العربي الآن

السوريون في فرنسا يسعون لتأسيس جالية ما بعد الأسد ومخابراته

الانتقال من دور مُستقبلي المعونة إلى جالية سورية فاعلة تُنفذ برامج ومشاريع تُفيد المواطن السوري،

العربي القديم – تحقيق: فراس اللباد – باريس

يسعى سوريون مقيمون في فرنسا إلى تأسيس رابطة رسمية للجالية السورية عقب انتهاء حكم نظام الأسد، وذلك لعدم وجود تمثيل حقيقي للجالية على مدار أكثر من أربعين عامًا، بسبب ارتباطها الوثيق بأجهزة أمن النظام البائد، حيث، تنص المادة المتعلقة بمسؤوليات روابط المغتربين العرب السوريين، بموجب النظام الأساسي الصادر بالقرار رقم ١٦ بتاريخ ١٦-١-٢٠٠٧، على تكليف مجلس إدارة الجالية بمهام تنظيمية وخدمية، سيمثل هذا التشكيل صوت جميع السوريين في الخارج، بعد تجاوزهم للمرحلة الصعبة التي عاشوها خلال فترة حكم النظام البائد وأجهزته الأمنية.

التشكيل والروابط

“معتز شقلب “ أحد المؤسسين وعضو اللجنة التحضيرية للجالية، قال: على مدار اثني عشر عامًا، بذلنا كسوريين جهودًا مضنية لإنشاء جالية متكاملة في فرنسا تعنى بخدمة أبناء الجالية السورية وتُوَحِّد جهودهم، إلا أننا واجهنا عقبات أدت إلى فشل هذه المحاولات، مُتذرعين بحجة عدم أحقيتنا بالتحدث باسم الجالية، وبعد تحرير البلاد، يتعين علينا الانتقال من دور مُستقبلي المعونة إلى جالية سورية فاعلة تُنفذ برامج ومشاريع تُفيد المواطن السوري، وتُسهم في بناء وطننا. وقد انبثقت فكرة تأسيس هذه الجالية من عدة جهات مشاركة .

وتابع، في البداية، أعلنّا تمثيل منتسبي جمعيتنا فقط، نظرًا لأن رابطة الجالية ستُنشأ وفقًا لقانون منظمات المجتمع المدني الفرنسي، لكننا سنُقدم خدماتنا لجميع السوريين، وتتمثل أهدافنا الرئيسية في تشكيل لوبي سوريّ يعمل على تحصيل حقوق السوريين، والعمل على تنشئة أبنائنا على حب الوطن سوريا، وتعليمهم اللغة العربية، وإنشاء الكشافة السورية، حيث ستعمل هذه الفرق الكشفية على تعليم الطفل اللغة العربية وتنمية مواهبه رياضيًا وفنيًا، ومن أهدافنا الأساسية أيضًا، العمل على التواصل مع أصحاب الشركات والمصانع لتأمين فرص عمل لشبابنا، وأهمها أيضا فهو إبعاد أطفالنا عن طريق المخدرات، ولن يتم ذلك بالنصح فقط، بل من خلال توفير أنشطة جاذبة لهم رياضيًا وفنيًا ودينيًا، ويبقى الهدف الاستراتيجي هو إنشاء لوبي سوري قويّ في سوريا، يتعاون مع السوريين في أوروبا في تشكيل لوبي سوريّ من خلال اتحاد الجاليات السورية في أوروبا.

وأضاف، أن غالبية المنظمات المدعوة قدّمت دعمها الكامل لإنجاح المشروع، مُعبراً عن شكره الجزيل لهم نيابةً عن اللجنة التأسيسية.

ولا أخفي عليكم أننا واجهنا في البداية معارضة من بعض أفراد الجالية السورية، إلا أن أعداد المعارضين تراجعت مع مرور الوقت، ويرجع ذلك جزئياً – وللأسف – إلى عدم كفاية شرحنا للمشروع، حيث اعتمدنا في تأسيس الجالية نظام اللامركزية الإدارية مع المحافظة على المركزية المالية نظراً لحساسية هذا الجانب. بدأنا العمل من خلال المدن، حيث أسست كل مدينة انضمت إلينا مجموعتها الخاصة، وعقدت مؤتمراتها، وانتخبت عضواً واحداً من كل عشرة أعضاء لتمثيلها في الأمانة العامة، والتي ستجتمع في الخامس عشر من حزيران/يونيو لانتخاب مجلس إدارة مكوّن من واحد وعشرين عضواً، ثلثهم من باريس، لقيادة الجالية لمدة سنتين.

وأشار، إلى وجود ارتباط وثيق ومتين قائم على الولاء والانتماء للوطن الأم، وهو ارتباط معنوي اعتباري، أما تنظيميًا، فنحن منظمة مجتمع مدني مستقلة، لا نرتبط بأي جهة، ونخضع للقانون الفرنسي .

التأثيرات والمسؤوليات القانونية

الباحث والمحامي “فراس حاج يحيى”  يلاحظ أن سياسات الدولة المُضيفة تؤثر بشكلٍ كبير على شكل الجاليات وتطورها؛ فكلما اتسمت هذه السياسات بالانفتاح، ووفرت إطاراً قانونياً مُنظماً يضمن حرية العمل المدني والتمثيل، سهُل على المهاجرين والوافدين واللاجئين تأسيس كيانات تمثيلية تُعبّر عنهم، وتحفظ تماسكهم الثقافي وتفاعلهم الإيجابي مع المجتمع المُضيف، مع الحفاظ على صلتهم بوطنهم الأم.

 أما السياسات التي تتسم بالرقابة المُشددة أو الإجراءات البيروقراطية المُعقدة، أو التي تنظر إلى التنظيمات المهاجرة بنظرةٍ مُريبة، فإنها تُعيق تشكيل جالية متماسكة، وقد تدفع المهاجرين نحو العزلة أو التكتلات غير الرسمية، مما يُؤثر سلبًا على عملية الاندماج والتمثيل.

وتابع، الفرق بين “التجمع” و”الجالية”  “التجمع” يُشير نظريًا إلى وجود مكاني أو ظرفي لمجموعة أفراد من أصل واحد أو خلفية مشتركة، دون بالضرورة وجود روابط تنظيمية أو هوية جماعية واضحة. أما “الجالية”، فتتجاوز ذلك إلى إطار أوسع وأكثر تنظيمًا، يتميز بدرجة من التماسك والتمثيل المؤسسي والمشاركة في الحياة العامة.

وتابع، تُعتبر مجموعة المهاجرين “جالية” متى توافرت لديها بنية تنظيمية واضحة (كجمعيات أو مجالس منتخبة)، وهوية جماعية متفق عليها، ومشاركة فعّالة في الشأنين الخاص والعام (عبر مؤسساتها أو في المجتمع المضيف)، وآليات تواصل داخلية وخارجية تُحافظ على وحدة الصوت وتُتيح التفاعل مع مكونات المجتمع الأخرى.  ويُجيز القانون الفرنسي هذه التجمعات ويمنحها حق الترخيص كجمعية فرنسية بموجب قانون 1901.

عملياً، ووفقاً للتشريعات السورية، لا يكتسب أي تجمع سوري في دول الاغتراب الصفة الرسمية كرابطة جالية سورية إلا بموجب النظام الأساسي لروابط المغتربين العرب السوريين، الصادر بالقرار الوزاري رقم ١٦ تاريخ ١٦-١-٢٠٠٧ من وزارة الخارجية السورية، ولا يعتبر الترخيص في فرنسا تحت مسمى رابطة جالية سبباً لذلك

وأضاف، في حديثه موضحًا أن الجمعيات الفرنسية تخضع للقانون الفرنسي من الناحية القانونية، حيث يتحمل أعضاء مجلس إدارة الجالية أو الجمعيات التي يمثلونها مسؤوليات محددة ناتجة عن تمثيلهم لكينونة قانونية، حيث تشمل هذه المسؤوليات، على سبيل المثال لا الحصر:

الالتزام بنظام الجمعية أو الكيان التمثيلي؛ ضمان الشفافية المالية والإدارية؛ اتخاذ القرارات بشكل جماعي و متزن؛ تمثيل مصالح الجالية بحيادية؛ الالتزام بالقوانين المحلية المنظمة للعمل المدني، والمسؤولية القانونية عن أي تقصير أو إساءة استخدام للسلطة .

تنص المادة المتعلقة بمسؤوليات روابط المغتربين العرب السوريين، بموجب النظام الأساسي الصادر بالقرار رقم ١٦ بتاريخ ١٦-١-٢٠٠٧، على تكليف مجلس إدارة الجالية بمهام تنظيمية وخدمية، منها على سبيل المثال لا الحصر:

* تنظيم فعاليات متخصصة تلبي احتياجات أفراد الجالية في المجالات الصحية، الثقافية، التعليمية، والسياحية . 

• التنسيق مع السفارات السورية والجهات الرسمية المعنية لمعالجة شؤون الجالية قانونياً وإدارياً.

• الإشراف على حلّ مشكلات المغتربين وتقديم الدعم والتوجيه في القضايا الإنسانية والاجتماعية.

• دراسة الاقتراحات والشكاوى الواردة من أفراد الجالية، ورفع التوصيات المناسبة بما يحقق المصلحة العامة.

• إعداد التقارير والملاحظات الرسمية ورفعها لوزارة المغتربين لمتابعة أوضاع الجالية واقتراح الحلول الملائمة.

• تعزيز التواصل مع الوطن الأم بما يُحافظ على الهوية الوطنية والثقافية، ويدعم مصالح السوريين في الخارج.

ونوه، أنه من الناحية القانونية، لا يوجد مانع. لتكوين جالية مترابطة ما دام ذلك ضمن إطار احترام القوانين المحلية، خاصة فيما يتعلق بحرية التنظيم والتعبير وعدم التمييز. بل إن التشريعات الفرنسية تشجع على العمل الجمعيّ والتشاركي كأداة للاندماج والتماسك الاجتماعي.  يُنظم ترخيص أي جمعية، أياً كان اسمها، في فرنسا بالقوانين الفرنسية. أما الرابطة الرسمية للجالية السورية، المعتمدة من وزارة الخارجية والمغتربين السورية وسفارتها في فرنسا، فيجب تأسيسها بموجب القرار الوزاري رقم ١٦ تاريخ ١٦-١-٢٠٠٧.  إضافة إلى ذلك، يتطلب تكوين جالية مترابطة أكثر من مجرد غطاء قانوني؛ فهو يحتاج إلى أدوات تواصل فعّالة، ورؤية مشتركة، وآليات لحل النزاعات الداخلية، مما يُعزز البنية القانونية غير الرسمية، ويُعزز الاستقرار ويُقلل من احتمالات الانقسام أو الاستغلال.

تطلعات ومعارضة

أفادت السيدة “روعة”، (اسم مستعار لسورية مقيمة في فرنسا)، بأن النزاعات القائمة بين السوريين، سواءً القديمة منها أو الحديثة، يجب أن تتوقف، مؤكدةً على إدراك الجميع لعدم جدواها وفهمنا لأهدافها .

وتُلاحظ حاليًا نشاطات بعض اللوبيات التي تعمل لمصالحها الخاصة أو لمصلحة فئات محددة، وهو أمر غير مناسب على الإطلاق وسيؤثر سلبًا على الجالية السورية وتطلعاتها

وتابعتُ، لذا، نرى هذا النفور والاعتراض على تأسيس الجالية، ومع ذلك، فإننا ندعم كل ما من شأنه أن يُفيد سوريا ومواطنيها، سنكون بوجه أي عمل غير مدروس أو يفتقر إلى المصلحة الوطنية ومعارضته، علماً بأن هذه المعارضة ستكون قوية وحازمة لخدمة بناء صحيح بعيداً عن المصالح الشخصية الضيقة، فقد طال أمد اعتمادنا على المحاصصات والمصالح الخاصة على حساب المصلحة العامة هي الوطن والشعب، يكفينا موتًا على حد تعبيرها .

الجمعيات في فرنسا وحقوق الأجانب

القاعدة القانونية الأساسية: قانون الجمعيات الصادر عام 1901 (Loi du 1er juillet 1901 relative au contrat d’association). يُعد هذا القانون الإطار التشريعي الرئيسي المنظم لحرية تأسيس الجمعيات في فرنسا، ويسري على المواطنين الفرنسيين والأجانب على حد سواء، كما يحق للأجانب تأسيس جمعيات في فرنسا، دون قيود قانونية خاصة، بشرط توافر الإقامة القانونية والامتثال للتشريعات الفرنسية.

بين الهوية والاندماج والتواصل

“معمر الدالي” مطور ويب وصانع محتوى قال للعربي القديم: إن السوريين في فرنسا، بناءً على مشاهدات يومية، لم يسعوا إلى الانفصال أو تشكيل مجتمع خاص بهم، على عكس بعض الجنسيات الأخرى في فرنسا أو في دول أوروبية أخرى، وذلك لقلة عددهم وتوزيعهم الجغرافي. بدلاً من ذلك، سعوا للاندماج في المجتمع الفرنسي، خاصةً وأن المجتمع السوري متنوع ثقافياً ودينياً، مما يسهل عملية الاندماج والتأقلم. ومع ذلك، واجهت هذه التجربة عدة تحديات، أهمها ضعف برامج الاندماج الحكومية الفرنسية وقلة فعاليتها، حيث لم تناسب تجاربهم ولم تساعدهم على الاندماج بشكل كبير ثقافياً واجتماعياً، واقتصر اندماجهم على المستوى الاقتصادي وسوق العمل فقط.

وأضاف، إلى أن تجربة الاندماج التي مر بها السوريون في فرنسا أسفرت عن اندماجهم في مجتمع ثالث، مختلف عن المجتمع الفرنسي الأصيل، يتمثل تحديدًا في مجتمعات من أصول عربية، خاصةً من دول المغرب العربي. ويعزى ذلك جزئيًا إلى غياب هوية مجتمعية فرنسية واضحة في العديد من المدن التي استقر بها السوريون، والتي يمثل سكانها من أصول مغربية أغلبية. وقد أصبح اندماج السوريين في هذا السياق ضحيةً لسياسة حكومية فرنسية خاطئة، تمثلت في عزل الوافدين الأجانب في أحياء سكنية خاصة، نتيجةً لنظام السكن الاجتماعي (HLM)، والذي تحول تدريجيًا إلى سكن مخصص للأجانب، مما خلق مجتمعًا مختلفًا عن المجتمع الفرنسي الأصيل، وجد السوريون أنفسهم جزءًا منه، مُجبرين على الاندماج فيه.

وتابع الدالي، أن الأجيال الجديدة، بفضل إتقانهم اللغة الفرنسية وتأقلمهم مع نمط الحياة المحلي، لم تواجه صعوبات لغوية أو تكيفية. مع ذلك، يواجهون تحدي غياب الهوية الفرنسية لمجتمعاتهم، خاصةً في بيئات غير فرنسية. وقد لاحظنا أن نجاح الأهل في إخراج أبنائهم من مجمعات الإسكان الاجتماعي (HLM) إلى أحياء فرنسية، بفضل وضعهم الاقتصادي، سمح لهذه الأجيال بالاندماج في المجتمع الفرنسي. وقد عزز هذا الاندماج تربّيهم في فرنسا، وعدم مقاومة أهاليهم للاندماج مع احترام المبادئ الأساسية للمجتمع السوري. وقد تمكن الكثير منهم من الانصهار، لا مجرد التعايش، في المجتمع الفرنسي، لدرجة يصعب معها تمييزهم كسوريين إلا إذا صرّحوا بذلك بأنفسهم، خاصةً في الفعاليات الخاصة بالجالية السورية.

وأشار أيضاً إلى أن تطور وسائل التواصل الاجتماعي، واعتماد السوريين عليها بشكل كبير في فرنسا نتيجة لتقدم مستوى الحياة، أدى إلى استخدامها للتواصل فيما بينهم عبر مجموعات خاصة بكل مدينة، يتم فيها تبادل المعلومات حول الإجراءات الإدارية، ونصائح الحياة اليومية، بالإضافة إلى تنسيق الأنشطة والفعاليات، كما أسهم ذلك في إنشاء نظام عمل قائم على صفحات ومجموعات واتساب لتوفير المنتجات السورية غير المتوفرة محليًا، مما حول هذه الصفحات والمجموعات تدريجيًا إلى مجتمع موازٍ خاص بالسوريين، نظرًا لحلها لمشكلة قلة العدد والتشتت الجغرافي، وجمعهم في مكان واحد. وستعمل رابطة الجالية على غرار ذلك، في سبيل لمّ شمل السوريين، وتوحيد صفوفهم في المهجر.

الجدير بالذكر، أن رابطة الجالية السورية في فرنسا منظمة غير ربحية وغير سياسية، مكرسة لخدمة الجالية السورية في فرنسا، وتسهيل اندماج السوريين في المجتمع الفرنسي، إضافة إلى ربطهم ببلدهم الأم، وتعزيز التعاون بينهم وبين المؤسسات الفرنسية والسورية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى