سوريا في خطر: العدالة صوفانية والسياحة صالحانية
ملف العدالة الانتقالية لا يمكن حله بـ (تبويس اللحى) أو بقرارات تصدر عن لجان وكأنها شكلت من أشخاص تدربوا على العدالة في أقبية مخابرات النظام البائد

أسامة المصري – العربي القديم
ستة أشهر مضت على التحرير، لم تكتمل فرحة النصر، فسوريا لا تزال في خطر، رغم الانجازات التي تحققت على المستوى الوطني إلا أنها لم ترق إلى المستوى المأمول بالنسبة للسوريين، فجميع السوريون يتطلعون بالدرجة الأولى إلى تحقيق العدالة أولا وتحسين الواقع المعيشي والأمني والخدمي.
فعلى المستوى المعيشي لم يتحقق شيء يذكر، رغم تحسن سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار وتوفر المواد الغذائية، إلا أن معظم السوريين لا يزالون غير قادرين على تأمين متطلبات الحياة اليومية، أما على المستوى الأمني ورغم الجهود التي تبذلها السلطة لتحقيق الأمن، إلا أنه لا تزال هناك العديد من المخاطر سواء التي يتعرض لها المدنيين، أو استهدافات رجال الأمن من قبل فلول النظام السابق، حتى لا يكاد يمر يوم دون وقوع اصابات في صفوف رجال الأمن أو التبليغ عن حالات قتل واختفاء لمدنيين. أما على المستوى الخدمي ورغم وجود بعض التحسن، إلا أنها لا تزال في أول الطريق بسبب حجم الدمار الواسع وفقدان البنية التحتية في معظم المناطق السورية.
حتى الآن لم تحقق السلطة أي إنجاز لحل المشكلة الأخطر وهي وحدة التراب السوري؛ فلا تزال المشاريع التقسيمية قيد التداول شمالا وجنوبا فيما الوجود الإسرائيلي مقلقا وبات على الأرض فاعلا، أما العمل على تحقيق العدالة الانتقالية وهي القضية الأهم والأخطر فيبدو أنها فشلت في أول امتحان، مع الطريقة التي بدا أنها ليست أكثر من صبيانية في التعاطي مع هذا الملف، فملف العدالة الانتقالية لا يمكن حله بـ (تبويس اللحى) أو بقرارات تصدر عن لجان وكأنها شكلت من أشخاص تدربوا على العدالة في أقبية مخابرات النظام البائد، وهذا يمكن أن يلخص ما جاء في تصريحات عضو اللجنة العليا للسلم الأهلي السيد حسن صوفان، فهناك مئات الآلاف قتلوا على يد مجرمي النظام البائد، فإذا كانت البداية مع فادي صقر فكيف ستكون نهاية هذا الملف، من يستمع للمؤتمر الصحفي لصوفان يستنتج انه يدعو للفوضى والحرب الأهلية وليس لتحقيق العدالة، لا أدري إذا كان للسيد صوفان أقرباء قتلوا على يد مجرمو النظام البائد في المجازر التي ارتكبوها، أو في السجون، أو بقصف الطائرات، بهذه الحالة هو يستطيع أن يتخلى عن حقه الشخصي، أما أن يقول أن القيادة عفت عن مجرم بحجم فادي صقر فهذا ليس من حقه وليس من حق القيادة، (فنحن لم نعد بزمن القيادة التاريخية) وبات مطلوب مقاضاته وكشف كل الحقائق فأهالي الضحايا لن يقبلوا أن يُطلق المجرمون ولا أن يُقرر عنهم مسؤولون كالسيد صوفان.
بالتوازي مع الكارثة الصوفانية تحرك وزير السياحة السيد مازن صالحاني لتمرير قرارات خطيرة تمس المجتمع السوري، فهو يريد أن ينظم حياة الناس ويشرف على لباسهم، وتصرفاتهم وسلوكهم، وما قدمه قرار الوزير في ما يخص لباس السباحة للرجال والنساء، إنما يعتبر انتهاك صارخ للحريات الشخصية، وقد يكون مقدمة لوزارات أخرى لتتدخل في شؤون وحياة الناس التي تعتبر حقوقا لا يمكن المساس بها كحرية الرأي والمعتقد والمأكل والملبس وجميع الحريات الشخصية التي حفظتها القوانين السورية على مدى التاريخ وكذلك القوانين والاعراف الدولية.
ليس من حق وزير في حكومة انتقالية، وإعلان دستوري لم يحقق أمال السوريين بعد نكبتهم على مدى أكثر من نصف قرن، أن يقرر ما يرتدي الناس على شواطئ البحر أو النهر، فالوزير ليس مخول أن يصوغ أخلاق الناس وعاداتهم ولا طرق سباحتهم في المياه الباردة أو الدافئة، فأخلاق السوريين وقيمهم نتجت عن تراكم معرفي واخلاقي وقيمي وديني عبر تاريخهم الطويل، فسوريا عمرها آلاف السنين، واعتقد أن عمر السيد الوزير لا يتعدى حقبة الأسد، التي يبدو أنه يريد أن يعتبرها الأساس ليبني عليه ما يتخيل أنها سوريا الجديدة، فصلاحيات وزير السياحة ومهامه في حكومة انتقالية لبلد منهك ويعيش في القاع بحسب تعبير رئيس البلاد يجب أن تنصب على خلق قطاع سياحي يجذب السياح من جميع أنحاء العالم، وتحسين المواقع السياحية، وإعادة ترميم المناطق الأثرية التي تأثرت بالحرب بين داعش وإيران، ولصوص الآثار من رفعت الأسد إلى ابن أخيه ماهر وزبانيته، يجب أن ينصب جهده على استعادة الآثار المسروقة، ويذهب إلى تدمر وبصرى وأوغاريت، ويعمل على إعادة تأهيل الأماكن السياحية التي نخرها فساد النظام البائد وليس إصدار قرار يحدد لباس من يريد السباحة، فسوريا وحرية السوريين أكبر من يصادرها قرار لوزير بحكومة انتقالية ربما لديه خبرة في السياحة الدينية التي أتت إيران ونظام الأسد ليس أكثر.
أما الحديث عن شرطة سياحية فهو أيضا لا يقل خطورة عن تحديده لشكل اللباس، ويبدو أن السيد الوزير لا يعرف أن السياحة يلزمها مرشدين سياحيين خريجو معاهد ودراسات ولغات وليس شرطة سياحية، لكن يبدو أنه يريد تأسيس (شرطة أخلاق على الطريقة الإيرانية) جهاز قمعي لمراقبة الناس في سلوكهم ولباسهم ليس أكثر، كما يفعل نظام خامنئي تماما مع نساء إيران والعراق، ولا أعرف حقيقة من أي جامعة تخرج هذا الوزير هل درس في قم أم النجف.
لا أدري عن الخلفية الفكرية والايديولوجية أو السياسية للسيد صوفان، إذ يبدو أنه لا يبحث عن السلم الأهلي بل عن الفوضى وتعميق الجراح، أما وزير السياحة فهو يلعب بالوقت الضائع لترسيخ ثقافة معينة وليس النهوض في القطاع السياحي، بل يبدو أنه يريد سوريا مرة أخرى بلدا للسياحة الدينية الفارسية وتوابعها، فهل يضبط السيد الرئيس أحمد الشرع إيقاع مرؤوسيه وزراؤه بوصفه رئيسا للدولة والحكومة قبل فوات الأوان فسوريا على صفيح ساخن وبحاجة لوحدتها وثقافتها الأصيلة وليس الدخيلة.