حين جدّ الجد… اصطفّ الجميع خلف “إرهابييهم”
العلمانيّ أكثر تطرفًا دينيًا من المتديّنين، والملحد مؤمن بالرئاسة الروحية أكثر من شيخ العقل نفسه، والمثقّف أكثر رجعية

بلال الخلف – العربي القديم
عندما أصبحت البلاد على حافة الانفجار، وبدت نُذر الخيانة واضحة كالشمس في رابعة النهار، لم يتردد أحد من الأطراف المتناحرة في الاصطفاف صفًا واحدًا خلف زعيمهم الطائفي، رجلهم الذي يحمل في يده فتيل الخراب… وقفوا جميعًا خلف الهجري، دون استثناء: متدينون، علمانيون، مثقفون، ثوريون، فلول النظام، المؤمن والملحد، كلهم على قلب خيانة واحدة.
كان المشهد عبثيًا بامتياز: العلمانيّ أكثر تطرفًا دينيًا من المتديّنين، والملحد مؤمن بالرئاسة الروحية أكثر من شيخ العقل نفسه، والمثقّف أكثر رجعية من البدو في عزّ صحراويتهم كما يصفونهم. لم يتجرأ أحد على توجيه نقد حقيقي أو لوم صريح للهجري، رغم وضوح الجريمة وهشاشة الادّعاءات التي ساقوها لتبرير خيانته.
وفي مشهدٍ آخر يفيض بالكرامة، وقف شاب سوري وطني مثل ليث البلعوس، شجاعًا، نقيًا، صادقًا، ليعلن أنه تحت جناح الدولة، جندي من جنودها، لا يتخفّى خلف العناوين الطائفية ولا يبيع الشرف على موائد الأعداء. كيف لشعب أن يُنكر الاحترام لرجل مثله، بينما يبارك لشيخ عقل مزيّف، تاجر حشيش وكبتاغون، وعميل يرهن طائفته وأرضه مقابل دور بطوليّ مزيف مرعيّ من إسرائيل؟
في المقابل، كانت ساحتنا مفتوحة على كل الاحتمالات: نقاش، جدل، تحليل، تشرذم، انقسام، لوم، تخوين… كل فرد عندنا يتقمص دور الخبير الاستراتيجي، والكل يطالب بقرارات “مفصّلة” على مقاس مزاجه. الكل يريد أن يكون الحاكم والمحلل والمحاسب، بينما العدو موحّد، يصفق لبطلهم حتى ولو غرق في مستنقع الخيانة.
نعم، لو كان فينا بقية من وعي أو نضج، لكان الردّ حاسمًا وموجعًا. لكن المقاطعة يجب أن تكون للمجرمين، للمتورطين، للذين باعوا البلاد والعباد. أما الشعب المسكين، الفقير، المقهور، الذي يعاني من بطش زعاماته كما نعاني نحن، فله منا كل العون والتقدير. هؤلاء ليسوا خصومنا، بل ضحايا مثلنا في وطن مُثقل بالخيانة والخذلان.
ورغم أننا لا نعمّم، إلا أن الصمت الذي التزموه جميعًا – من يسارييهم إلى وطنييهم المزعومين – كان صوتًا صريحًا لدعم الهجري. لم ينظروا إلينا إلا كخطر داهم: دواعش، مغول، تتار… بينما رموزهم فوق النقد وفوق المساءلة.
فليظلوا مستقلين، كما ادّعوا، في عزلتهم، فالوطن لا يحنّ للخناجر المغروسة في ظهره. وليحرس الأردنيون حدودهم جيدًا، فقد أصبح المهرّب “الروحي” أكثر خطرًا من كل عصابات الكبتاغون.