"ولفي" يسحر الدمشقيين بإبداع الحمويين.
العربي القديم – متابعات:
في صيف آب اللهاب، كان الدمشقيون والنازحون السوريون في دمشق من أبناء باقي المحافظات، على موعد مع معرض فريد من نوعه… استضافته صالة زوايا في منطقة القصاع – برج الروس
وبحسب تقرير لرويترز فإن المعرض الذي يحيي حرفة يدوية شهيرة في مدينة حماة، هي فن الطباعة على الأقمشة، “يهدف إلى تسليط الضوء على انسجام التراث الأصيل للثقافة السورية ويأتي بالتعاون بين مشروع “ولفي” الثقافي وغاليري زوايا في دمشق وهو من إنجاز الحرفي حسان حوا وطلابه.
الحمويون الذين جُبلوا على حب الحياة المزركشة أسوة بجمال مدينتهم التي زركشتها الطبيعة قبل أن يقسوا عليها حثالة البشر، ابتكروا هذه الحرفة القديمة التي كان يستخدمها أصحاب الإمكانيات المتواضعة لتصميم أغطية الطاولات والأسرّة والستائر الملونة وتزيينها بالرسوم الطباعة.
الباحثة والصحفية اللامعة سعاد جروس قصدت منذ سنوات مدينة حماة التي ينحدر منها زوجها، لتلتقي هناك بآخر حرفي في المدينة المسكونة بجراح الماضي، إنه حسن حوا الذي يمارس مهنة الطباعة على القماش بقوالب خشبية…. وعلى مدار عدة لقاءات وزيارات ولدت فكرة المشروع الذي أطلقت عليه اسما معبراً هو “ولفي”.
تقرير رويترز ترجم اسم المشروع إلى “صديقي” لكن الولف هو أكبر من صديق، وكذا كان اهتمام سعاد جروس بولفها أو بمشروعها هذا. مزيج من السحر والافتتان والحرص الذي يصنع للمشروع أبعاداً حقيقية. تحض الروح السورية الأصيلة على إحياء فنونها. وبعث مكامن الجمال والتميز التراثي فيها.
حافظ المشروع على روح الطباعة العفوية من دون تصميمات أو مخططات رسم مسبقة. وبعث الرسوم الحموية التقليدية حية على الملابس النسائية والرجالية والشالات والأكياس القماشية… واستعانت بورشات عمل تَعَثَّرَ عملها من أجل أن يجعل منها شبكة متكاملة في خط إنتاج يدوي تراثي مشغول بتفاصيل سورية مترعة بالبساطة والجمال.
أحيت سعاد جروس عبر مشروعها (ولفي) ولف القلوب والوجدان، وأخرجت موديلات عربية قديمة كان يلبسها أبناء المنطقة كي تعيدها إلى الحياة بروح عصرية لا تفسد مناخها التراثي الأخاذ… واستطاع المشروع أن يضيف للرسوم التقليدية الحموية التي تتم طباعتها على الأقمشة 11 رسماً مستوحى من التراث اللامادي بمحافظة حماة صممها وطورها الفنان التشكيلي بطرس المعري.
ويحقق مشروع (ولفي) في معرض هذا العام تقدماً هاماً، فبعد وجوده في المعارض السابقة ليكرس حالة الرسوم الطباعية على الأقمشة والملابس وأدوات البيت، يذهب في مشاركته هذه ليطبع على العديد من مصنوعاته نصوصاً ونقوشاً جديدة في تجربة لم توجد سابقاً، وهي الفكرة التي لاقت الكثير من الاهتمام.
وقالت منسقة مبادرة ولفي سعاد جروس لرويترز: “إنتاجنا الآن ليس بشروط طبيعية، ولا تسويقنا بشروط طبيعية ولا شيء من هذا. نحن الآن نحاول أن نبقى على قيد الحياة”. وتابعت جروس “مهنة الطباعة على القماش عريقة في مدينة حماة، وهي تعود إلى مئات السنين، وهي متكاملة مع صناعة النسيج التي كانت مزدهرة في حماة حتى ثلاثينات القرن العشرين”.
ويحاول الحرفي حسن حوا، صاحب آخر مشغل للطباعة الحموية في سوريا، الحفاظ على هذا النشاط التراثي من خلال إنتاج مطبوعات على الأوشحة والقمصان وحقائب اليد وغيرها. وقال حوا “الخط الخارجي (التصدير) انقطع بشكل كامل. ولا نجده في الأعمال إلا ما ندر، فقط إذا كان أي من زبائننا يريد اقتناء هدية نشتغلها له تحت الطلب”.
وأضاف “مشروع ولفي كان ممتازاً، أعاد تنشيط عملي، وصار هناك خط خارجي بسيط وخط للطبقة المخملية التي كانت معروفة في هذه الحرفة”. وتابع القول “مهنتي لا تحتاج إلى شراء شيء. كل شيء أصنعه بيدي. الزخارف أنا أرسمها على الخشب. والخشب حصراً إجاص (شجر إجاص) أو جوز، لأنهما قاسيان ويعيشان مدة طويلة”.
وأضاف حوا متأثراً “أعشق هذه المهنة ولا أستطيع أن أبقى من دونها. عندما لا يكون لدي عمل أقوم بطباعة بضع قطع، فقط حتى تبقى وتيرة العمل مستمرة”. وانخفض الطلب على منتجات الطباعة الحموية بشدة بسبب تراجع السياحة وتصاعد التهديدات بتحول حرب غزة إلى صراع أوسع في المنطقة.
يضم المعرض الذي أقيم لمدة أسبوع بين الخامس والتاسع من آب/ أغسطس الجاري، مجموعة من المنتجات التراثية المنوعة والمصنوعة من الطباعة الحموية المميزة بطريقة تناغمت فيها العناصر التقليدية والمعاصرة، وأظهرت المواهب الفنية لشباب حماة المبدعين وسواهم ممن يعانون في سوق العمل المتعثر على خلفيات الفساد المستشري في البلاد ورهن مقدرات الاقتصاد لروسيا وإيران.