون هذا ” الصيد الثمين ” يمنحه لبعض من الوقت ما يرفع من أسهم شعبيته في الداخل الإسرائيلي، ويساعده نوعا ما في خفض الاحتقان الشعبي ضد حكومته، ويغطي على جملة الإخفاقات مع دخول الحرب في غزة عامها الأول واستمرار أزمة الرهائن، مع الفشل في القضاء فعليا على حركة حماس، لكن المؤكد أن اغتيال نصرالله قد أحدث إرتباكا كبيرا على مستوى القيادة في حزب الله وهي على أعتاب اجتياج بري.

قائمة الاغتيالات الاسرائيلية مليئة بالأسماء الثقيلة ومع ذلك لم تتمكن استراتيجيتها من صنع الفارق في معادلة الصراع ما دامت أيديولوجيات الحركات التي تواجهها لا تتأثر بالتغيير الذي يطرأ على قيادتها، لذلك فإن تصفية حسن نصر الله الذي أتى في الأصل خليفة لسلفه عباس الموسوي المغتال في غارة جوية عام 1992، لا تعدو كونها محاولة لاستعراض القدرات الإستخباراتية والقدرات العالية في اختراق المنظومات التقليدية والمتطورة في الاتصال داخل  الدائرة الداخلية للقيادات التي تواجهها، وهي بالتالي عمليات انتقامية محدودة لا تصل إلى مستوى الردع الحقيقي، بما أن الحركات التي تواجهها تنجح استنساخ قيادة لا تحيد عن مبادئ القيادة التي جاءت خلفا لها وإن فعلت فإن مصيرها التصفية.

يطلق المرشد الإيراني خامنئي تهديدات بالثأر والرد على اغتيال حسن نصر الله ومع ذلك لن يكون الرد بمستوى الصدمة التي تعرض لها حزب الله وقد كان ردا باهتا سرعان ما تتجاوزه الأحداث تماما كما كان الحال عليه مع عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، والحقيقة أن محدودية الرد الإيراني لم تفاجئنا لأنه سيدرج بعد أيام قليلة في خانة “ضبط النفس” أو ما شابه.

أن تستمر إسرائيل في نفس استراتيجيتها خلال الأيام القادمة وان تطيح بعدد آخر من الرؤوس فهذا أمر وارد بالنظر الى المستوى الاستخباراتي أو اللوجستي الذي كشفت عنه منذ عملية ترصد و إستهداف أبرز قادة حركة حماس اسماعيل هنية في طهران، أين كان يفترض ان تكون درجة الاحترازات الأمنية عالية المستوى وأن تستمر في المزيد من الإختراقات داخل الدائرة الداخلية لقيادات حزب الله فهذا أمر غير مستبعد وقد يتكرر في أي لحظة،  لكن أن تستمر إيران في بث خطابات الوعيد والتهديد عبر خامنئي من طهران ورسائل السلام والأمن من نيويورك عبر رئيسها بزشكيان، وبينما تترجم ردود الفعل الإيرانية العجز عن فعل أي شيء، يتحول هذا العجز الى ضرر كبير يهدد نفوذها ويضعف قوتها في المنطقة، وقد تصاب بسهام الانتقادات والتشكيك من داخل أذرعها، ما يخلق حالة أشبه بالتمرد تنادي بمراجعة جدوى العلاقة مع مؤطر “وحدة الساحات” وحدودها بعد أن باتت محل شبهة ودون فائدة تذكر.

تدعي إيران بأنها تمارس سياسة ضبط النفس في محاولة منها لعدم الوقوع في فخ توسيع رقعة الصراع في الشرق الأوسط ولذلك أطلقت صواريخها التي لم تقتل ولا إسرائيليا واحداً… والذي سيمكن نتنياهو من مواصلة حرب غزة دون خسارة الدعم غير المشروط من القوى الغربية ومع ذلك لا تتوانى عن تحريك ذراعها الضغير في اليمن تفاديا للإحراج الكبير الذي يلاحقها منذ بدأ العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة وعن غياب دورها الذي كان يفترض به أن يكون أعلى نسقا وأكثر فاعلية، في مواجهة مصيرية قد تخرج قطاع غزة من معادلة محور المقاومة السائر في طريق القدس، لكن في حقيقة الأمر تضع طهران حدودا لتصرفاتها تماما كما فعلت في المواجهات السابقة بما يضمن أن تبقى حساباتها قائمة فيما يتعلق بملفها النووي، وبما يضمن أن تبقى قنوات الحوار مفتوحة مع حلفاء إسرائيل وفي مقدمتهم أمريكا.

بداية الحرب البرية في جنوب لبنان وتحتمال نهايتها حسب ما يلبي أهداف إسرائيل الأمنية، قد تعني الكثير خسارة قوة الردع الإستراتيجي الوقائي الذي مارسته ضد إسرائيل من على الجبهة اللبنانية خدمة لمصالحها البعيدة المدى، أما لبنانيا فانحسار هيمنة حزب الله عن المشهد قد يفتح الباب لعهد جديد يسمى “عهد الخلاص” وقد يعيد للدولة دورها لتعيد بناء ما دمرته الحسابات الإيرانية الضيقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى