غسان عبود ووزير الإعلام: حلقة عادية تكشف غير العادي
أليس من العيب أن ندافع بشراسة عن وزير أحرج السوريين مراراً وتكراراً؟ ألم نخرج بثورة أساسها تمزيق عباءة المسؤول حين يخطئ؟

بلال الخلف – العربي القديم
حلقة جديدة من برنامج «على الطاولة» مع الإعلامي معاذ محارب جاءت على عادتها مشاكسة، خصوصاً حين يكون الضيف هو غسان عبود. فمن يعرفه يدرك أنه صريح إلى حد الخشونة أحياناً وسليط اللسان جداً لا يخجل من كلمته سواء كانت له أو عليه، لكنه لا يتردد في طرح ما يراه، حتى لو صدم البعض.
في الجانب الاقتصادي، وجّه عبود انتقاداته إلى التوجه نحو المستثمر الخليجي وإغفال المستثمر السوري، مشيراً إلى وهم كثير من مذكرات التفاهم التي لم تتجاوز الورق. كما ذكّر بما يسعى كثيرون لتجاوزه: ضرورة محاكمة رجال أعمال الدم المرتبطين بالنظام السابق، لا إعادة تلميعهم و(أبناء حمشو خير مثال).
ومما لا شك فيه حين نتحدث عن هذه النقطة لابد أن نتوقف عند توقيع مذكرة تفاهم مع شركة “المها الدولية” لإنشاء مدينة “بوابة دمشق” الإعلامية، التي وقعت مع مستثمر خليجي في تموز/ يوليو الماضي، دون أي إعلان أو مناقصة، والتي قال الوزير المصطفى إنها ستكون أول مدينة متكاملة للإنتاج الإعلامي والسينمائي والسياحي في البلاد، باستثمار يُقدّر بـ 1.5 مليار دولار، وعلى مساحة تقارب مليوني متر مربع في دمشق وريفها… فيما يقول العارفون بالأمور أنها مازلت حبرا على ورق، ولم توضع لها أي مخططات تنفيذية ولم يدق مسمار واحد في بنائها، ويذهب بعض المشككين – الذي يراهنون على الزمن في كشف المشاريع الخلبية- بأنها لن ترى النور أبداً على حد زعمهم!!!
أما في الشق الإعلامي، فقد أطلق الرجل ملاحظات لا يمكن إنكارها. تحدّث عن المعدات المتقادمة، وعن مراسلات رسمية وجّهها لوزارة الإعلام للتبرع بمعدات من قناة أورينت لصالح الإخبارية، من دون أن يتلقى حتى رداً بالقبول أو الرفض. هنا بدت ملامح الفجوة بين ما يُعلن من شعارات وبين ما يُدار فعلياً.
غير أن النقطة الأكثر إثارة كانت عند الحديث عن خمسة الأشهر التي غابت فيها القناة بعد التحرير، لتعود بتاريخ 5/5 بانطلاقة وُصفت بأنها جديدة وعصرية. لكن الواقع كشف أن الأمر لم يتعدَّ جدران خشبية رتّبها نجار، بينما بقيت المعدات كما هي ولا نتحدث هنا عن البرامج والنهج فهي برأي انجاز من صانعيه. وهنا يطرح غسان، كما نطرح نحن، سؤالاً مشروعاً: ما الذي كان يدور في تلك الأشهر إذا لم يتغير شيء جوهري؟
الحرية في الإعلام – كما يجب أن نفهمها – لا تختصر ببرنامج مثل «على الطاولة»، ولا بمواد عاجلة تنقل تصريحات الوزراء. الحرية تعني أن تكون هناك إدارة سياسية واعية تفهم طبيعة الحرب الإعلامية التي نخسرها يوماً بعد يوم.
ولعل ما أثار الاستغراب بعد الحلقة لم يكن ما قيل على الطاولة، بل حملات الدفاع المستميت عن الوزير حمزة المصطفى من موظفي المحور القطري، وكأن المسألة معركة مصير شخصي لا نقاش إعلامي. أليس من العيب أن ندافع بشراسة عن وزير أحرج السوريين مراراً وتكراراً؟ ألم نخرج بثورة أساسها تمزيق عباءة المسؤول حين يخطئ؟ غسان قد يكون أخطأ بحدّة لسانه، لكن لماذا هذه المبالغة في مهاجمته؟ اعتبروه مثل ما حدث سابقاً بين حمزة ونور سليمان، قصة عابرة لم يلتفت لها أحد منكم أيها المدافعون، فلماذا اليوم تُحوَّل ملاحظة إعلامية إلى قضية كبرى؟ المسألة أبسط من كل هذا التشنج.
الحقيقة أن القناة عادت بفضل الله ثم بجهد العاملين فيها، وعلى رأسهم المهندس محمد يعقوب العمر وزملاؤه، لا بفضل وزير ما زال يتعثر من أزمة إلى أخرى.
أنا هنا لا أتبنّى كلام غسان عبود كله، ولا أضع الوزير في خانة الاتهام المطلق. لكن من واجبي أن أقول بصدق: الإعلام السوري اليوم بحاجة إلى مراجعة جادة، ولعل أن تصل رسالتي إلى السيد الرئيس نفسه، بألا يُبقي في هذا الموقع من لم يثبت قدرته على إدارة معركة إعلامية تليق بتضحيات السوريين.