وفد طبي سعودي في الجنوب التركي من أجل السوريين: علاج للأبدان أم للنفوس؟
العربي القديم – بقلم: فطيم دناور
الشعوب كالأفراد تحبّ وتألف، تشتاق وتعتب، تتعب وتيأس، إن جرحت عاتبت بشدة، وإن غُدرت حاسبت بشدة، وإن أحبّت أحبّت بشدة، متطرفة في أحاسيسها كلّها، تسري فيها المشاعر كما يسري تيار كهربائي في وسط مائي.
وقبل وصول الوفد السعودي الممثل لمركز الملك سلمان للإغاثة، نشر الإعلامي جميل الحسن على صفحته فيديوهات تظهر ردود فعل الأهالي وهم يستلمون رسالة تبين قبول ولدهم أو بنتهم في العلاج لزرع قوقعة بالتنسيق مع مؤسسة الأمين، لكنّ المقاطع اجتزأت بحيث عرضت صراخ الأهالي ودموعهم بل انهيارهم فرحًا، من دون أن يظهر محتوى الرسالة للمتابعين في حركة تشويقية فتحت أبواب التخمينات على متابعيه، فمن قائل قبلوا في وفد الحج لهذه السنة، وآخر توقع أنه يبشرهم ببيت بدل الخيمة، وثالث تنبأ بأمر جلل… وقد كان.
ثم علم الجمهور المتلهف أن مركز الملك سلمان للإغاثة أرسل طاقمًا طبيًا كاملًا مؤلفًا من أطباء وممرضين وأخصائيي نطق لإجراء عمليات زراعة قوقعة لثلاثين طفل مولودين بدون تلك القوقعة، تم اختيارهم من قبل مؤسسة “الأمين” وفقا لمعايير اتبعتها تلك المؤسسة، مع العلم أن كلّ عملية من هذه العمليات تتجاوز تكلفتها خمسة عشر ألف دولار أمريكي، وهو مبلغ لا يمكن لمواطن سوري دفعه في شمال البلاد أو جنوبها، مع أهميتها وخطورتها على حياة طفلهم وحياتهم.
ولم تطأ أقدام الأطفال تراب الأراضي التركية مجتازةً المعبر بتاريخ 23-4-2024 حتى كان الوفد السعودي بانتظارهم، يحفهم بترحاب وحنوّ فاق كلّ تصوّر، وقد اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد ذلك اللقاء الحار بين الوفد من جهة، والأطفال وأمهاتهم والوفد الإعلامي المرافق لهم من جهة ثانية، افتتح ذلك الاستقبال بكلام خبيرة النطق السيدة أشواق القحطاني، التي ما فتأت تردد عبارة “نحن على الحدود السورية، شعور لا يوصف”، أما دكتور التخدير “أسامة ناقرو” فقد لاذ بدموعه جانبًا لكن كاميرا جميل الحسن لاحقته والتقطت تلك اللحظة من المشاعر الأخوية والإنسانية، تلك ظن الشعب السوري لسنوات أنها لم تعد موجودة تجاهه، فغصت الكلمات في حلقه وامتنع عن الحديث إلا بجملة “الحمد لله، شعور لا يوصف”.
وقد بذل الوفد بكامل طاقمه جهدًا جبارًا بدءًا من إعدادا الطفل النفسي قبل العملية، ثم مرافقته إلى غرفة العمليات، ثم إجراء العلمية، انتهاء باختبار نجاحها وتجاوب الطفل لها، وثق ذلك كله بمقاطع فيديو غطت الحدث تغطية شاملة، نشرها الإعلاميّان جميل الحسن وهادي العبد الله على صفحتيهما، وصفحة تلفزيون سورية.
وفي كلّ مرحلة كان يرافق الأطفال وأمهاتهم، فيض من الحنوّ والرفق من قبل ذلك الطاقم، نقل الأطفال وأمهاتهم بعيدًا عن أجواء القهر والهم والخوف، فقد يكون عمل الوفد اعتياديَا تنفذ فيه الفرق المكلفة من قبل مركز الملك سلمان أنشطتها الإنسانية والإغاثية حول العالم، لكنّ عملهم هذه المرة كان استثنائيًا في كلّ شؤونه: استثنائيّ في وقته، واستثنائيّ في مكانه، واستثنائيّ في أفراده.
ولا يخفى على أحد ما يعانيه السوريون في شمال سورية من قصف يومي من نقاط النظام، ووطأة النزوح والفقر والشعور بالغبن والخذلان، يضاف إلى إغلاق الحدود عليه إغلاقًا، حوّل الشمال إلى منفى جبري، يحظر على السوري مغادرته. ومع هذ الحال وضعف الحيلة، كان قدوم هذا الوفد بمثابة فريق نجدة فكّ الحصار عن القلوب قبل الأجسام، فقد أظهرت لحظات اللقاء بين الأهالي والإعلاميين من جهة، وأعضاء الوفد من جهة ثانية لهفة وشوقًا حرّكت مشاعر السوريين في كل مكان؛ فتفاعلوا مع الحدث، تفاعل الشاكر الممتن للفريق وللسعودية وملكها وولي عهده، كما بدا ذلك الشعور جليًا في كلام الإعلاميين السوريين الذين غطّوا الحدث.
وكانت أكثر اللحظات ترقبًا وإثارةً تلك التي يجلس الجميع لانتظار استجابة الطفل للصوت بعد العملية، فقلوب الأمهات ومعها قلوب الحاضرين هناك، وكل من يشاهدهم لدى الحناجر، حتى إذا أبدى الطفل تجاوبا طارت القلوب فرحا بهذا الإنجاز.
ولا يسعني ختاما إلا أن أعبر عن شكري لأعضاء الوفد ومن خلفه للسعودية وقيادتها بالقول:
لقد أسمعت إذ ناديت حيًا ولكن لا حياة إن لم تنادِ