سوريا بين التعافي البطيء وصخب النقد: دعوة للوعي لا للفتنة
بين طرفَي النقيض، تضيع الحقيقة، وتُشوَّه الصورة أمام المواطن العادي، فيفقد ثقته بالحكومة، ويتراجع الدعم المعنوي الذي تحتاجه الدولة

محمد الشيخ علي – العربي القديم
منذ سقوط نظام بشار الأسد، وما تبعه من تفكيك للمؤسسات العسكرية وإعادة تأهيل المؤسسات المدنية، تمر سوريا بحالة تعافٍ بطيء، يُدرك الجميع أسبابه. فالدمار الهائل والفساد المتجذر الذي خلّفه النظام السابق ألحق أضرارًا جسيمة في البنية التحتية، وأدى إلى عجز شبه كامل في مختلف القطاعات. هذا إلى جانب العقوبات الدولية، التي ورغم تعليق بعضها أو رفعها جزئيًا، لا تزال قائمة بفعل البيروقراطية التي تحكم أروقة المجتمع الدولي.
اليوم، وسوريا بأمسّ الحاجة إلى الدعم، سواء المعنوي من أبنائها في الداخل والخارج، أو المادي عبر الاستثمارات وأموال المغتربين، يبدو واضحًا أن الطريق نحو إعادة البناء ليس معبّدًا بالكامل. فالأخطاء والتجاوزات موجودة في كل دول العالم، وربما تكون أكثر وضوحًا في سوريا نظرًا لظروفها الاستثنائية كبلد خارج من حرب مدمّرة تُقارب في أثرها الحروب العالمية.
لكن ذلك لا يبرر التقاعس أو التغطية على الفساد أو الظلم. يجب أن تتم المحاسبة، ويجب أن يكون النقد وسيلة للإصلاح لا للتحريض أو بث الفتنة. النقد البناء ضرورة، أما التربص والتشهير فهما عبء يضاعف الأزمات ويضعف الروح الوطنية.
الانتقاد بين الإصلاح والتأليب
مع توفر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي – والتي عملت الحكومة الجديدة على تأمينها – باتت الساحة مفتوحة أمام مئات الأصوات المنتقدة، بل المهاجمة والمحرضة، والتي لا تكتفي بإبداء الرأي، بل تصل إلى الشتم والتحريض على أجهزة الدولة والمجتمع.
في المقابل، هناك أصوات وطنية من أبناء الثورة، تُعبر عن خشيتها من غرق السفينة، وتطرح انتقادات بهدف الإصلاح والمساءلة. ولكن بين طرفَي النقيض، تضيع الحقيقة، وتُشوَّه الصورة أمام المواطن العادي، فيفقد ثقته بالحكومة، ويتراجع الدعم المعنوي الذي تحتاجه الدولة في هذه المرحلة الدقيقة.
والمفارقة أن كثيرًا من الأصوات المحرضة اليوم لم يكن لها أي حضور في سنوات الحرب الطويلة، حين كان السوريون يتعرضون للقصف والخطف والانتهاكات. أما اليوم، فتجدهم يستخدمون أقسى الألفاظ ضد المسؤولين الحاليين دون رادع أو محاسبة.
الإعلام والوعي ضرورة لا ترف
من الضروري أن تعمل الحكومة، إلى جانب المثقفين والمؤسسات الإعلامية، على تعزيز الوعي العام عبر الإعلام، الندوات، والمراكز الثقافية، خاصة أن المجتمع السوري قد خرج من حرب أثّرت عليه نفسيًا واجتماعيًا.
كما ينبغي على وزارتي الداخلية والدفاع محاسبة العناصر المسيئة، وإحالتهم إلى محاكم علنية، والاستعانة بكل الضباط المنشقين الذين لم تتلطخ أيديهم بدماء الأبرياء، للمساهمة في بناء جيش وأجهزة أمن تليق بتضحيات السوريين.
وفي تصريح حديث، كشف وزير الإعلام حمزة المصطفى عن وجود أكثر من 300 ألف حساب وهمي على وسائل التواصل الاجتماعي، تُدار من أربع دول رئيسية، وتبث أخبارًا مضللة وخطابات تحريضية تستهدف المجتمع السوري.