الرأي العام

في المسألة الطائفية: شهوة النصر المتخيل

بقلم: توفيق الحلاق – العربي القديم

تطفو على السطح قصص مجتزأة من التاريخ وقصص مجتزأة من الحاضر. وفي الحالين يُلوى عنق الحقيقة بهدف تحقيق نصر مُتخيل لطائفة على أخرى بل والدعوة إلى إبادتها . تذكروا دعوة ماهر الأسد إلى قتل ثلثي سكان سوريا ليعود عددهم إلى ثمانية ملايين كما كانوا يوم اغتصب والده السلطة، وبالطبع فهو يقصد إبادة السنة.

 تذكروا دعوات بعض السنة لإبادة العلويين والشيعة. تذكروا أيضا استحضار قصص مجتزأة تعود إلى نشأة الشيعة الأولى والعلويين ومايقال عن تعرضهم لمجازر على يد السنة، وتذكروا قصص تشييع أهل امبراطورية فارس ( أقصد مايسمي بالصفويين) بالقوة الغاشمة والمجازر لأهل السنة. تذكروا أن الكلّ يستحضر تاريخا بعضه أشبه بالأساطير منه إلى الحقائق.

عندما استشهد ابن أختي الطبيب الذي لم يمسك يوما بندقية تحت التعذيب، تصورت أن أبناء أختي الأكبر والذين يؤيدون الأسد أنهم سينفَضون عن السفاح ويلوذون بالثورة بعدما لمسوا بأعينهم وسمعهم تلك الجريمة المروعة بحق ابن خالتهم ورفيق عمرهم. طبعا عائلتنا تنتمي إلى السنة. وتخيلت أن حفيد أخي الأكبر سوف يكفر بالأسد الذي يعمل عنده شبيحا. بالمناسبة فإن أخي الأكبر كان لا يغادر المسجد إلا ليعود إليه، وكان طاهرا مثل ملاك، وأن والد أبناء أختي من أنبل الناس وأكثرهم تدينا. وللأسف فإن أبناء أختي وحفيد أخي لايزالون يرقصون ويهتفون للسفاح.

صديقي الأغلى العلوي ومنذ لحظات الثورة الأولى، انضم إلى السفاح فجأة وخرج مع عائلته ليشارك في مظاهرة تهتف للأسد الذي كان يعاني الأمرين من شبيحته في الساحل. فيما انتفض الأستاذ الدكتور علي وطفة  وفؤاد حميرة وسامر رضوان ولويز عبد الكريم وعلا عباس وأسماء كبيرة وكثيرة للوقوف مع الثورة بالرغم من أنهم كانوا في حال ميسورة ولا يتعرضون لمضايقات مهمة من السلطة.

لو أخذنا عدد اهل السنة وبقية الطوائف التي وقفت ضد الثورة لوجدنا العلويين والشيعة يساوونهم في العدد. الأحداث التي رتبها النظام وروج لها مع بداية الثورة كان هدفها تقسيم المجتمع إلى سنة وعلويين. سنة يحقدون على كل علوي. وعلويون يعيشون هاجس الانتقام من كل سني . مع بداية الثورة أيضا قال لي أحد بسطاء العلويين: أنا لا أجرؤ على الركوب في التكسي خشية أن يكون السائق مندسا. أجبته : لكنك كنت تركب كل يوم مع المندسين قبل الثورة؟ ابتسم وهو يرتجف وقال: هيك مايقولولي!

 عبر التاريخ لم تستطع طائفة إبادة طائفة ولن تستطيع في المستقبل. الطائفية ليست حال قدرية وإنما هي صناعة سياسية. لم يك النبي محمد  رسول طائفة  بل رسولا كونيا كما كان حال المسيح وكل الأنبياء . المستفيد من الطائفية هم السلاطين والمتضرر منها هو نحن الشعب. المسألة الطائفية لن تأخذنا إلى حلمنا في دولة الحرية، بل إلى مستقبل تغشاه الدماء ويسوده أمراء الحروب وسلاطين الجهل. دعونا من التاريخ الأسود ومن الحاضر الأسود فكلاهما من صنع الطغاة، ولنستشرف المستقبل الذي نسوده نحن الشعب الواعي بالرغم من قسوة اللحظة الراهنة.

زر الذهاب إلى الأعلى