العربي الآن

من الدولة المارقة إلى شريك دولي: سوريا الجديدة خارج محور الشر

المشكلة لم تكن في الدولة السورية بذاتها، بل في طبيعة النظام الحاكم.

عدي شيخ صالح – العربي القديم  

في خطوة غير مسبوقة منذ عقود، صوّت مجلس الشيوخ الأميركي على إزالة اسم سوريا من قائمة “الدول المارقة”، بعد سلسلة قرارات دولية شملت رفع العقوبات الأميركية والأوروبية كافة عن الدولة السورية، بما فيها تلك المفروضة منذ عام 1974. هذا القرار يعكس تحولًا جذريًا في النظرة الغربية لسوريا الجديدة التي بدأت تتشكل بعد سقوط نظام بشار الأسد منذ نحو ستة أشهر، ويؤذن بمرحلة جديدة من العلاقات الدولية، قد تحمل في طياتها تحولات اقتصادية وجيوسياسية كبرى

أولاً: ما هي “الدولة المارقة”؟ – الجذور والمعايير الأميركية

مصطلح “الدولة المارقة” (Rogue State) هو توصيف سياسي أطلقته الإدارة الأميركية منذ تسعينيات القرن العشرين، لوصف الدول التي:

  • تنتهك القانون الدولي بشكل صارخ (مثل دعم الإرهاب، أو إنتاج أسلحة دمار شامل).
  •  تسعى إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي والدولي.
  • تمارس قمعًا داخليًا واسعًا بحق شعوبها.
  • ترفض الانخراط في النظام العالمي الليبرالي بقيادة الولايات المتحدة.

وقد عُرفت سوريا في ظل حكم حافظ الأسد، ثم ابنه بشار، بأنها راعية لحركات مقاومة في لبنان وفلسطين (باعتبارها “إرهاباً” وفق التصنيف الأميركي)، كما دعمت تنظيمات مثل “حزب الله” و”حماس”، وتعاونت مع إيران، واحتضنت شبكات استخباراتية عابرة للحدود. منذ عام 1979، صُنفت سوريا على قوائم “الدول الداعمة للإرهاب”، ولاحقًا في التسعينيات و2000، جرى إدراجها ضمن “محور الشر” الذي شمل العراق، إيران، كوريا الشمالية، وغيرها.

ثانياً: القرار الأميركي – قراءة في التوقيت والدلالة:

  •  توقيت سياسي حاسم:

جاء القرار بعد مرور ستة أشهر على سقوط نظام الأسد، ما يعطيه دلالة واضحة: أن المشكلة لم تكن في الدولة السورية بذاتها، بل في طبيعة النظام الحاكم. وبهذا المعنى، فإن إزالة اسم سوريا من القائمة هو اعتراف بانتهاء “الدولة المارقة” مع زوال النظام المارق، وانبثاق سلطة جديدة ذات توجه وطني وانفتاح دولي

  •  انقلاب في الاستراتيجية الأميركية:

الولايات المتحدة، التي كانت سابقًا تقود مسار عزل سوريا، باتت اليوم الراعي الأول لإعادة إدماجها في النظام الدولي. وهي رسالة مزدوجة:

  • للعالم: سوريا تغيّرت.
    • وللسوريين: الفرصة مفتوحة لبناء دولة جديدة مقبولة دوليًا.

ثالثاً: الأبعاد الاستراتيجية للقرار

  • . إعادة شرعنة الدولة السورية دوليًا : رفع صفة “الدولة المارقة” هو استعادة للاعتراف السياسي والدبلوماسي الكامل بسوريا، وعودة إلى الطاولة الدولية بعد سنوات من العزلة، والعقوبات، والحصار.
  • فتح الأبواب أمام الاستثمار والتعاون الدولي: مع إزالة القيود القانونية، يمكن الآن:
    • عودة الشركات الغربية للعمل في سوريا.
    • السماح بالمساعدات الفنية في مجالات الطاقة، والاتصالات، والتعليم.
    • رفع القيود عن تحويل الأموال، والتعاون العلمي، والبعثات الجامعية.
  •  تحجيم دور المحاور المعادية للديمقراطية: من خلال إعادة تأهيل سوريا الجديدة، تضع الولايات المتحدة حدًا لمحاولة روسيا وإيران احتكار القرار السوري، وتفتح الباب أمام حكومة وطنية مستقلة سياسيًا، قادرة على إعادة التوازن إلى خارطة التحالفات الإقليمية.

رابعاً: ماذا يعني القرار لسوريا الجديدة؟

  • . فرصة اقتصادية تاريخية:
    • تحفيز الاقتصاد المحلي عبر السماح بالاستيراد والتصدير.
    • استقطاب رؤوس أموال المغتربين السوريين.
    • بدء مشاريع إعادة الإعمار بشراكة مع الاتحاد الأوروبي ومؤسسات دولية.
  • تثبيت شرعية الحكومة الجديدة:  القرار هو شهادة دولية بشرعية السلطة السياسية الجديدة في دمشق، ويعزز موقعها في المحافل الدولية، ويوفّر لها غطاءً قانونيًا للتفاوض، والتمثيل، والدخول في شراكات استراتيجية.
  • استعادة الثقة الداخلية والخارجية:

داخلياً: يمكن استخدام القرار لاستعادة ثقة الشارع المتردد أو الخائف من انهيار الدولة.

خارجياً: تعود سوريا لتكون شريكًا لا خصمًا في محيطها العربي والدولي

خامساً: تحديات ما بعد القرار

رغم أهمية القرار، فإن نجاح المرحلة القادمة مرهون بعدة عوامل:

  • ضمان انتقال سياسي حقيقي، ديمقراطي وتمثيلي.
  •  مكافحة الفساد وبناء مؤسسات ذات كفاءة.
  • تحقيق مصالحة وطنية شاملة، دون إقصاء أو انتقام.
  •  الحذر من الانزلاق إلى تبعية جديدة لأي محور دولي، سواء غربي أو شرقي.

نهاية “الدولة المارقة” وبداية الجمهورية الممكنة

بإزالة اسمها من قائمة “الدول المارقة”، تكون سوريا قد طوت صفحة من العزلة والعقوبات والصراعات. لكن المعركة الحقيقية تبدأ الآن: معركة بناء الدولة. هذا القرار ليس مكافأة على إسقاط نظام الأسد فحسب، بل هو رهان دولي على قدرة السوريين على إقامة وطن جديد، ديمقراطي، مستقل، آمن، وشريك فاعل في العالم.

ويبقى السؤال المطروح أمام السوريين: هل نستثمر هذه اللحظة التاريخية لبناء سوريا التي حلمنا بها؟ أم نكرر أخطاء من سبقنا من الشعوب التي لم تحسن إدارة لحظة الخلاص؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى