الرأي العام

مقامات أمريكية | رسالة من السجن الأمريكي

الديمقراطية للبعض وليس للكل - ديمقراطية ملائمة - هي ليست ديمقراطية على الإطلاق.

ترجمة: حسام عتال – العربي القديم

كتب محمود خليل، من المعتقل، مقال رأي في جريدة واشنطن پوست، عدد ١٧ نيسان ٢٠٢٥. خليل فلسطسني- سوري، كنت قد تشرفت بمعرفته وقت زيارتي لجامعة كولومبيا عندما كان الطلاب قد أقاموا معسكراً من الخيم احتجاجاً على حرب إسرائيل على غزة. محمود تخرج مؤخراً من جامعة كولومبيا، وكان من قادة الطلاب المتظاهرين الناشطين ضد حرب إسرائيل على الشعب الفلسطيني. قبضت عليه سلطات الهجرة مؤخراً بأمر من البيت الأبيض بسبب نشاطه، وهو الآن في معتقل في ولاية لويزيانا.

من المعسكر الاحتجاجي الذي أقامه طلاب جامعة كولومبيا احتجاجاً على حرب إسرائيل على غزة، بعدسة مترجم المقال (العربي القديم)

  • المـــــقـال:

إنها الساعة الثالثة صباحا وأنا مصاب بالأرق، مستلق على سرير من طابقين في مدينة جينا، لويزيانا، بعيدا عن زوجتي نور، التي ستلد طفلنا في غضون أسبوعين. يغطي صوت المطر الذي ينقر السقف المعدني (للمهجع) شخير سبعين رجلا يتقلبون على الحصائر في مركز المحتجزين الذي تديره إدارة الهجرة والجمارك. من منهم يحلم بالوقت الذي يلتم به شملهم مع عائلاتهم؟ من منهم لديه كوابيس أن يصبحوا ذلك “الخطأ الإداري” التالي لإدارة ترامب؟

في يوم الجمعة، جلست في قاعة المحكمة حيث قرر قاضي الهجرة أنه يمكن للحكومة ترحيلي على الرغم من وضعي كمقيم دائم بشكل قانوني، وعلى الرغم من أن ادعاءات الحكومة ضدي كانت دون أساس من الصحة – فقد تم أخذ الكثير من “أدلتهم” مباشرة من الصحف الشعبية (التي تكتب بغرض) الإثارة. هذا القرار لن يؤدي إلى ترحيلي الفوري لأن بعض جوانب  قضيتي لا زالت عالقة في محاكم أخرى.

باكراً اليوم، تصفحت رسائل (وصلتني من) المناصرين لي. على أحد المغلفات هناك طابعان بريديان يصوران العلم الأمريكي. كتب على أحدهما “الحرية إلى الأبد”، والآخر أعلن “العدالة إلى الأبد”. هذه مفارقة مذهلة، خاصة فيما يتعلق بما خبرته عن كيفية استغلال الإدارة الحالية لقانون الهجرة بغرض فرض أجندتها القمعية. أفكر في السرعة الخاطفة التي عُرضتْ بها قضيتي وقُررتْ نتيجتها، بعد تعطيل كل الإجراءات القانونية المستحقة. من جانب آخر، أفكر في أولئك الذين معي في السجن، كثير منهم قد انتظروا منذ شهور أو سنوات نفس “الإجراءات القانونية المستحقة”.

خلال جلسة الاستماع لقضيتي يوم الجمعة، أكَّدتْ الحكومة، نيابة عن وزير الخارجية ماركو روبيو، أن معتقداتي ومقولاتي ورفاقي يعرضون مصالح سياسة الحكومة الخارجية “الأساسية” للخطر. مثل الآلاف من الطلاب من رفاقي الذين عملت معهم في كولومبيا – بما في ذلك الأصدقاء المسلمين واليهود والمسيحيين – أنا أؤمن بحق المساواة بين كل البشر. وأنا أؤمن بالكرامة الإنسانية. وأؤمن بحق شعبي في رفع بصره إلى السماء الزرقاء دون الخوف من صاروخ وشيك الوقوع عليه.

لماذا يجب أن يؤدي احتجاجي على قتل إسرائيل العشوائي لآلاف الفلسطينيين الأبرياء إلى تردي حقوقي الدستورية؟

ذكر لي المحامي الذي وكلته أن هناك قضية (سابقة) في القانون تسمى “إندو” تشابه بحيثياتها قضيتي. بعد أيام، عند بحثي في مكتبة القانون، اكتشفت القصة الإنسانية وراء تلك السابقة القانونية. لقد تحدت ميتسوي إندو السلطات التي اعتقلتها، وهي امرأة أمريكية يابانية كانت مسجونة خلال الحرب العالمية الثانية، ورفعت قضيتها إلى المحكمة العليا. فازت قضيتها، وساعد ذلك النصر في تأمين إطلاق سراح الآلاف من المعتقلين اليابانيين.

إن سجن سبعين ألفاً من المواطنين الأمريكيين ذوي الأصل ياباني هو تذكير بأن خطاب العدالة والحرية يغطي على حال الواقع الذي كانت فيه أمريكا ففي كثير من الأحيان، فالديمقراطية تعمل فقط عندما تكون ملائمة (للسلطة). فتمنح الحقوق لأولئك الذين يتوافقون مع السلطة، أما بما يتعلق بالفقراء، أو للأشخاص الملونين، أو الذين يقاومون الظلم، فإن الحقوق ليست سوى كلمات مخطوطة على الماء. لطالما كان الحق في حرية التعبير، عندما يتعلق الأمر بفلسطين، ضعيفا بشكل استثنائي. ومع ذلك، فإن الحملة (التي تشنها الحكومة) على الجامعات والطلاب تكشف عن مدى خوف البيت الأبيض من تطور فكرة حرية فلسطين (وانضمامها) إلى حيز تيار الرأي العام. لم إذا يحاول مسؤولو ترامب ليس ترحيلي فحسب، بل إنهم يتمادون ويضللون الجمهور عمداً بما يتعلق بمن هو أنا كشخص، وبالذي أدافع عنه؟

ألتقط نسختي من كتاب “بحث الرجل عن المعنى” لفيكتور فرانكل، وأشعر بالخجل من مقارنة ظروفي عند احتجازي من قبل سلطات الهجرة بمعسكرات الاعتقال النازية. ومع ذلك، فإن بعض جوانب تجربة فرانكل يتردد صداها في تجربتي: عدم معرفة المصير الذي ينتظرني، وشعور الاستسلام والهزيمة الذي أراه في زملائي المحتجزين. كتب فرانكل من منظور طبيب نفساني، وأتساءل عما إذا كان حسام أبو صفية، مدير المستشفى المعروف الذي اختطفته قوات الاحتلال الإسرائيلية في غزة في السابع والعشرون من ديسمبر، والذي وفقا لمحاميه من مركز العدالة وحقوق الإنسان، قد عانى من الضرب، والصدمات الكهربائية، والحبس الانفرادي، أتسأل إن كان سيكتب عن محنته من منظور الطبيب.

إنها الساعة الرابعة صباحا تقريبا. السماء ترعد. على مسافة بضعة صفوف (من أسرّة المهجع)، يضّم رجل زجاجة من الماء الساخن التي وضعها في جورب كي يكتسب بعض الدفء. يستخدم سجادة الصلاة كبطانية، ويريح رأسه على حذائه. يستلقي المحتجز (الآخر) قليلا، كان يصلي طوال الليل، لقد قبض عليه وهو يعبر الحدود مع زوجته الحامل ولم ير طفله أبدا، (الطفل) البالغ من العمر تسعة أشهر الآن. أحاول إقناع نفسي بأن هذا القدر لن يكون قدري، على الرغم من أن الحُكم (الذي أُطلق) يوم الجمعة بشأني يجعل هذا الاحتمال أكثر واقعية مما أريد الاعتراف به.

أكتب هذه الرسالة مع شروق الشمس على أمل أن يؤدي نزع حقوقي إلى رفع أجراس الإنذار بأن حقوقكم هي (أيضاً) في خطر آت. آمل أن يثير غضبكم أن أكثر الحقوق الإنسانية بداهة، وهي الاحتجاج على المذابح الفظيعة، يتم قمعها بوساطة قوانين غامضة، ودعاية عنصرية، ودولة مرعوبة تخشى من مواطنين يقظين. آمل أن يدفعكم كتابي هذا لإدراك أن الديمقراطية للبعض (وليس للكل) – ديمقراطية ملائمة –  هي ليست ديمقراطية على الإطلاق. آمل أن يهز ذلك كيانكم (ويدفعكم) للعمل قبل فوات الأوان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى