المقترح الوطني: شعارات قديمة تتجدد أم خطوة نحو الحقيقة؟
الشعب السوري لم يُستشر أبداً في أي قرار استراتيجي، ولا تزال مؤسسات الدولة بعيدة عن تلبية احتياجاته الفعلية

نوار الماغوط – العربي القديم
عاد إلى الساحة السياسية السورية مؤخراً ما يُسمّى بـ”المقترح الوطني”، الذي اقترحه الأستاذ عدنان عبد الرزاق في منشور له على صفحته الشخصية على فيسبوك. يقوم المقترح على تأجيل أي توقيع على اتفاق مع إسرائيل لحين استشارة الشعب وتحميله تبعات القرار. على الورق، يبدو هذا التوجه خطوة عقلانية ووطنية، لكنه عند التدقيق يعيد إنتاج خطاب مألوف استخدمته النخبة السورية منذ عقود: شعارات وطنية ومقاومة، دون أي خطوات ملموسة نحو حلول حقيقية.
التاريخ السوري الحديث يقدم دليلاً قوياً على هذا النهج. في التسعينات، كان فاروق الشرع، وزير الخارجية السوري، يكرر أمام الإسرائيليين أن سوريا لن تتنازل عن شبر من أرضها، بينما نقل خالد بكداش عن حافظ الأسد قوله: “اقلَع حنجرتي ولا أوقّع اتفاقاً مع إسرائيل.” رغم كل هذه الشعارات، بقي الجولان محتلاً، وغاب الشعب السوري عن أي مشاركة فعلية في صنع القرار، لتحويل القضية الوطنية إلى أداة لبقاء النظام السياسي القائم بدلاً من تحقيق مصالح المواطنين.
المقترح الوطني الحالي يبدو استمراراً لهذا النهج. الفكرة الجوهرية تقول إن المسؤول السوري يجب أن يستشير الشعب قبل أي قرار، لكن هذا الاستشارة غالباً ما تكون مجرد غطاء لمماطلة سياسية. الشعب السوري لم يُستشر أبداً في أي قرار استراتيجي، ولا تزال مؤسسات الدولة بعيدة عن تلبية احتياجاته الفعلية. النتيجة كانت سنوات من الجمود على الورق، مقابل خسائر هائلة على الأرض: تهجير جماعي، حروب متواصلة، انهيار اقتصادي وفقدان الحقوق الأساسية. تحميل الشعب تبعات قرارات لم يكن له فيها أي دور، لا يضيف سوى مزيد من المراوغة السياسية، بينما يبقى القرار الحقيقي بيد قوى محلية وإقليمية ودولية.
أي مقترح وطني اليوم يجب أن يُقاس بمدى قدرته على إعادة السلطة للشعب وتقديم حلول واقعية، وليس مجرد رفع شعارات. للأسف، المقترح الحالي يفتقر لكليهما: رفع شعار “استشارة الشعب” دون آليات واضحة للمشاركة الحقيقية يبقى خطاباً جميلاً على الورق، لكنه بلا تأثير عملي. الشعارات التقليدية مثل “لن نتنازل عن الأرض” أو “القرار للشعب” لم تحقق سوى تثبيت حالة الجمود، وتحويل النقاش السياسي إلى جدل عقيم ، مع استمرار الشعب خارج دائرة القرار.
الطريق الوطني الحقيقي لا يمر عبر الشعارات المكررة، بل عبر بناء مؤسسات دولة قوية وفعالة، ونظام سياسي يحترم مشاركة المواطنين في صنع القرار. في هذه البيئة، تصبح استشارة الشعب حقيقية وفعالة، ويصبح أي قرار بشأن الحرب أو السلام نابعاً من إرادة وطنية، لا من شعارات متكررة.
من المقترحات الجديرة بالنقاش إعادة هيكلة مؤسسات الدولة، بما في ذلك الدفاع والأمن. تحويل وزارة الدفاع إلى مديرية تابعة لوزارة الخارجية، يشكل خطوة لإعادة دمج السياسات الدفاعية ضمن استراتيجية وطنية واضحة تعتمد على القرارات السياسية لا البيروقراطية أو العسكرية . كما، يمكن إبقاء الوزارة كما هي مع تفويض إدارة شؤون الدفاع لشخصيات مدنية سياسيين، أدباء، أو رسامين أو موسيقيين كتجربة رمزية لإظهار أن الدولة ليست حكراً على الأجهزة العسكرية، وأن المشاركة في السياسة الدفاعية يمكن أن تشمل الكفاءات المبدعة المتنوعة..
“المقترح الوطني” كما هو اليوم قد يخفف الضغط الشعبي مؤقتاً، لكنه ليس خطوة نحو بناء سوريا مستقرة أو ديمقراطية. الحل الحقيق يجب أن يركز على جوهر الإصلاح السياسي والمؤسسي، بعيداً عن العناوين الجذابة وإعادة تدوير خطاب الممانعة البعثي. الشعب السوري يستحق أكثر من الشعارات، ويستحق دولة تحترم إرادته، وتعمل من أجل مستقبله.