العربي الآن

قص الجدائل في الجزيرة السورية: أمثولة لشد الهمم وإثارة الفزعة

موروث يضرب بجذوره إلى الجاهلية الأولى من تاريخ العشائر العربية

أسامة عبد الكريم الخلف- العربي القديم | الرقة

تخضع مناطق الجغرافية السورية ومحافظاتها الثلاثة “ديرالزور- الرقة- الحسكة” لنظام عرف عشائري يغوص في أدق تفاصيل الحياة الاجتماعية لسكانها المحليين، حيث الأمثال الشعبية وأبياتها ومدوناتها باللهجة المحلية التي تقص حكايا وعبر وتشحذ همم العشائر بالفزعة وإغاثة الملهوف وتلبية الجائع والمحروم، دون التطرق والطلب بشكل مباشر للحاجة.

ومن بين تلك القصص التي حدثت في المنطقة هي تعبير ‘قص الجديلة’ وهو نمط خاص تعبر بع النساء عن أقصى درجات المشاعر والحاجات سواءً الموت والرحيل، أو طلب الفزعة لحاجة الفقر والحاجة أو الفزعة تجاه مظلمة ما.

يقول الناشط الإعلامي مؤيد العجيلي من مدينة الرقة: أن قص الجديلة موروث يضرب بجذوره إلى الجاهلية الأولى من تاريخ العشائر العربية، وهو أصعب وأنفس ما تمتلكه المرأة العربية “الجديلة” وعندما تقوم بقطع تلك الجدائل فهي تعبر عن حزنها العميق وقص أغلى ما تمتلك من نفائس ورمزية أنوثتها، و كانت النساء “الرقاويات” يقطعن الجدائل في العزاء على رحيل الأب والأخ وأبن العشيرة ذو المكانة الغالية والقريب.

بالمقابل تذكر مراجع تاريخية في العصر الحديث موقف آخر لإحدى نساء الرقة، حينما نذرت قطع جديلتها عندما توفي الشيخ “محمد فرج السلامة” شيخ قبيلة الولدة، الذي عارك الجنود الفرنسيين واقتحم سجن السرايا الفرنسي، وحرر أسرى ومعتقلين من بينهم نساء .

وكتب على موقع “مدونة وطن” السورية أنه في 4 تموز عام 1941 أعلن غفان التركان «من أعيان الرقة» تمرده على الاحتلال الفرنسي، وأقام حكومة الرقة «الدولة الغفانية» ليوم واحد، وتسمى هذه السنة سنة الفلتة، حيث أقدم غفان مع رجاله على إحراق النفوس والوثائق في السرايا القديمة، ثم تابع لاقتحام الثكنة، فتصدت له الدفاعات الفرنسية، وأبعدته عن الرقة، فعبر الفرات باتجاه قرى الكسرات، فأقدمت القوات الفرنسية على ضرب القرى المواجهة لمدينة الرقة، فقبض الفرنسيون على خمس عشرة امرأة من نساء المنطقة، وأودعن في سجن السرايا للضغط على غفان ورجاله، فاقتحم الشيخ محمد الفرج  السلامة” السجن “وأفرج عنهن متحدياً قوات الاحتلال الفرنسي، فنذرت امرأة منهن تدعى حميسة بقص شعرها على الشيخ عند وفاته «من عادات أهل المنطقة» وأبى ذلك تحريماً، وحينما كان في النزع الأخير، استدعى حميسة ورجاها أن تهذب شعرها فقط، وأن تقول عليه شعراً، فقالت عليه شعراً أبكاه وأبكى الحاضرين، ووفاءً لنذرها هذ ّبت أطراف شعرها.

الطفلة “ملاك ” 12عاما من مدينة البوكمال ونازحة إلى منطقة “أعزاز” بريف حلب، ظهرت بمقطع فيديو تشكوا حالها وأهلها من الجوع والقلة وعدم اكتراث المجتمع بحالهم، وقامت بقطع جديلتها” في تعبير على صدق قولها لأخذ همم وفزعة أهل الخير للوقوف إلى حالهم، لتعود بتلك العبرة من قص الجديلة إلى النخوة والفزعة العشائرية بعيدا عن كل الاعتبارات.

زر الذهاب إلى الأعلى