الصلاة التي سبقت السياسة: أمير سعودي في محراب الأموي
لطالما كان المسجد الأموي شاهدًا على تحولات الأمة، من الفتوحات إلى النكبات، ومن الصحوة إلى الشتات.

بلال الخلف – العربي القديم
في لحظةٍ بدت وكأنّها خارجة من زمنٍ آخر، دخل الأمير السعودي، وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، بهدوءٍ مهيب إلى باحة المسجد الأموي في دمشق، لا كزائرٍ عابر، بل كواحدٍ من أهل البيت العائدين بعد طول غياب. كانت الظهيرة تتمدد على العاصمة بهدوء ثقيل، كأن الشمس تتريث في سمائها لتشهد لحظة استثنائية، وطيور الحمام تحلق فوق قباب المسجد في مشهدٍ بدا وكأنّه يتهيأ لاستقبال حدث غير عادي.
المشهد كان بسيطًا في صورته، عظيمًا في دلالاته. وقف الأمير فيصل يتأمل أروقة المسجد العتيق، يلمس بجفنه شموخ الحضارة الممتدة من بني أمية حتى اليوم، ثم تقدم بخطى واثقة إلى المحراب، بعد أن قدّمه وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ليؤمّ الوفد السعودي المرافق له في صلاةٍ بدت أقرب إلى رسالة من ألف بيان سياسي.

لم تكن صلاةً فحسب، بل كانت إعلانًا صامتًا عن عودة الروح إلى العلاقات بين دمشق والرياض، بين الشام والجزيرة، بين الماضي الذي فرّق، والمستقبل الذي يُعيد جمع الشتات.
الزخارف على جدران المسجد تراقب، والمآذن تصمت بخشوع، والساحة الداخلية تتنفس مجدًا غاب طويلًا. لم يكن المصلون وحدهم من تابعوا المشهد، بل كانت العيون في كل عاصمة عربية تتجه نحو الأموي، وكأنما تتأمل خارطة جديدة تُرسم بهدوء وسكينة، لا بضجيج المؤتمرات.
في لحظة الإمامة، لم يكن الأمير فيصل دبلوماسيًا يحمل ملفات ثقيلة، بل كان رجلًا يقود صفًّا من القلوب نحو قبلة جامعة. صلاة تفتح الطريق، وتغسل الطريق، وتعيد ترميم الجسور التي هشّمها الغياب.
شاهد على التاريخ.. ومشارك في صناعته
لطالما كان المسجد الأموي شاهدًا على تحولات الأمة، من الفتوحات إلى النكبات، ومن الصحوة إلى الشتات. واليوم، ها هو BG يكتب صفحة جديدة في دفتر العلاقات العربية، حيث تتقدّم الروح على السياسة، وتسبق القلوب المواقف.
زيارة وزير الخارجية السعودي لم تكن مجرّد بروتوكول سياسي، بل خطوة رمزية تحمل في طياتها نوايا كبرى، تمهّد لما هو أعمق من الملفات والاتفاقات، إلى بناء ثقة جديدة بين شعبين، ومشروعين، وتاريخين متقابلين.
دعاء في الأموي.. وعهد جديد في الطريق
خرج الوفد السعودي من المسجد بعد الصلاة، والأنظار لا تزال تلاحقهم. في صمت الأموي، وفي حجارة رواقه، كُتب دعاء ما، ربما من أحد المرافقين، أو ربما من شيخ المسجد العتيق:
“اللهم اجعل هذه الزيارة مفتاحًا للخير، وجسرًا للسلام، وسطرًا جديدًا في كتاب الأخوّة العربية.”
والأيام القادمة وحدها، ستكتب تتمة هذا الفصل.