بحضور وزير الثقافة: افتتاح مديرية الثقافة بإدلب وجحيم صيدنايا حاضر على الخشبة
مشهد احتفالي جمع بين الفن والكلمة، وأكد على أهمية الثقافة كجسرٍ للوعي والتعبير وسط تحديات المرحلة.

مصطفى الشحود – العربي القديم
في خطوة نوعية نحو تعزيز الحراك الثقافي والفني في الشمال السوري، افتُتحت مديرية الثقافة في مدينة إدلب، بحضور معالي وزير الثقافة محمد ياسين صالح ومحافظ إدلب، وسط حضور رسمي وشعبي واسع من المثقفين والفنانين والشعراء.
وقد شكّل هذا الافتتاح محطة مهمّة لإعادة إحياء الدور الحيوي للثقافة في المجتمع، حيث تخلله معرضٌ للفن التشكيلي قدّم أعمالاً فنية متنوعة لعدد من الفنانين المحليين، عبّرت عن قضايا الإنسان والوطن والهوية بأساليب إبداعية لافتة.

وزير الثقافة محمد ياسين صالح ومحافظ إدلب وأسرة العمل المسرحي (العربي القديم)
كما شهدت المناسبة مشاركة عدد من الشعراء والأدباء الذين ألقوا قصائد وقراءات أدبية حملت أبعادًا وجدانية ووطنية، في مشهد احتفالي جمع بين الفن والكلمة، وأكد على أهمية الثقافة كجسرٍ للوعي والتعبير وسط تحديات المرحلة.
وقد تضمن الحفل عرضا مسرحيا بعنوان :”اسمي انتهى” وهو عمل يفتح جراح الذاكرة في سجن صيدنايا عن قصة للكاتب عمار الأمير سيناريو وحوار وإخراج: مصطفى الشحود، بطولة: مصطفى الشحود، ساطع ياسين، محمد الزير، حسين أبو سرية, وسأسرد لكم هنا على سبيل التوصيف لا التقييم منابع التجربة التي قمت بخوضها مخرجا ومعدا وشاركت في تجسيدها ممثلا:
في فضاء مسرحي محكوم بالظلمة، يتردد صدى الصراخ أكثر من الحوار، ويتحوّل الصمت إلى شهادة على أهوال لا يمكن وصفها بالكلمات. مسرحية “اسمي انتهى” ليست مجرد عمل درامي؛ إنها صرخة فنية موجهة إلى الضمير الإنساني، تنبش في جراح المعتقلين السوريين، وتستحضر على الخشبة أقسى أشكال التعذيب النفسي والجسدي التي مورست في أقبية الموت، وتحديدًا في سجن صيدنايا سيئ السمعة.
الاسم الذي انتهى.. والإنسان الذي تفتّت
العنوان وحده يحمل رمزية ضخمة: “اسمي انتهى”. الاسم هنا ليس مجرد تعريف قانوني، بل رمز للهوية، للكرامة، للوجود. في هذا العمل، يُجرّد المعتقل من اسمه، ويُختزل في رقم، ثم في صرخة، ثم في جسد يتلوّى، إلى أن يتحول إلى مجرد بقايا كائن بشري، لا يُعرف إن كان حيًا أم هامدًا.
كل شخصية في المسرحية تحمل وجعًا جماعيًا، لكنها تقول حكاية فردية أيضًا، وكأنها مذكرات خرجت من عتمة الزنازين لتصرخ على الخشبة.

الاسم الذي انتهى: عمل مسرحي يجسد عذابات السوريين في مسالخ صيدنايا بحضور مؤثر لمصطفى الشحود وفريقه (العربي القديم)
المكبس.. آلة الرعب التي لا تنسى
من أقسى المشاهد وأكثرها رمزية في المسرحية، تلك التي تتمحور حول جهاز التعذيب المعروف بـ “المكبس”.
المكبس، وهو جهاز حديدي يُستخدم لسحق الأطراف أو الجسد بالكامل، يُقدَّم هنا ليس فقط كأداة تعذيب، بل كرمز شيطاني لـ انهيار الإنسان أمام البطش.
المشهد الذي يُجسَّد فيه “المكبس” جاء مرعبًا بصريًا وصوتيًا، حيث يُسمع صوت الحديد يُطبِق على جسد المعتقل، بينما تتوقف الأنفاس في القاعة، ويبدأ الجمهور في الشعور بالاختناق الفعلي. استخدم المخرج إضاءة خافتة حمراء، مع مؤثرات صوتية معدنية، ليجعل من المشهد محاكاة حسية حقيقية للألم.
الأسيد.. حين يتحوّل الجسد إلى هشيم
لم يكتفِ العمل بـ “المكبس” لتجسيد العذاب، بل حمل مشاهد عن استخدام الأسيد (الحمض) كسلاح إذلال وتدمير. في أحد المشاهد، يُسكب الأسيد على جسد معتقل، وسط صراخ هستيري، لا يصرخ فيه المعتقل فقط، بل ينهار السجناء الآخرون من هول الرائحة، ومن رؤية اللحم يذوب أمامهم كأنه قطعة شمع.
مشهد الأسيد لم يُقدَّم بشكل مباشر بصريًا، بل اعتمد على الأداء الصوتي والانفعالي، وعلى ردة فعل الممثلين المحيطين، ليخلق رعبًا بصريًا في خيال المتفرج أقوى من أي صورة.
السرد والتمثيل.. توثيق فني بلسان الألم
تميّز الحوار في المسرحية بأنه شبه وثائقي، مستند إلى شهادات حقيقية، ومنقول بروح المعايشة، لا التمثيل فقط. الممثلون الأربعة أدّوا أدوارهم بحضور جسدي مكثّف، معتمدين على الصوت، التنفس، الرعشة، والانهيار، أكثر من الكلمات.
التحوّل من شخصية إلى أخرى، من صرخة إلى همس، من سرد إلى انفعال، جرى بسلاسة عالية، وكأن المعتقلين خرجوا من جدران صيدنايا إلى خشبة المسرح ليرووا لنا ما جرى حقًا.

تراجيديا المعتقلين في بدت حاضرة على الخشبة ولكن على شكل جحيم بشري يسعى الفن لمقاربته بأدواته (العربي القديم)
الإخراج.. صناعة الجحيم فوق الخشبة
الإخراج الذي تولّى تفاصيله مصطفى الشحود جمع بين البساطة التقنية والعمق الرمزي. الديكور كان شبه معدوم، عبارة عن زوايا مظلمة، قضبان متقاطعة، ومكعبات حديدية توحي بالزنازين. لكن هذا التقشف البصري عُمِّق بإضاءة خنقت المكان، وأصوات مغلقة خلقت شعورًا حقيقيًا بأننا داخل جهنم مغلقة النوافذ.
لماذا هذه المسرحية مهمة؟
لأنها تقول ما لا يُقال.
لأنها تُعيد الاعتبار لآلاف المعتقلين الذين خرجوا مشوهين، أو لم يخرجوا أصلًا.
لأنها تُوظّف الفن كأداة مقاومة، لا كزينة ثقافية.
“اسمي انتهى” ليست فقط شهادة على الجريمة، بل هي صرخة ضد النسيان. في وقت تُطمس فيه الحقائق، وتُمحى الوجوه، وتُقطع الألسنة، تأتي هذه المسرحية لتقول: نحن نتذكّر. نحن نروي. نحن نرفض أن تنتهي الأسماء.