سوريا: حضر البعث والإخوان والشيوعيون وغاب الوطن
الوطن السوري الذي تجاوز عمره المائة عام، سيطر البعث والأسد على السلطة لأكثر من ستين عاما من عمره وعمر أبنائه

أسامة المصري – العربي القديم
مع انحلال الامبراطورية العثمانية، بدأت سوريا أولى خطواتها باتجاه أوروبا والفكر القومي والسياسي الأوروبي، ووجود الاحتلال الفرنسي أتاح المزيد من التواصل مع الحضارة الأوروبية على الجميع المستويات، الفكرية والتكنولوجية والسياسية، والثقافية والتعليمية، وبدأت سوريا ببناء مؤسسات الدولة على الطريقة الفرنسية، ووضع أول دستور سوري عام 1930 وتأسس برلمان وجرت انتخابات، وتشكلت أحزاب، كان أبرزها حزب الشعب والحزب الوطني ومن ثم الإخوان المسلمون، وتأسس حزب البعث المعبر عن الفكر القومي، فيما كان الحزب الشيوعي معبرا عن الفكر الماركسي قد تأسس مطلع العشرينات من القرن الماضي.
هذه التيارات الفكرية الثلاثة أخذت فرصتها وكانت طويلة لتحقق مشروعا وطنيا لكنها فشلت في أن تكون حالة نهضوية نتيجة ارتباطاتها الخارجية بالنسبة للإخوان والشيوعيين، وغياب المشروع الوطني في برامجها السياسية فيما سقط التيار القومي الذي عبر عنه البعث، بسبب قصور الرؤية السياسية، وغياب البرامج الوطنية وسيطرة العسكريين وصراعاتهم على السلطة.
حزب البعث
لا أستطيع أن أشكك بنوايا مؤسسي حزب البعث ولا بالحزب العربي الاشتراكي، لكن سقوط هذا التيار كان نتيجة أسباب متعددة أولها غياب المصلحة الوطنية وحضور الطموحات الشخصية، بل حتى القيادات التي كان الهم الوطني حاضر لديها لم يتقدم على الطموح الشخصي، وهذا ما حدث إثر انقلاب 1963 الذي قاده القوميون من الناصرية والبعثية لتبدأ عملية انهيار المشروع القومي فكريا وسياسيا مع هذا الانقلاب.
الضباط الذي قادوا وشاركوا في الانقلاب ربطوا بين وجودهم بالسلطة وقيادة الدولة والمشروع القومي الذي ينادي حزب البعث به، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن معظم القيادات البعثية التي شاركت بالانقلاب لم تمارس العمل السياسي وليس لديهم خلفيات معرفية وثقافية، ولا حتى معرفة بالتاريخ فكل شيء عندهم بدأ مع القضية الفلسطينية، وانقلاب عبد الناصر، الذي اعتبره معظم هؤلاء قائدا عظيما، ومعظمهم رأى في تجربته مثالا ونموذجا لتطبيقه في سوريا، أضف إلى ذلك فإن الخلفية الريفية لمعظم الضباط لعب دورا مهما في الممارسة السياسية التي لا تستند إلى أي خبرة في العمل السياسي والمؤسساتي، وكل ما لديهم خبرات محدودة تستند إلى ثقافتهم العشائرية والعائلية والانتماء الديني والطائفي، معتمدين في كل سلوكهم السياسي على الشخصنة، وكان مرشدهم عبد الناصر الذي أقصى كل الكفاءات المصرية واعتمد على الجيش الذي أعاد تأسيسه بالبناء على الولاء لشخصه، في سوريا وبعد الانقلاب المشؤوم عام 1963 بدأ التدمير الممنهج للمؤسسات والدولة والجيش.
البعث والجيش
قبل سلطة البعث كان النشاط السياسي محظورا في الجيش وعقيدة الجيش وطنية وولاء ضباطه للوطن وليس لأي تنظيم سياسي، لكن البعث وقبل وصوله إلى السلطة تجاوز القوانين وعمل على تنظيم الضباط في صفوفه ولعب زكي الأرسوزي أحد منظري حزب البعث دورا مهما في النشاط داخل الجيش.
وإثر الانقلاب بدأت عمليات التطهير التي شملت معظم الضباط غير البعثيين ومعظمهم من الأكثرية فهم لم ينتسبوا لأي حزب سياسي التزاما بالقانون السوري الذي يحظر النشاط السياسي داخل الجيش، فيما كان قد تركز نشاط الأرسوزي بين الضباط الذين ينتمون للأقليات العلويون والدروز والاسماعيليون، وبالطبع لم يكن ذلك صدفة، فخلق جيش عقائدي يسيطر على السلطة كفيل بتغيير ميزان القوى الداخلي وهذا ما حدث، فمنذ بداية الحياة السياسية في سوريا تصدر المشهد السياسي والاقتصادي أبناء المدن وهم بطبيعة الحال من المسلمون السنة والمسيحيون، فقد كانوا سباقين بالتواصل مع الحضارية الغربية في التعليم والجامعات و الجمعيات المنتديات والصحافة، وأسسوا الجمعيات ومن ثم الاحزاب وهم من قاد الحياة السياسية منذ تأسيس الدولة السورية مع هزيمة الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى، ودخول الأمير فيصل بن الحسين إلى دمشق عام 1920 ومن ثم تتويجه ملكا على سوريا.
البعث في السلطة
قادة انقلاب حزب البعث لم يتعاملوا مع برنامج الحزب بل فقط تمسكوا بالتغني بشعاراته، وعملوا بأجنداتهم ومشاريعهم الخاصة بأبعادها وارتباطاتها المحلية أو الإقليمية أو الدولية، وما حدث من خلافات بين البعثيين بعد انقلابهم والاستيلاء على السلطة، وأدت إلى صراعات لم تكن لها علاقة بالوطن ومستقبله، ولا بمشاريع سياسية وطنية ولا من أجل الوطن وبناؤه أو النهوض به، بل كل الخلافات والصراعات كانت بين أشخاص على الزعامة وأجندات وارتباطات في بعض الأحيان كانت مشبوهة، وكل ما فعله قادة البعث أنهم اجهزوا على الدولة الوليدة، مقلدين عبدالناصر بتأسيس الحكم الاستثنائي وفرض الاحكام العرفية، وإصدار المراسيم، وتأسيس أجهزة المخابرات، فيما تراجع دور مؤسسات الدولة والحكومة والوزارات، وأجهزوا على الصحافة التي كانت تلعب دورا مهما في الحياة السياسية كسلطة رابعة قبل البعث وعبدالناصر، فسلطة البعث استخدمت الأجهزة الأمنية لتطويع المجتمع وفرض الرقابة وإقصاء كل من لا يثبت ولاؤه لها، لكن لابد من الإشارة إلى أن فترة البعث الأولى كانت قصيرة نسبيا توسطها هزيمة حزيران 1967، التي شكلت الضربة القاصمة للتهريج العسكري البعثي والناصري المنادي بهزيمة المشروع الصهيوني عبر الخطابات والاذاعات ومنح الرتب العسكرية، وتقويض الدولة لصالح العسكر والحزب.
الهزيمة والأسد
بالطبع لم تكن هزيمة 1967 بسبب وزير الدفاع آنذاك حافظ الأسد ولا بسبب إعلانه سقوط القنيطرة قبل سقوطها وخيانته الموصوفة، بل نستطيع القول أن الهزيمة كانت نتيجة طبيعية لنظام عبدالناصر والبعث وقصر الأفق السياسي وغياب استراتيجية وطنية وقومية، فنظام سلطوي مخابراتي لم يكن هدفه بناء دولة وجيش وطني للدفاع عن الأرض أو تحرير فلسطين كما كانوا يزعمون بل لتأسيس سلطتهم واستمرارها، ولو كانت على ضياع الوطن.
بعد انقلاب حافظ الأسد عام 1970 انتهى دور البعث بشكل نهائي وغاب الوطن بشكل مطلق عن اهتمام الأسد، لكنه حضر عبر تدمير المجتمع وتدمير الدولة، فمع تأسيس الأسد لنظامه بدأ عملية إقصاء واسعة للبعثيين غير الموالين لانقلابه من مدنيين وعسكريين، ووسع وأنشأ أجهزة أمنية وعسكرية متعددة، ووضع أعضاء العائلة والمقربين منه في مواقع هامة بالأجهزة ألأمنية والسلطوية، لكن ما يميز حكم الأسد عن سلطة البعث السابقة، أن الأسد حول البعث لأداة في خدمة سلطته، فقد أعاد بنائها على طريقته ليتحول الحزب إلى معبر للحصول على الوظيفة، ومن ثم التسلق إلى المراتب ومواقع المسؤولية ليس أكثر، وانتهى مع حافظ الأسد أي دور وطني لحزب البعث من رأس الهرم وصولا إلى جميع مؤسساته حتى أصغر عضو في الحزب، فمع ثقافة الأسد بالولاء التي فرضها على البعث تحول جميع أعضاؤه من القيادة القطرية والقومية إلى أصغر نصير إلى جنود لدى الأسد، لكن مع ذلك بقيت مؤسسات حزب البعث ومكاتبه تعمل وتعيد انتاج نفسها على مدى العقود الستة من حكم الأب والابن.
نهاية البعث
مع انطلاق الثورة عام 2011 انهار البناء الصوري لحزب البعث بشكل نهائي وعاد معظم أعضاؤه إلى انتماءاتهم الدينية والطائفية والعائلية والعشائرية، وهذا ما ينطبق على ضباط الجيش الذين هم بطبيعة الحال أعضاء بحزب البعث، فالحزب الذي رفع شعارات قومية، وأمة عربية واحدة، تحالف قادته مع الفرس، وأسسوا واستقدموا ميليشيات طائفية دافعين بسوريا إلى انقسامات طائفية ودينية وعشائرية ومناطقية، فسلطة البعث الأولى أسست لتحالف الأقليات في الجيش ومع سلطة الأسد، لم يعد التحالف مقتصرا على الجيش وقيادة البعث بل عمم العملية لتكون شاملة وبات مبدأ تحالف الأقليات وحمايتها على مستوى المنطقة وليس سوريا وحسب وهذا ما عمل عليه طوال حياته وامتدت مع وريثه.
الإخوان المسلمون
عبر عن التيار الفكري الديني، تنظيم الإخوان المسلمين الذي تأسس عام 1944، لكن في مرحلته الأولى وبسبب قوة المؤسس الشيخ مصطفى السباعي كان اهتمامه واجندته سورية، فالمناخ السياسي والديموقراطي الذي ساد في سوريا اثناء الاحتلال والفرنسي وبعد الاستقلال، جعله مندمجا بالحياة السياسية السورية، ومتأثرا بالمد القومي والماركسي الذي كان يطبع المرحلة أوروبيا وعربيا، لكن بعد وصول البعث للسلطة والإقصاء الذي فرضه على الجميع نحى الفرع السوري لجماعة الإخوان باتجاه الانخراط بشكل كبير بالتنظيم الدولي، وبات عابرا للوطنية، ورغم كل الظروف التي عاشها هذا التنظيم إلا أنه لم يقدم أي برنامج سياسي وطني، على مدى تاريخ وجوده حتى عام 2001 حيث قدمت ما اسمته ميثاق شرف، الذي جاء فيه أنه (يمثل الدعوة إلى إطار مشترك تلتقي عليه جميع القوى السياسية، والنخب الفكرية في سورية، داعيا إلى الحرية، وتقديم مصلحة الوطن العليا على المصالح الخاصة، والاعتراف المتبادل بين جميع الفرقاء على أرض الوطن، ونبذ العنف، واعتماد الحوار الديمقراطي وسيلة لتحقيق الأهداف).
وفي عام 2004 وملاقاة للحراك السياسي السوري آنذاك قدمت الجماعة مشروعا سياسيا جاء فيه (تقوم الدولة الحديثة، التي نتبناها وندعو إليها، على جملة من المرتكزات، نعتبرها الأساس الركين لبناء دولة قادرة على القيام بأعباء أي مشروع حضاري، أهمها أنها دولة ذات مرجعية تنبثق من هوية الأمة العربية الإسلامية وثوابتها، ثم هي ترتكز بعد ذلك على تعاقدية ومواطنة وتمثيلية وتعددية وتداولية ومؤسساتية وقانونية، وهذا يقتضينا أن نوضح رؤيتنا عن مكونات الدولة الحديثة وهي: الوطن، والإنسان، والمجتمع، والسلطة).
سقوط الادعاءات
لكن مع أول امتحان سقطت هذه الادعاءات الوطنية فأثناء حرب غزة عام 2009 علق الإخوان المسلمون معارضتهم لنظام الأسد، بحجة الحرب على غزة، ـ وكأن نظام الأسد هو من يحارب إسرائيل ـ لكن اعتقد أن السبب هو العلاقة مع إيران والطلب من الجماعة ذلك تحت هذه الذريعة ومن ثم جاءت الثورة عام 2011 لتدحض ما جاء في برنامجهم السياسي وعملوا على السيطرة على كل ما نتج من مؤسسات للثورة، مقدمين انفسهم للإدارة الأمريكية كبديل لنظام الأسد كما حصل في مصر تحت رعاية الرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، لكن أوراق اعتمادهم لم تكن كافية وفشلوا في اقناع الإدارة الأمريكية بإمكانية سيطرتهم على سوريا كما حصل في مصر، وبات تناغم الجماعة مع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين واضحا حيث أخذتهم نشوة النصر الذي حققته الجماعة في مصر، وجاءت مشاركتهم في المؤتمر الإسلامي الذي عقد في القاهرة عام 2013 تتويجا لنصر الجماعة، وكانت المحاولة الأبرز للسيطرة على الثورة السورية هو إعلان الجهاد في سوريا، وهذه كانت نقطة تحول في الثورة السورية، مع تحويل الثورة الى صراع ديني بين السنة والشيعة، دافعين باتجاه السيطرة على القوى العسكرية، واحتكار التمويل والسلاح وقيادة المعارك على الأرض، إضافة إلى محاصرة القوى الثورية بالتواطؤ مع تركيا والجماعات الإسلامية التي أطلق قادتها الأسد من سجونه، وبالطبع كل ذلك كان تحت رعاية التنظيم الدولي للإخوان المسلمون، وهذا ما أكد مرة أخرى أن هذه الجماعة ليست وطنية ولا تمتلك برنامجا وطنيا، بل هدفها بالدرجة الأولى مصلحة الجماعة والسيطرة على السلطة وبناء دولتهم الخاصة وفرض نموذجهم الإيديولوجي على الآخرين، ولابد من الإشارة إلى أنه ورغم الدور الإيراني المدمر لسوريا بحضوره مباشرة أو عبر نظام الأسد، إلا أن لم يمنع هذه الجماعة من مد الجسور مع النظام الايراني المجرم إن كان بشكل مباشر أو عبر التنظيم الدولي أو عبر وكلاؤه في العراق الذين أيضا أوغلوا في الدم السوري.
الحزب الشيوعي
التيار الفكري الماركسي عبر عنه بداية الحزب الشيوعي السوري الذي تأسس عام 1924 وكان أاحد فروع الأممية الشيوعية، لم يكن لهذا الحزب منذ تأسيسه رؤية وهم لبناء الوطن والدولة بل كغيره يريد السلطة لتطبيق النظرية الماركسية بنسختها اللينينية ومن ثم الستالينية، وبقي هذا الحزب خاضع لتوجهات الحزب الشيوعي الروسي في كل المواقف السياسية، الداخلية التي تخص الوطن والخارجية التي تخص المنطقة والعالم، (عندما صدر قرار تقسيم فلسطين عام 1947 كان موقف الحزب مؤيدا للتقسيم كما فعل السوفييت، في حين رفض العرب هذا القرار) وحتى الخلافات التي كانت تحصل بين قياداته كانت تحل في موسكو طيلة ما يقارب نصف قرن من الزمن، واعتبر هذا الحزب نفسه ممثلا للطبقة العاملة رغم أنه لم تكن في سوريا طبقة عاملة بالمعنى الأكاديمي للكلمة، ومع ذلك فحتى تبنيه قضايا هذه الطبقة كان عاجزا ولم يحقق أي انجاز لهذه الطبقة، ولا أي إنجاز وطني طوال تاريخه الطويل.
انقسامات الحزب
بعد انضمام هذا الحزب لـ (الجبهة الوطنية التقدمية) التي أسسها الأسد عام 1972 وبالطبع بموافقة الرفاق السوفييت، انتقلت الوصاية على الحزب من موسكو إلى الأسد مباشرة، وأصبح الحزب خاضعا تماما لتوجيهات حافظ الأسد، أما الانقسامات التي حصلت داخله فكان مميزا انشقاق الحزب الشيوعي (المكتب السياسي) بسبب انضمام الحزب لـ (الجبهة الوطنية التقدمية)، وهذا الحزب حاول أن يلعب دورا مختلفا على المستوى الداخلي، وكذلك الابتعاد عن هيمنة موسكو، وأن يكون ضمن الاتجاه العام لقوى حركة التحرر العربية، لكن لغيابها في سوريا فقد اتجه باتجاه الإخوان المسلمين، وتعرض أعضاؤه وكوادره وقياداته للملاحقة والاعتقال وأمضى زعيمه الراحل رياض الترك 18 عاما في سجون الأسد الأب، وبكل الحالات لم يكن لهذا الحزب دور فاعل في الحياة السياسية السورية، لأسباب كثيره أهمها المواجهة مع سلطة إجرامية والقمع الشديد، إضافة إلى غياب الحياة السياسية بشكل مطلق في سوريا.
الأبناء الضالون
أما بقية الانقسامات داخل الحزب الشيوعي السوري فلم يكن لها أي أثر سياسي ولم تكن لأسباب وطنية، أو خلاف على برامج إنمائية (لا سامح الله) وفي أغلب الأحيان كانت خلافات على الحصص والمناصب، وفي النهاية عاد الأبناء الضالون إلى حضن الحزب الأم الجالس في حضن الأسد الأب، بالمحصلة حزب طال عمره إلى 100 عام دون أن يسجل التاريخ له أي انجاز وطني واحد، سوى مواقف الخزي بوجوده كحليف للأسد في مواجهة الشعب السوري وصامت عن كل جرائم الأسد الأب والابن حتى اتخاذ السلطة الجديدة في سوريا قرار حله وحظره.
العمل الشيوعي
أما ما تبقى من ماركسيين فالأبرز كان حزب العمل الشيوعي الذي مثل اليسار الراديكالي، ولم يلعب أي دور سياسي على الصعيد الوطني فجميع الأحزاب الأخرى رفضت التعامل معه لأسباب عدة من بينها اتهامه بأنه حزب علوي، ومغامر لا يأتي منه سوى المصائب لم يعمر هذا الحزب طويلا، فنشاطه يقارب الخمسة عشر عاما، تبنى هذا الحزب نهجا ثوريا بحسب أدبياته وطرح إسقاط النظام كهدف نهائي وإقامة سلطة البروليتاريا على الطريقة اللينينية، بالمحصلة كانت تجربه هذا الحزب يسارية طفولية لم يكن لديه بوصلة وطنية أو برنامج وطني، بل اتسم بالمواقف المعارضة النارية للنظام دون أساس قاعدي جماهيري، فقد كانوا مجموعة من الأشخاص لم يتجاوزوا المئات أغلبهم طلبه وخريجين جامعات معظمهم من الأقليات الطائفية أرادوا أن يقولوا “نحن هنا”، لكن لم يحققوا شيئا على أرض الواقع وكانت باختصار تجربة فاشلة بامتياز بسبب غياب النضج السياسي وغياب الرؤية الوطنية مع تبني الماركسية اللينينة بنسخة حاولت أن تجمع بين التجربة الكوبية والساندينية والبدرماينهوفية الخ، إضافة الى القمع الشديد من قبل النظام واعتقال معظم أعضاؤه وقادته، فالنظام لم يقبل أن يشاركه أحد في حاضنته الشعبية ربما هذه مشكلته الأساسية، وليس تأثيره في الشارع فهو لم يشكل يوما أي خطر على النظام كبقية الأحزاب المعارضة الأخرى، وأتى اعتقال وتصفية القيادي الأبرز في الحزب عبدالعزيز الخير مع بدايات الثورة ليؤكد ذلك أن لا أحد يمكن أن ينافس عائلة الأسد من الطائفة.
غياب الوطن
بالطبع الحديث عن هذه القوى السياسية يلزمه مساحات أوسع، لكن ما أردت القول هنا أن الوطن السوري الذي تجاوز عمره المائة عام، سيطر البعث والأسد على السلطة لأكثر من ستين عاما من عمره وعمر أبنائه، غاب الوطن عن أجندته بل حضر بشكل سلبي عبر تدميره بشكل ممنهج وعن سبق إصرار وتصميم، فسوريا قبل عبد الناصر والبعث والأسد وخلال أقل من عقدين من الاستقلال خطت خطوات كبيرة نحو المستقبل وتأسست دولة حضارية بكل ما لهذه الكلمة من معنى، فيما كان الإخوان أيضا عبر هذا التاريخ الطويل يبحثون عن الفتات على موائد الآخرين ليحققوا مكاسب للجماعة، تاركين الوطن خلف ظهورهم، بينما اليسار الماركسي يردد أقوال ماركس ولينين عن البروليتاريا، ولم ينظر يوما الى الوطن ولا تاريخه ولا مستقبله، حضرت هذه القوى كل هذه العقود من الزمن، وغاب الوطن عن اهتمامهم.
سوريا باقية
سوريا باقية وستدفن هؤلاء الذين خانوها، مع الأمل الآن أن تحظر السلطة الجديدة جماعة الإخوان المسلمين، وليبحث قادتها إن رغبوا بتشكيل سياسي وطني لخدمة السوريين والمستقبل، أما الشيوعيون بكل أنواعهم فلا أعتقد ان لديهم القدرة على تجاوز منظومتهم الفكرية وعقليتهم الاقصائية، إضافة أنه ليس لديهم خبرة بالعمل السياسي، وهم بطبيعة الحال أصبحوا من الماضي ومن المستبعد أن يستطيعوا بناء حزب جديد فالواقع في مكان وهم في مكان آخر.