الهمشرية والزعران في الرقة: شللية لشباب ضائع وثقب أسود في المجتمع المحافظ
شباب لا يترددون في رفع صوتهم، استخدام العنف، وفرض سطوتهم على من حولهم.

العربي القديم – الرقة | أسامة عبد الكريم الخلف
تعرف مدينة الرقة السورية بطابعها المجتمعي المحافظ بأعراف وتقاليد تضرب بتاريخها ومرجعياتها منذ الجاهلية ونشوء المجتمعات والتكوين القبائلي، حيث تغلب على العلاقات الاجتماعية في النسيج الرقي أواصر العشيرة والجوار والتي قوننت علاقاتها وتفاصيل أبسط تفاصيل الحياة، بين العرف الاجتماعي والتشريع ذو الطابع الديني.
بالرغم مما ذكر سابقا إلا أن الحداثة والانفتاح وتسييس وعسكرة فئوية شاذة من المجتمع الرقاوي المعاصر، أخذت تتجه نحو تكوين طبقة أغلبها من الشباب، سطع نجمها خلال حقبة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي.
الشللية بوجوهها المتعددة
الشللية أو الشلة كلمة في سورية لها عدة معاني: قد تعني “ابن الحي” أو “أهل المصلحة والمهنة الواحدة” أو “الرفيق من نفس البلد”. في بعض الأحيان، ويعرف الفرد بالشلة بمعنى شخص “عبثي” أو “غير مسؤول، لكنها بالمعنى المحلي في حواري الرقة أخذت معنى الشخص العبثي والمتمرد على الأعراف والتقاليد، وزعيم الشلة يقوم بأفعال إما تتسم بالرجولة وقوة الشخصية في الحالة الطبيعية، أو الزعيم المتسلط في قواويش وعنابر السجون، فيكفي أن تصف شخصا ما بأنه صاحب شلة بالرقة، قد تختصر وصف العديد من أفعاله وأقواله وتعنيفه وتصرفاته العبثية، وأحيانا يأخذ منحى آخر بتوصيف حالة جمعية أخرى لأصحاب المشاكل وخريجي السجون بالمشاجرات بتسميتهم .
الجانب الآخر من مفهوم “الشللية” في زوايا الشوارع والسلالم الخلفية للمجتمع المحافظ في الرقة هو مفهوم “الزعرنة” والفاعل منه هو “الأزعر” وجمعه “زعران” والذين تتهيأ الصورة النمطية في زوايا الحارات وعلى أبواب المدارس، وفي بعض الأحياء الشعبية.
من هم الزعران ولماذا تزايد عددهم؟
تنمو ظاهرة “الزعرنة” مثل نبتة سامة في النسيج المجتمعي، حيث شباب لا يترددون في رفع صوتهم، استخدام العنف، وفرض سطوتهم على من حولهم. لكن من هم الزعران فعلًا؟ ولماذا تزايد عددهم؟ وهل هم ضحايا مجتمع أم صُنّاع فوضى؟
“الزعران” كلمة شعبية تُطلق على من يستعرضون القوة ويتصرفون بعدوانية، سواء بالكلام أو الأفعال.، لكن سلوكهم غالبًا يشمل:
التهديد، التحرش، فرض الإتاوات (خوة) والتشليح، استعراض العضلات ضمن قطعان تأخذ كاريزما “الوشم، الجروح والتشطيب على الجسد”، التنمّر على الضعفاء.
في الماضي كانت هذه الظاهرة قليلة في الرقة، لكن مع ظهور وتسييس النظام السوري البائد عبر تجنيدهم في مجموعات “الدفاع الوطني، كتائب البعث” تدرجت ونمت بشكل كبير، ومع خروج المحافظة عن السيطرة كانوا الأشهر على الحواجز والاقتحامات وتلازمت معهم الانتهاكات بحق المدنيين من سلب وسرقة الممتلكات.
بالمجتمع تطورت أشكال الزعرنة حين ظهرت شخصية الزعران في الكثير من المسلسلات العربية مثل “الهيبة”، مما ساهم أحيانًا في “رومنة الزعران” أو تصويرهم كأبطال شعبيين، رغم خطورة سلوكهم الواقعي.
أبو سليم صاحب بقالية في شارع الفردوس بالرقة، يقول:
“كل يوم بمرّ عليّ واحد من الزعران. إذا ما أعطيته دخان ببلاش، بكسّر الدنيا، وتتسم هذه النبرة العدائية أنه خارج نطاق الوعي خاصة في ظل انتشار المتعاطين “الحشيش_الأتش بوز”.
أم محمود سيدة من حي الدرعية:
“ابني صار يخاف يروح المدرسة لحاله، لأن في أولاد أكبر بيضربوه وبياخذوا مصروفه، والأمر الأكثر رعبا هو الحدائق العامة التي أصبحت أوكارا وتجمعات للمتعاطين والزعران”.
رأي علم النفس: ضحايا بيئة مضطربة
تقول الأخصائية النفسية د. منى وهو اسم مستعارفي حديثها لـ “العربي القديم” عن هذه الظاهرة :
“الزعران غالبًا يعانون من نقص داخلي، ويحاولون أن يعوضوه بالهيمنة على غيرهم. هم ضحايا بيئة مضطربة، لكن سلوكهم مؤذٍ ولازم ينضبط بالقانون والتربية وغياب الإصلاحية ومراكز الاستشفاء من التعاطي بشكل مجاني، قد أثر بشكل كبير في ازدياد عددهم.
تاريخيا الزعران هم مجموعات غير رسمية في الأحياء، يتزعّمهم شخص أو أكثر يطلق عليهم “أزعر”، ويقومون بتطبيق قانونهم الخاص، وغالباً ما يعيشون في الفوضى ويحاولون السيطرة على الأحياء. في الشام، كان لكل حارة زعرانها، وكان بعض المؤرخين يطلقون على زعمائهم اسم “أزعر”.
أعمال الزعران
غالباً ما يقوم الزعران بتحصين الحارات، وتحدي السلطة، والتحكم بسكان الأحياء، وإرهاب الخصوم. بالعودة للهمشرية والتفريق بينها وبين الزعرنة، يقول الباحث والمؤرخ “محمد العزو من الرقة :
والله اللي أعرفه أن الهمشري هو الشخص الفرح رافع الكلفة يعني هذه المجموعة الطيبة من الناس. واخذ نماذج منها موضوع جيد ودقيق للكتابة .
أتصور المعنى فيه شيء من الرقة وأيضاً اللفظ فالهمشري قريب من القلب ولا يمكن أن يحدث شيء سيء بالمجتمع، وذلك هو الفرق بينه وبين الأزعر.
البلطجة أو البلطجية يا هي كلمة تركية معناها حامل السلاح، ومع الأيام تطور معني الكلمة، إلى أن أصبح أي شخص يستولي على شيء بقوة السلاح “بلطجي”
البداية بحسب شهادات متعددة من كبار السن والمعمرين بالرقة للقب “البلطجية ” تعود لسرايا الصراع في حقبة الثمانينات حيث كان المجندون من النازحين الجولانيين والفلسطينيين والمجندين من الجزيرة السورية يطلق عليهم الفدائية، بسبب تحولهم لجلاوزة لا ترحم بالاعتقالات والقمع خاصة في حلب وجسر الشغور وحماه . وبقيت هكذا نظرة ومسمى يكنى بها عناصر الجيش السوري من أبناء المنطقة الساحلية ما بعد سرايا الصراع وحقبة حافظ الأسد وبشار الأسد، وبقيت مستمرة حتى سقوط النظام 2024.
الظروف الحالية وانتشار المخدرات وكثرة المتعاطين بالرقة قد أثقلت كاهل المجتمع الأهلي المحافظ بعادات وتقاليد حميدة، أثرت بشكل وثيق في الحياة الآمنة والسليمة للسكان، وهو ما يقود إلى التفكك وانعدام الأمان شيئا فشيئا, وانتجت ظواهر من الشللية قد تحتاج تظافر الجهات المعنية ومنظمات المجتمع المدني للعودة إلى السلم الأهلي والمجتمعي.