سوريٌّ يتأمَّل في مرايا الحكيم والحليم والمفكِّر العربيِّ
تُكذَّب أحداث السُّويداء تحديدًا ادِّعاءات عزمي بشارة كلَّها، وتكشف حجم المخاتلة في لقبه (المفكِّر العربيِّ)،

د. مهنا بلال الرشيد – العربي القديم
عزيزي المواطن السُّوريُّ الكريم! لو طلبنا منك أن تختار قائدًا لك، أو تختار مجموعة من المؤثِّرين لمتابعتهم في مواقع التَّواصل الاجتماعيِّ فمن ستختار؟ ستختار الرَّجلَ الحكيم الحليم أم المفكِّر العربيَّ القديم قدم حافظ وبشَّار الأسد؟ وقبل أن تعطيني إجابتك أقول لك: لا شكَّ عندي أنَّك ترزح تحت تأثير هذه الأيديولوجيا الخبيثة أو تلك لو فضَّلتَ الانقياد وراء المفكِّر العربيِّ على حساب صحبة الرَّجل الحليم أو اتِّباع الرَّجل الحكيم هذا إن كان المفكِّر العربيُّ مفكِّرًا عربيًّا حقيقيًّا في نشأته بين العرب ومحبَّته وولائه لهم؛ أي إن لم ينشأ بين الصَّهاينة أو يترعرع في فنزويلَّا. وهل هناك دليل على خبث الأيديولوجيا أكثر من دفِعها أصحابها إلى تفضيل الولاء الطَّائفيِّ الدِّينيِّ أو الولاء العرقيِّ الشُّوفينيِّ على الولاء لدولة المواطنة المدنيَّة القائمة على أساس المساواة بين جميع مواطنيها بالحقوق والواجبات بغضِّ النَّظر عن أديانهم أو أعراقهم وقوميَّاتهم؟!
يُضعِف كلٌّ من الولاءِ الفرعيِّ لقائد القبيلة أو العشيرة أو المجموعة العرقيَّة مع الولاء الفرعيَّ لقائد الطَّائفة أو المجموعة الدِّينيَّة في غالب الأحيان شعور الف0د بانتمائه لدولة القانون، ويخفض ولاءه لدولة المواطنة المدنيَّة إن لم يدمِّره أساسًا؛ وذلك لأنَّ الكثير من الواقعين تحت سلطة زعماء الطَّوائف والقوميَّات يتشكَّل عندهم خوفان متناقضان؛ خوفٌ حقيقيٌّ من التَّمرُّد على قائد الطَّائفة الدِّينيَّة أو المجموعة العرقيَّة؛ لأنَّه يعرف ظُلم الأحكام العرفيَّة في هذه الطَّوائف والمجموعات، وخوف وهميٌّ ينتج بسبب إعلانه الولاء للدَّولة المدنيَّة وقطيعته مع الأحكام العرفيَّة لدى الطَّوائف الدِّينيَّة أو الجماعات العرقيَّة؛ وذلك لأنَّه لم يختبر العيش في ظلِّ دولة المواطنة منذ زمن بعيد؛ ولهذا تفسيره المنطقيُّ أيضًا؛ وذلك لأنَّ المرء عدوُّ ما يجهل، ولم تعرف الأجيال السُّوريَّة الرَّاهنة دولة المواطنة المدنيَّة منذ زمن بعيد. والدَّولة السُّورية الرَّاهنة ما زالت تحبو وترسم خطواتها الأولى على هذا الطَّريق منذ بضعة شهور فقط؛ ولأنَّ دولة المواطنة دولة قويَّة تتحصَّن فيها حكومتها بتأييد شعبيٍّ واسع وبمجلس شعب منتخب سيخشاها بعض الجيران الَّذين اعتادوا على وجود أعوانهم من المستبدِّين الضُّعفاء؛ ولذلك لا يريدون لها أن تكمل طريقها نحو الدَّولة المدنيَّة بإثارة النَّعرات الطَّائفيَّة الدِّينيَّة كما يحصل في السُّويداء مع النَّعرات القوميَّة كما يظهر ذلك في سلوك متشدِّدي قسد القادمين من جبال قنديل.
أين أنت أيُّها المواطن السُّوريُّ الكريم؟
سأعرض لك في هذا المقال بضعة نماذج (تراثيَّة عالميَّة وواقعيَّة ملموسة)؛ لتختبر من خلال هذه النَّماذج ولاءك أيُّها المواطن السُّوريُّ الكريم! لتنظر إلى نفسك في مرآة الحليم مرَّة ومرآة الحكيم مرَّة ومرآة المفكِّر العربيِّ مرَّة ثالثة؛ ولتقارن صورة مطامحك في هذه المرايا بصور أخرى قد تكون دفينة في نفسك؛ كصورتك الأولى المتعصِّبة لقوميَّتك على حساب دولة المواطنة أو صورتك الثَّانية المتعصِّبة لطائفتك على حساب دولة المواطنة، وربَّما يقبع في داخلك صورة مركَّبة من الولاء للعرق والطَّائفة على حساب الولاء لدولة القانون والمواطنة.
انظر لنفسك في مرآة فيلسوف الهند الحكيم!
بعدما انتصر الإسكندر بن فيليب المقدونيِّ الكبير (ذو القرنين) على فور ملك الهند؛ مَلَّكَ على الهنود رجلٌ من ثِقاته، وأقام في الهند حتَّى استوثق ممَّا أراد من أمرهم واتِّفاق كلمتهم؛ ثمَّ انصرف عن الهند، وخلف ذلك الرَّجل عليهم، ومضى متوجِّهًا نحو ما قصد له. فلمَّا بعد ذو القرنين عن الهند بجيوشه، تغيَّرت الهند عمَّا كانوا عليه من طاعة الرَّجل الَّذي خلفه الإسكندر عليهم؛ وقالوا: ليس يصلح للسِّياسة، ولا ترضى الخاصَّة والعامَّة أن يملِّكوا عليهم رجلًا ليس هو منهم، ولا من أهل بيوتهم، فإنَّه لا يزال يستذلُّهم ويستقلُّهم، واجتمعوا يملِّكون عليهم رجلًا من أولاد ملوكهم؛ فملَّكوا عليهم ملكًا يُقال له دبشليم؛ وخلعوا الرَّجل الَّذي كان خلَّفه عليهم الإسكندر، فلمَّا استوسق له الأمر، واستقرَّ له الملك، طغى، وبغى، وتجبَّر، وتكبَّر؛ وجعل يغزو مَن حوله من الملوك، وكان مع ذلك مؤيَّدًا مظفَّرًا منصورًا؛ فهابته الرَّعيَّة، فلمَّا رأى هو ما عليه من الملك والسَّطوة، عبث بالرَّعيَّة، واستصغر أمرهم وأساء السِّيرة فيهم، وكان لا ترتقي حاله إلَّا إذا ازداد عتوًّا، فمكث على ذلك برهة من دهره.
وكان في زمانه رجل فيلسوف من البراهمة، فاضل حكيم، يُعرف بفضله، ويُرجع في الأمور إلى قوله، يقال له بيدبا، فلمَّا رأى الملك، وما هو عليه من الظُّلم للرَّعيَّة، فكَّر في وجه الحيلة في صرفه عمَّا هو عليه من الظُّلم للرَّعيَّة، وردِّه إلى العدل والإنصاف؛ فجمع لذلك تلاميذه، وقال: أتعلمون ما أريد أن أشاوركم فيه؟ اعلموا أنِّي أطلت الفكرة في دبشليم وما هو عليه من الخروج عن العدل ولزوم الشَّرِّ ورداءة السَّيرة وسوء العشرة مع الرَّعيَّة؛ ونحن ما نَرُوض أنفسنا لمثل هذه الأمور، إذا ظهرت من الملوك، إلَّا لنردَّهم إلى فعل الخير ولزوم العدل، ومتى أغفلنا ذلك، وأهملناه لزم وقوع المكروه وبلوغ المحذورات إلينا، إذ كنَّا في أنفس الجهَّال أجهل منهم؛ وفي العيون عندهم أقلَّ منهم، وليس الرَّأي عندي الجلاء عن الوطن، لا سيَّما في حكمتنا إبقاؤه على ما هو عليه من سوء السِّيرة وقبح الطَّريقة، ولا يمكننا مجاهدته بغير ألسنتنا. ولو ذهبنا إلى أن نستعين بغيرنا لم تتهيَّأ لنا معاندته. وإن أحسَّ منَّا بمخالفته وإنكارنا سوء سيرته كان في ذلك بوارنا، وقد تعلمون أنَّ مجاورة السَّبع والكلب والحيَّة والثَّور على طيب الوطن ونضارة العيش لغدر بالنَّفس، وإنَّ الفيلسوف لحقيق أن تكون همَّته مصروفة إلى ما يحصن به نفسه من نوازل المكروه ولواحق المحذور؛ ويدفع المخوف لاستجلاب المحبوب، ولقد كنت أسمع فيلسوفًا كتب لتلميذه يقول: إنَّ مُحاور رجال السُّوء ومصاحبهم كراكب البحر: إن سلم من الغرق لم يسلم من المخاوف، فإذا هو أورد نفسه موارد الهلكات ومصادر المخوفات، عدَّ من الحمير الَّتي لا نفس لها؛ لأنَّ الحيوانات البهيمة قد خصَّت في طبائعها بمعرفة ما تكتسب به النَّفع، وتتوقَّى المكروه، وذلك أنَّنا لم نرها تورد أنفسها موردًا فيه هَلَكتها، وأنَّها متى أشرفت على مورد مهلك لها، مالت بطبائعها الَّتي ركَّبت فيها-شحًّا بأنفسها وصيانة لها-إلى النُّفور والتَّباعد عنه.
وقد جمعتكم للتَّشاور معكم؛ لأنَّكم أسرتي ومكان سرِّي وموضع معرفتي، وبكم أعتضد، وعليكم أعتمد، فإنَّ الوحيد في نفسه والمنفرد برأيه حيث كان فهو ضائع ولا ناصر له، على أن يبلغ بحيلته ما لا يبلغ بالخيل والجنود. وأكبر مثل على ذلك الفيل الغبيُّ الَّذي دمَّر عُشَّ القبَّرة؛ فتعاونت عليه الطُّيور، ونقرت عينيه؛ فصار أعمى البصر مثلما كان أعمى البصيرة؛ فوقع في الحفرة، ومات فيها….فقال تلاميذ الفيلسوف الحكيم بعدما رأوا الصِّدق في كلمات أستاذهم الحكيم: أيُّها الفيلسوف الفاضل، والحكيم العادل! أنت المقدَّم فينا، والفاضل علينا، وما عسى أن يكون مبلغ رأينا عند رأيك وفهمنا عند فهمك؟ غير أنَّنا نعلم أنَّ السِّباحة في الماء مع التِّمساح تغرير؛ والذَّنب فيه لمن دخل عليه في موضعه، والَّذي يستخرج السُّمَّ من ناب الحيَّة؛ ليجرِّبه جانٍ على نفسه؛ فليس الذَّنب للحيَّة، ومن دخل على الأسد في غابته، لم يأمن من وثبته، وهذا الملك لم تُفزعه النَّوائب، ولم تؤدِّبه التَّجارب، ولسنا نأمن عليك ولا على أنفسنا سطوته، وإنَّا نخاف عليك من سورته ومبادرته بسوء إذا لقيته بغير ما يحبُّ…
بعد هذا الاقتباس من حكمة بيدبا فيلسوف الهند ومن تشاوره مع تلاميذه في كتاب (كليلة ودمنة) يمكنك أن تنظر إلى نفسك-عزيزي القارئ-في مرآة هذا الفيلسوف الحكيم وفي مرايا تلامذته أيضًا؛ لتكتشف كثيرًا من الأشياء؛ أقلُّها أنَّ الأرعن صاحب الطَّيش يخسر حتَّى وإن كان فيلًا ضخمًا، وحتَّى وإن استقوى بجبروته أو جبروت غيره، ولن ينتصر في الخاتمة إلَّا الحكيم..الحكيم…الحكيم.
نظرة في مرآة معن بن زائدة
قَدِمَ أعرابيٌّ على معن بن زائدة حين كان أميرًا على العراق، وقد سمع الأعرابيُّ كثيرًا عن حلم معن بن زائدة وكرمه، فلمَّا وقف أمام معن قال:
أتذكُرُ إذ لحافك جلدَ شاة وإذ نعلاكَ من جلدِ البعير؟
فقال معن: أذكر ذلك، ولا أنساه، وقد أراد الأعرابيُّ أن يستفزَّ معنَ بن زائدة بتذكيره بما كان عليه من شظف العيش وقلَّة ما في اليد قبل أن يغدو أميرًا حسن الحال بوقت قليل، ثمَّ قال الأعرابيُّ:
فسبحانَ الَّذي أعطاكَ مُلكًا وعلَّمَكَ الجلوسَ على السَّرير!
فقال معن: سبحان الله! فقال الأعرابيُّ:
فلستُ مُسلِّمًا إن عشتُ دهرًا على معنٍ بتسليمِ الأمير
فقال معن: يا أخا العرب! السَّلامُ سُنَّة؛ وأنتَ وشأنَك في الأمير!
فقال الأعرابيُّ:
سأرحلٌ عن بلادٍ أنت فيها ولو جار الزَّمانُ على الفقيرِ
فقال معن: يا أخا العرب! إن جاورتنا فمرحبًا بك، وإن رحلتَ فمصحوب بالسَّلامة؛ فقال الأعرابيُّ:
فجُد لي يا بنَ ناقصةٍ بشيء فإنِّي قد عزمتُ على المسيرِ
فقال معن: أَعطوه ألف دينار يستعين بها على سفره؛ فأخذها الأعرابيُّ، وقال:
قليلٌ ما أتيتَ به وإنِّي لأطمع منك بالمال الكثيرِ
قال معن: أعطوه ألفًا آخر! فأخذها الأعرابيُّ وقال:
سألتُ الله أن يبقيك ذُخرًا فما لك في البريَّة مِن نظيرِ
قال معن: أعطوه ألفًا آخر؛ فقال الأعرابيُّ: يا أمير! ما جئتُ إلَّا مُختبرًا حلمَك لما بلغني عنه؛ فقد جمع الله فيك من الحلم ما لو قُسِم على أهل الأرض لكفاهم….وخلاصة قصَّة معن بن زائدة مع الأعرابيِّ تدلُّ على فوز الحليم لا محالة…وإن لم يختبر ساستَنا اليوم أعرابيٌّ فلا شكَّ أنَّ هذه الأحداث والأيَّام والمواقف كلَّها اختبارات ومواقف…ولا شكَّ أنَّ السًّوريِّين يراقبون ويعرفون ويعون أيضًا.
نظرة في مرآة (المفكِّر العربيِّ عزمي بشارة)
أطلق إعلام المجرم المخلوع بشَّار الأسد على عضو الكنيست الإسرائيليِّ عزمي بشارة لقب (المفكِّر العربيِّ)، وكرَّس هذا الاسم من خلال الضَّخِّ الإعلاميِّ المؤدلِج، وكان عزمي يلتقي المجرم المخلوع بشَّار الأسد بشكل دائم، وظلَّ يشيد بمحور المقاومة الوهميَّة حتَّى سقوط المجرم المخلوع، وأنفق عزمي بشارة ملايين الدُّولارات لتمويل محطَّات ومواقع إعلاميَّة ومراكز بحثيَّة ناطقة بالعربيَّة؛ ليصبح مؤثِّرًا في المجتمع العربيِّ بالتَّعاون مع كثير المؤدلَجين بشعارات القوميَّة الرَّنَانة الَّتي حذَّرْنا من مخاطرها ومخاطر الطَّائفيَّة في بداية هذا المقال، وصارت هذه القوميَّة مع لقب المفكِّر العربيِّ بوَّابة لتدخُّل عزمي بشارة ومموِّليه في شؤون الدُّول العربيَّة والتَّحريض على قادتها (من خارج محور المقاومة المزعوم) بالتَّعاون مع جيش من مرتزقة عزمي (المؤثِّرين)، وكثير منهم يعملون معه بالعلن أو بالخفاء في محطَّاته ومواقعه، وينشرون على صفحات مواقع التَّواصل الاجتماعيِّ الموثَّقة بالعلامة الزَّرقاء بتمويل من عزمي ذاته، ويكثر مشاركة بعض من جيش عزمي بشارة ومرتزقته منشورات بعضهم الآخر؛ لتغدو المشاركات والإعجابات والتَّعليقات دليلًا وهميًّا على انتشار فكره وشيوعه وتأثيره، وإنَّما هم في المحصَّلة كلُّهم غثاء كغثاء السَّيل، برغم تعاونهم وتقاسمهم الأدوار، وبرغم اختراق بعضهم المحدود هنا وهناك.
بعد تحرير سوريا من نظام المجرم المخلوع بشَّار الأسد كثر ظهور عزمي بشارة على تلفزته ومواقعه وفي مراكز أبحاثه للحديث في الشَّأن السُّوريِّ، وتوجيه الرَّأي العامِّ أو صناعته من خلال ظهوره وتحليلات مرتزقته وضخِّهم الإعلاميِّ، وقد بلغ هذا التَّركيز مبلغًا متطرِّفًا حين نشر تلفزيون سوريا المملوك لعزمي بشارة خبرًا عاجلًا على لسان عزمي بشار قال فيه حرفيًّا: (عاجل: المفكِّر العربيُّ عزمي بشارة: ظهر لدينا أمل كبير في سوريا بعد نجاح الثَّورة)، وأراد عزمي بشارة مع مرتزقته بذلك أن يركبوا موجة الثَّورة وانتصارها (غير المتوقَّع بالنِّسبة لهم)، وقد كانوا يُثبِّطون العزائم والهمم خلال أحداث معركة ردع العدوان، ولم يتوقَّعوا أن تنطلق شرارة التَّحرير من مدينة إدلب!
واليوم تُكذَّب أحداث السُّويداء تحديدًا ادِّعاءات عزمي بشارة كلَّها، وتكشف حجم المخاتلة في لقبه (المفكِّر العربيِّ)، ومع أنَّني أعتقد أنَّ المفكِّر الحقيقيَّ أبعد ما يتمسَّك بتوصيف عنصريٍّ إلَّا إذا أراد مخاتلة الأغبياء من جماهيره، فإنِّني من باب التَّماشي الجدليِّ معه في هذا اللَّقب مع التَّوصيف أسأله: لماذا لا تخرج أيُّها المفكِّر العربيُّ على الإعلام؟! لماذا لا تخاطب العقلاء من بني معروف؟ لماذا لا تنصحهم بعدم الانجرار وراء دعوات طائفيَّة لشيخ قادم من فنزويلا لتمزيق العرب والعروبة أيُّها المفكِّر العربيُّ؟ بالطَّبع لن تُغيِّر دعوتك الَّتي لم تقلها مع رعونات بعضهم شيئًا من حقيقة سورية الواحدة الموحِّدة! لكنَّها وبرغم ذلك تكشف زيف ادِّعاءاتك ومخاطر الفكر الَّذي تتبنَّاه ومخاطر مرتزقتك وجنودك أيضًا…لماذا لا تخرج مع مرتزقتك (مادمتم ممفكِّرين ومؤثِّرين) لماذا لا تدعون أهلنا في فلسطين للتَّظاهر في فلسطين؟ لماذا لا تحشدونهم للمطالبة بتنفيذ قرارات الأمم المتَّحدة الَّتي تضمن لهم حقَّ تقرير المصير؟ لماذا..وألف لماذا؟ أم أنَّ عيونكم لا ترى شيئًا ممَّا يقترفه داعمكم نتنياهو؟
لكن ثِقوا أنَّ الأهمَّ من ذلك كلِّه هو خريطة بلاد الشَّام الحديثة أمامكم…انظروا فيها مليًّا! لقد رسمتها مجموعة القوى العالميَّة الكبرى مع القوى الإقليميَّة في هذه المنطقة قبل مئة سنة تقريبًا…وأيُّ تعديل فيها لا يخضع لرعونة نتنياهو وأعوانه من المقنَّعين بالعروبة وألقابها وإنَّما يخضع للتَّوازنات الجيوسياسيَّة ذاتها…وما تزال هذه التَّوازنات قائمة….والكيِّسُ الفطن يتَّعظ باستفتاء كوردستان الَّذي لم يستفد منه القائمون عليه شيئًا..وإنَّما شغلوا الرَّأي العالميَّ أسبوعًا أو أسبوعين، ثمَّ سلَّموا بالواقع الجيوسياسيِّ القائم، الَّذي لن يستطيع لا عزمي بشارة ولا مظلوم عبدي ولا حكمت الهجري إن يُعدِّلوا فيه شيئًا حتَّى وإن وقف خلفهم نتنياهو وخامنئي معًا…ويكفيك عزيزي القارئ أن تعود لتتأمَّل في مرآة فيلسوف الهند الحكيم ومرآة معن بن زائدة ومرآة (المفكِّر العربيِّ)!