الرأي العام

بصمات | لا تترك الأمل يغادرك

د. علي حافظ

تشعر في كثير من الأحيان أن هناك سجون لا مرئية تنتظرك في كل مكان تذهب إليه؛ وكل حارس فيها يحاول إدخالك إلى سجنه الخاص، ومن ثم الإغلاق عليك إلى الأبد.. لا أحد يريد أن يتركك على راحتك وحريتك وعفويتك.. لا أحد يدرك بأن الحرية هي أغلى شيء بالنسبة للإنسان؛ الذي يعرف بالطبع ما يبتغي وما يحتاج وما يختار. وبالتالي، فهو ليس بحاجة إلى تذكيره في كل لحظة بواجباته، وبما عليه أن يفعل. فأنت مهما حاولت وعملت “فلا يمكنك منع الناس من التفكير فيما يريدون” – كما يقول فريدريك شيلر!

عندما تذهب إلى الطبيب لتشتكي له مرضك، يقوم بمعالجتك.. يكتب لك الدواء؛ وإن لم ينفعك ترجع إليه ليكتب لك دواء آخر… وهذا يعني أنه لا يوجد طريق واحدة، ولا حل أكيد ثابت، ولا مرجع أبدي.. دائماً هناك بدائل؛ دائماً هناك أمل!!

كم هو جميل الإحساس بأنك إنسان، بأنك مخلوق حر تملك إرادتك وقرارك، وغير مطالب في النهاية بالتخفي والتمويه والمراوغة.. يقول راينر ماريا ريلكه في كتابه “التواجد هنا رائع”: “كل يوم هو بداية الحياة، كل حياة هي بداية الخلود”؛ لذلك ما عليك سوى أن تأحذ زمام المبادرة، وتنطلق عابراً الآفاق. وإذا لم تعرف فاستعن بما كتبه بيسوا:

“أعبر، أيها الطير، أعبر

وعلمني كيف يسعني العبور”

مهما حاولت، فلا يمكنك البقاء بداخلك، والمحافظة على نفسك كشخص نظيف نقي متفرد.. عليك أن تتلوث بالحياة؛ إذ لا يوجد غيرها، وعلينا أن نعيشها بحلوها ومرها، بحزنها وفرحها، بفشلها ونجاحها… نحن لا نملك مكاناً آخر نذهب إليه، ولا خياراً آخر يناسبنا سوى مواصلة الكفاح للبقاء في هذا العالم، وترك الآثار التي لا تمحى!

امضِ في طرقات حياتك ولا تلتفت للوراء، أو تدع الماضي يكبلك بسلاسله الفجائعية.. اسمع دوستويفسكي الذي يقول: “ولأننا نعرف أنّ السنوات مجرّد أرقام، وأنّ العُمر شيء والحياة شيء آخر، لا نشتهي مزيداً مِن العمر، وإنّما نشتهي مزيداً مِن الحياة”.

ابحث عن نفسك داخل قطعانه البشرية؛ فإن لم تجدها، فهذا يعني أنك تسير في الدرب السليم. ثم التزم أمراً واحداً: عليك ألا تقدس الأشخاص وأصنامهم الفكرية والسلطوية، فهذا “هو أحد أسوأ أنواع الوثنيات البشرية، ومن بقايا عصر القفص عصر عبودية الإنسان. تقديس السلطة وليد الخوف، وهو شعورٌ يستحقُّ الاحتقار” – كما يؤكد الفيلسوف كارل بوبر!

كن فراشة؛ وتنقل بين المصابيح المضيئة، بين همسات وضحكات البشر السهرانين، بين موت الحياة وولادتها من جديد.. لا تختفي مع طلوع الفجر، وحلق في سماء الإثارة المنبعثة من روح الماء. فقريباً ستتذوق طعم الحب من رأس النبع الصافية قبل أن يصبح مدفوع الأجر في بيوت الدعارة…

ارفع نخبك لتعانق لحظات السعادة النادرة ندرة الوفاء والإخلاص على هذه الأرض.. اسمع الموسيقى وارقص واعشق حتى تصبح روحك خفيفة كذرات الضباب ومصقولة كمرايا الألوان القطبية. هنا يكمن الجنون؛ و”لكن في الجنون هناك شيئاً من الحكمة” – كما يقول الفيلسوف نيتشه!

ربما “الحياة الآن لا يحكمها مفهوم الحق والباطل ولا مفهوم الأخلاق والمبادئ والمثل العليا… الحياة يحكمها مفهوم القوة والضعف… الذكاء والغباء… التكيف أو الاندثار… فحقك لابد أن تأخذه بالقوة والذكاء والتكيف مع الواقع… فقد تطورنا عبر ملايين السنين من كائنات تفترس بعضها البعض مادياً إلى كائنات تفترس بعضها مادياً ومعنوياً ونفسياً وحقوقياً أيضاً” –  كما يعبر الفيلسوف والروائي الإيطالي أمبرتو إيكو. لكن، لا تترك الأمل يغادرك، فهو “كالملح، لا يغذي لكنه يعطي للخبز طعماً”؛ لتقف احتراماً أمام جوزيه ساراماغو العظيم!

‫2 تعليقات

  1. “كل يوم هو بداية الحياة، كل حياة هي بداية الخلود”. كلام جميل يلخص فلسفة حياتنا بكل تناقضاتها.
    ” – وعلينا الا نترك الأمل يغادرنا فهو “كالملح لا يغذي لكنه يعطي للخبز طعماً” كما قال الفيلسوف والروائي الإيطالي أمبرتو إيكو. خالص مودتي

زر الذهاب إلى الأعلى