سورية الحلم (4) أمنيات وفرضيات حول العملة الجديدة

مصعب الجندي – العربي القديم
خبر انتظره السوريون طويلاً لأنه يمسّ حياتهم بلحظتها ومستقبلها، وكعادتنا نتداوله بحيث كل يذهب مذهبه في بلد منهك، بعضنا يدعو للتفاؤل فرحاً، والبعض للتشاؤم وغالباً ما بينهما شيء من التعقل. ولما كنت لا أصنف بين الباحثين والمفكرين في السياسة والاقتصاد وعلماء الاجتماع لأني مجرد حالم بصفات متناقضة لأنشئ وطناً بالحلم، ولو كان كبرق خاطف، أكتفي هنا بمجرد أمنيات وفرضيات يُفترض أن السلطة قد أخذتها بعين الاعتبار حين الاعداد لطرح العملة السوريّة الجديدة، التي يُفترض أيضاً أن تكون جزءاً من سياسة نقدية واضحة المعالم بعد استلام خزينة خالية من القطع النادر وضعف واضح بالسيولة النقدية بالليرات السورية، وعدم السيطرة على حجمها.
لا جديد أن السياسة النقدية حيّز هام من بنية وحركة الاقتصاد الكلي. وأفترض هنا أن حملة الشهادات العليا من الاقتصاديين على دراية كاملة أن الاقتصاد الحرّ لا يعني ترك جزئيات الاقتصاد تعمل بغير ضوابط وبرامج لأنها ذات أثر واسع الطيف على ما نطلق عليه (قوى الدولة الشامل أي اقتصاد، سياسة، أمن، مجتمع…). أبقى بالأمنيات والفرضيات، فرحاً أو تشاؤم:
أولاً_ لا شك أن التخلص من صورتي المقبور والهارب على العملة أمرٌ يجب أن يتم ويتحقق، لما سيشكله من راحة نفسية وسياسية لعموم السوريين، إلا إذا كان المطلوب هو البصاق عليها قبل تداولها وحينها سوف تتلف سريعاً. لكن الاستبدال هنا يفترض المعرفة بحجم الكتلة النقدية المطلوب طرحها في الأسواق والتداول بما يضمن تحقيق سيطرة غير مباشرة على سعر صرف العملات مقابل الليرة، ودراسة جميع الاحتمالات وانعكاسها، سلباً أو إيجاباً.
ثانياً_ طبيعي أن إزالة الأصفار يعطي سهولة بالتداول كما أفادتنا في ذلك تجارب دول أخرى (تركيا) مع فترة تترافق فيها العملتان لحين تعود الناس على الجديدة، وسحب القديم منها، وبما يضمن الكتلة النقدية المتناسبة مع حاجة الأسواق مع ضبط أسعار السلع والخدمات، وللسلطة هنا تجربة ناجحة حين تم رفع رواتب العاملين في الدولة والمتقاعدين ولم يصاحب ذلك ارتفاع في الأسعار التي استمر ارتباط أغلبها مع أسعار العملات الأجنبية، أي ارتباط مع المستوردات. الإشارة هنا ضرورية أن سوريا ما تزال بعيدة عن صادرات توازي وتتوازن مع المستوردات وما كان انخفاض سعر الدولار بعد التحرير إلا نتيجة الراحة بالتداول بدل السريّة والخوف والأتاوات التي كان يفرضها زبانية النظام البائد، عدا عن اعتماد شريحة واسعة من السوريين على حوالات أقربائهم المغتربين لإعانتهم في الحياة، لكنها حالات غير كافية على المدى الطويل لاستمرار التوازن في سعر القطع النادر.
أخيراً_ وليس آخراً فما يمكن أن يذكر هنا الكثير، لكنها أمنية الأمنيات: ما يزال الواقع السوري مفتوحاً على الاحتمالات لأننا أمام حالات السلطة والسياسة، وليس الدولة بمعناها المتكامل والمترابط والمتشابك والمتبادل التأثير كحلقة واحدة (مجتمع، اقتصاد، سياسة، ثقافة، أمن…..) فنحن أمام واقع يفرض ولا يُفترَض فقط وجود دراسات شاملة له وفق قواعد بيانات رقمية واضحة وصادقة بعد مسح ودراسة الحالة السورية الراهنة، وأن لا تستمر سوريا كما أرادها المجرم حافظ الأسد (الرقم المثقوب)، حينها يكون الحذر هو سيد الأداء، وحينها نقول (لقد أعقلنا وتوكلنا).