رائد الفارس: رائدٌ وفارسٌ من كفرنبل
كان اسماً على مسمّى، فقد كان رائداً في أفكاره، وفارساً في مواقفه
بلال الخلف – العربي القديم
في ساحات الثورة السورية، يبرز اسم رائد الفارس كواحد من رموزها البارزين، فارساً من كفرنبل، التي لطالما كانت منارة للثورة ومنبرًا لصوتها الحر. الحديث عن رائد، ليس مجرد استعادة للذكريات، بل توثيق لمسيرة إنسان آمن بأن الكلمة والفعل، يمكن أن يكونا سلاحين في مواجهة الظلم والاستبداد.
رائد الفارس، كان اسماً على مسمّى، فقد كان رائداً في أفكاره، وفارساً في مواقفه. هو ذلك الشاب الذي حمل كفرنبل وهمومها في قلبه، وجعل منها لوحة ناطقة، تعبر عن أوجاع السوريين وآمالهم. وعلى الرغم من وجود خلافات في بعض الوقفات أو المواقف معه، إلا أن تاريخه المليء بالعطاء، يجبرنا على الوقوف إجلالًا واحترامًا له.
منجزات خالدة
رائد لم يكن مجرد ناشط، بل كان مؤسساً وبانياً لأدوات الثورة. أحد أبرز إنجازاته كان تأسيس “المكاتب الثورية URB”، التي لم تكن مجرد مشروع عابر، بل مؤسسة احتضنت في إحدى مراحلها أكثر من 400 موظف من مختلف التخصصات، موفرةً فرص عمل ومساهمة في بناء مجتمع متماسك، يسعى للنهوض رغم الحرب والدمار.
كما أطلق إذاعة “راديو فرش”، التي أصبحت صوتًا حقيقيًا ينقل معاناة السوريين، ويكسر جدار الصمت والتضليل الإعلامي. كانت الإذاعة منصة حرة للثوار والمظلومين، ونافذة يرى العالم من خلالها حقيقة ما يحدث في سوريا.
ولم يكتفِ رائد بالعمل ضمن حدود كفرنبل، بل كان بمثابة سفير غير رسمي للثورة السورية. استطاع بناء علاقات قوية مع الغرب، ناقلًا صورة حقيقية عن المجازر والانتهاكات التي تعرض لها السوريون. كان يجوب المؤتمرات والفعاليات الدولية، متحدثًا بلسان وطنه ومطالبًا بالدعم والإنصاف.
الصدمة برحيله
في لحظة قاسية ومفجعة، طالته يد الغدر، لتخطفه منا وتترك فراغاً كبيراً في مسيرة الثورة السورية. اغتيل رائد الفارس في عملية وحشية، لم تكن تستهدف شخصه فقط، بل كانت محاولة لإسكات صوته، الذي كان يصدح بالحق والحقيقة. رحيله كان صدمة للثورة وأبنائها، فكيف يمكن لكفرنبل أن تفقد فارسها الذي كان يحمل همومها، ويقاتل لأجلها بالكلمة والموقف؟
لم يكن اغتيال رائد مجرد جريمة عابرة، بل كان رسالة تخويف لكل من يحمل شعلة الحرية، لكن ما لم يفهمه القتلة أن رائد قد ترك إرثًا خالدًا، وأن فكره وأفعاله ستظل حية في قلوب من آمنوا بما آمن به، وستكون كلماته قوة تدفع الثورة إلى الأمام.
فارس الكلمة والموقف
رائد الفارس، كان شخصية نادرة تجمع بين الجرأة والبساطة، لم يكن مجرد ناشط يردد الشعارات، بل كان رجل أفعال، يضع المبادرات، ويبني المشاريع، ويكرّس حياته لخدمة قضيته، رغم التحديات والاختلافات، لم يتخلَّ يومًا عن إيمانه بالحرية والكرامة، وظل حتى اللحظة الأخيرة حاملًا لواء الثورة.
كفرنبل، التي عرفناها بلوحاتها الجدارية الساخرة والمعبّرة، كان رائد الفارس جزءًا من روحها النابضة بالحياة والأمل، كان أحد شبابها الذين كتبوا التاريخ بدمائهم وأفعالهم، وجعلوا منها رمزًا عالميًا للثورة.
إرث لا يُمحى
إن الحديث عن رائد الفارس، ليس مجرد تخليد لذكراه، بل دعوة للأجيال القادمة للاقتداء بنهجه. لقد علّمنا أن الثورة ليست فقط صراعًا ضد الاستبداد، بل هي بناءٌ لمستقبل أفضل. رائد، بفروسيته وريادته، ترك إرثًا خالدًا من الإنجازات والدروس، وجعل من اسمه عنوانًا للصدق والإخلاص.
سيبقى رائد الفارس حاضرًا في ذاكرة الثورة، كفارسٍ حقيقي، حمل همّ وطنه حتى النهاية، وترك لنا رسالة بأن النضال يستمر، والكلمة الصادقة أقوى من أي سلاح.
_________________________________________
من مقالات العدد الثامن عشر من (العربي القديم) عدد الاحتفال بالنصر، الخاص بشهداء ثورة القرن – كانون الأول/ ديسمبر 2024