دلالات وقضايا | سوريُّون على مذبح المفاوضات النَّوويَّة: ملامح الشَّرق الأوسط مطلع 2025
مهنا بلال الرشيد – العربي القديم
في هذا المقال مشاهد جزئيَّة لصورة كبيرة، تُغري كلَّ مهتمٍّ بحلِّ الألغاز أن يبدأ بتركيبها في صورة واسعة، وسوف تكون المتعة مضاعفة إن كنتَ-قارئي الكريم-قد اطَّلعتَ على جَدَلِ هيغل وحديثه عن دورِ فائض القوى المتجادلة أو المتصارعة في تحريك عجلة التَّاريخ، وستكون القراءة أكثر إمتاعًا لو قرأتَ عن أفكار كارل ماركس المادِّيَّة ودورها في تحويل القوى الفاعلة إلى مادَّة أو رأسمال نستطيع إدارته أو استثماره في تحريك عجلة التَّاريخ لأغراض محدَّدة؛ كإنشاء بعض الدُّول والحركات والأنظمة الوظيفيَّة أو إزاحتها لإنشاء أشباه الدُّول وإعلاء شأنها؛ لتقوم بمهام وأدوار وظيفيَّة لا يستطيع غيرها أن يؤدِّيها، ولا شكَّ أن قدرتكَ على تركيب صورة لمستقبل المنطقة كلِّها مطلع 2025 ستكون أعلى لو كنتَ قارئًا ملمًّا بمجموعة من أفكار نعوم تشومسكي حول الدَّمج والتَّحويل؛ أي تحويل أيِّ شيء إلى شيء آخر، ودمج الأشياء المحوَّلة؛ لتؤدِّي أدوار وظيفيَّة متناغمة يعرفها مَن يمسك بزمام القوى الكبرى، ويوجِّها لتحقيق غاياته في هذا العالم الكبير؛ ولتركيب صورة المشهد-كما يبدو لي-مطلع 2025 سأطرح سؤالًا؛ كان رولان بارت قد طرحه من قبلي حين قال: من أين نبدأ؟
من نهائي مونديال قطر 2022 نبدأ
إن لم تكن نهاية الحرب العالميَّة الأولى 1918 جزءًا من المشهد، الَّذي سيتشكَّل مطلع 2025 لكنَّها ما تزال-من وجهة نظري-نقطةَ العَلَّام الَّتي ينطلق منها كلُّ قارئ حصيف لتقديم رؤيته حول المشهد، فما نهاية الحرب العالميَّة الثَّانية 1945 وإعلان قيام إسرائيل 1948 وعدوانها في نكسة حزيران 1967 وعدوانها على الفلسطينيِّين في غزَّة 2023-2024 إلَّا نتائج قريبة وبعيدة لإعادة ترتيب خريطة المنطقة ودولها وأشباه دولها وحركاتها الوظيفيَّة من أجل دفعِ عجلة التَّاريخ نحو الأمام بعد نهاية الحرب العالميَّة الأولى سنة 1918؛ وذلك من أجل الخلاص من حالة الاستعصاء الكبرى في هذه المنطقة أمام الشَّعب السُّوريِّ الثَّائر ضدَّ حكومة عائلة الأسد المجرمة وأمام الدُّول العظمى الطَّامحة بتحويل مفاعل إيران النَّوويِّ إلى مفاعل نوويٍّ سلميٍّ، وكان واضحًا-بالنِّسبة لي-أنَّ اجتماع عدد كبير من قادة المنطقة وزعماء العالم لحضور نهائي المونديال الَّذي فازت الأرجنتين بكأسه على حساب فرنسا في قطر 2022، سيتلوه اجتماعات سياسيَّة متعدِّدة بعد مباراة حاسمة من مباريات كرة القدم، سيعقدها مجموعة من القادة المؤثِّرين والشَّخصيَّات الَّتي تؤدِّي أدوارها الوظيفيَّة للاعتراف بحالة العجز أمام الاستعصاء الكبير في ملفِّ إيران النَّوويِّ وملفِّ الشَّعب السَّوريِّ الثَّائر، ثمَّ تقييم حالة الاستعصاء هذه، واقتراح الحلول أو اجتراحها، وفي المحصِّلة كان المجرم بشَّار الأسد والنِّظام الإيرانيُّ أبرز المستفيدين من حالة الاستعصاء الطَّويلة لكسب الوقت واللَّعب على أحوال الدُّول العظمى والمجاورة والاستفادة من الانتقال السِّياسيِّ المرتقب في كثير منها؛ مثل: أمريكا وتركيا والسُّعوديَّة ولبنان وفلسطين والأردن وإسرائيل؛ لذلك كان لا بدَّ من حَدَثٍ مهمٍّ مثل طوفان الأقصى لكسر حالة الاستعصاء هذه، وإن لم يكسر الطُّوفان حالة الاستعصاء، وبعد أن استطاع نظام إيران ونظام بشَّار الأسد المجرم أن يركبا موجة بعيدة من موجات المقاومة؛ ليتاجرا بها دون الانخراط أو تقديم أيِّ تضحيات فيها، بعد تموضعهما في زاوية بعيدة لا يمكن لتأثير مروحة الطُّوفان أن تطالهما فيها، كان لا بدَّ من دفعة أخرى لتحريك عجلة التَّاريخ نحو إجبار إيران على الشُّروع بالتَّفاوض في ملفِّها النَّوويِّ قبل الانتخابات الرِّئاسيَّة المبكِّرة فيها، وقبل الانتخابات الرِّئاسيَّة الأمريكيَّة نهاية 2024 وبداية 2025، ولحصول هذه الانتخابات الرِّئاسيَّة المفاجئة والمبكِّرة في إيران كان لا بدَّ من أن يصدق تنبُّؤ ليلى عبد اللَّطيف حول سقوط مروحيَّة أو طائرة مهمَّة في الشّرق الأوسط، وسيكون لهذا السُّقوط دور مهمٌّ في تحريك عجلة التَّاريخ؛ وذلك لإمكان تحويل هذا السُّقوط لفائض قوى بسيط يمكن تسخينه وتسريعه بقوانين كيمياء السِّياسة ومكيانيك الفيزياء لدفع عجلة التَّاريخ والمفاوضات، بخلاف سقوط مروحيَّات أخرى بعيدة عن سياسة التَّسخين في ماليزيا أو اختفاء طائرات أخرى بعيدة عن ميكانيك الشَّرق الأوسط؛ أي في أقاصي إندونيسيا.
أبرز المُعزِّين العرب بوفاة رئيس إيران بعد نبوءة ليلى عبد اللَّطيف بسقوط مروحيَّته
لفتَ انتباه الشَّعب السُّوريِّ الثَّائر ضدَّ المجرم بشَّار الأسد ومجموعة كبرى من أحرار العرب الآخرين مسارعة أمير قطر تميم بن حمد بالسَّفر إلى إيران للتَّعزية برئيس إيران الَّذي مات مع وزير خارجيَّته عبد اللَّهيان ومجموعة أخرى من مرافقيه، وكان مفاجئًا للأحرار السُّوريِّين تعزية أمير قطر الشَّيخ تميم بن حمد بوفاة أكبر رئيس داعم للمجرم بشَّار الأسد، الَّذي تدعم قطر ثورة الشَّعب السُّوريِّ الحرِّ ضدَّه من خلال تأثيرها في الائتلاف السُّوريِّ المعارض ونفوذها الكبير في إعلام المعارضة السُّوريَّة، ويلفت انتباه القارئ المحلِّل الَّذي يعمل على تركيب أجزاء صورة المشهد الكبير برغم تداخلها سقوط هذه المروحيَّة وموت مَن فيها بعد شهور من تنبُّؤ ليلى عبد اللَّطيف بذلك، وبعد سنتين من اجتماع القادة بعد نهائي مونديال قطر بسنتين تقريبًا، ثمَّ يتناغم هذا المشهد الجزئيُّ في اللَّوحة الكبيرة بقدوم قيس سعيد رئيس تونس بوصفه رئيس أوَّل دولة من دول ثورات الرَّبيع العربيِّ للتَّعزية بوفاة رئيس إيران بوصفه رئيس أكبر دولة معارضة لانتصار آخر ثورات الرَّبيع العربيِّ وأهمِّها ضدَّ نظام بشَّار الأسد المجرم في سوريا.
بشَّار الأسد آخر الرُّؤساء المعزِّين بوفاة رئيس إيران
لم يبرِّر مرشد الثَّورة الإيرانيَّة علي خامنائي لبشَّار الأسد غيابه عن التَّعزية برغم مرض زوجته أسماء الأخرس وبرغم إرساله رئيس حكومته حسين عرنوس مع وفد رفيع وطويل وعريض مرافق له للقيام بواجب العزاء، ولم يشفع للمجرم بشَّار الأسد إعلان نظامه الحداد وإقامة مجالس العزاء في سوريا، الَّتي غضَّ المجتمع الدُّوليُّ طرفَه عن تغلغل الإيرانيِّين فيها من أجْلِ عرضِها على الإيرانيِّين مجدَّدًا مع لبنان واليمن وغزَّة والعراق مقابل تحويل مفاعلهم النَّوويِّ إلى مفاعل سلميٍّ بعد فتح أبوابه مرَّة جديدة أمام مفتِّشي وكالة الطَّاقة الذَّرِّيَّة؛ وهنا كان لا بدَّ للمجرم بشَّار الأسد-مثل غيره-من استشعار ما يدور حوله والسَّفر إلى إيران لتعزية مرشدها الطَّامع بتوريث إيران لابنه مجتبى من بعده، والحديث مع المرشد وابنه ورئيس إيران المؤقَّت حول نهاية نظام بشَّار الأسد المحتومة في سوريا إن لم تتنازل إيران في ملفِّها النَّوويِّ مقابل تمدُّدها في سوريا.
ملكان جديدان في السُّعوديَّة والأردن
تحظى حركة التَّحديث الَّتي يقودها وليُّ العهد الأمير محمَّد بن سلمان في السُّعوديَّة بإعجاب كثير من المتابعين في الشَّرق الأوسط والعالم، ويبدو أنَّ السُّعوديَّة ستشهد قفزة أو قفزات نوعيَّة كثيرة خلال مرحلة ولايته للعهد وخلال مرحلة حكمه في المستقبل، ويبدو استقرار وضع السُّعوديَّة على الصُّعُد كلِّها أكبر من أن يحاول نظام بشَّار الأسد المجرم أن يستثمر فيه لإطالة عُمْرِ نظامه السِّياسيِّ المجرم. وكذلك يتَّجه وليُّ العهد الأردنيُّ الأمير الحسين بن عبد الله الثَّاني لاستلام مقالد الحكم أو للاطِّلاع بأقصى المهام الَّتي يمكنه استلامها خلال ولاية العهد قبيل تنصيبه ملكًا على الأردن، وقد عزَّز دوره هذا وجود قيادة سعوديَّة طموحة وشابَّة تقود حركة التَّحديث بجواره في السُّعوديَّة بالإضافة إلى مقابلته الخاصَّة الأخيرة، الَّتي بثَّتها قناة العربيَّة، حيث ظهر في هذه المقابلة أميرًا شابًّا بإمكانه أن يقود الأردن في المستقبل، ويحافظ على أمنها. وأهمُّ ما يعني الشَّعب السُّوريَّ الحرَّ ألَّا ترخص دماء السُّوريِّين الأحرار ودماء أبنائهم على القادات العربيَّة الشَّابَّة في الشَّرق الأوسط، ويصبحوا مع شهدائهم ومستقبلهم ومستقبل أبنائهم مجرَّد ورقة تفاوض يمكن أن تطيل عُمْرَ نظام المجرم بشَّار الأسد لو لعب على بعض المتغيِّرات والمتناقضات مثل قبول إيران التَّفاوض في ملفِّها النّوويِّ، ومع أنَّني أميل إلى تفضيل الإيرانيِّين التَّنازل عن سوريا مقابل عدم التَّنازل عن مفاعلهم النَّوويِّ لكنَّني متأكِّد من رغبة المفاوض الإيرانيِّ بكسب الوقت من خلال استدراج المفاوض الغربيِّ والإعلان عن رغبته ببقاء المجرم بشَّار الأسد؛ وهذه مجرَّد مناورة معروفة يسعى الإيرانيُّون من خلالها لكسب الوقت وزيادة منسوب التَّخصيب لا أكثر، وأَفْضلُ شيء يعمله المفاوضان العربيُّ والغربيُّ هو الإطاحة بنظام المجرم بشَّار الأسد وتسليم سوريا لحكومة انتقاليَّة مع الحفاظ على أرضيَّة يمكن من خلالها السَّماح لإيران أن تستثمر فيها وفي لبنان أيضًا لو تنازلت في ملفِّها النَّوويِّ، ولا يخفى على المتابع أنَّ فرصة تنازل إيران في ملفِّها النَّوويّ-لو أرادت أن تتنازل-بعد زوال نظام بشَّار الأسد أكبر بكثير من فرصة تنازلها في حال بقاء نظام هذا المجرم الَّذي يساعدها بقاؤه على المناورة.
رؤساء جُدد وحكومات جديدة في إيران والعراق وسوريا ولبنان وإسرائيل
ما تزال الأرضيَّة السِّياسيَّة في لبنان مهيَّئة لتقديمه لإيران-كما كان دائمًا-على طبق من ذهب، وما زال المجلس النِّيابيُّ اللُّبنانيُّ ينتظر الإشارات الدُّوليَّة لانتخاب رئيس جديد للدَّولة خلفًا لميشيل عون أو لإجراء انتخابات برلمانيَّة جديدة بعد أن فضلَّ الشَّيخ سعد الحريريُّ تعليق عمله السِّياسيَّ بعد أن كان صاحب أكبر كتلة برلمانيَّة وازنة وفاعلة في لبنان، ولو دفع كلٌّ من طوفان الأقصى ومروحيَّة رئيسي باتِّجاه بعض الحلحلة في هذا الوضع المستعصي قد نشهد انتخابًا رئيسًا جديدًا للبنان أو انتخابات نيابيَّة جديدة أو مبكِّرة فيها خلال النِّصف الثَّاني من 2024 أو مطلع عام 2025. أمَّا في إسرائيل بعد فَشَلِ حكومة المجرم الآخر نتنياهو وتماديها في القتل والتَّدمير ستعلو في المرحلة القادمة فرصة حلِّ الدَّولتين، وأعتقد أنَّ أيَّ انتخابات نيابيَّة مبكِّرة في إسرائيل ستسفر عن فوز الأحزاب اليساريَّة والمعتدلة في إسرائيل، وسيكون للكتلة العربيَّة دور في الائتلاف القادم لو أجادت مع المعارضة الإسرائيليَّة تفنيد كذب نتنياهو، وحرمته من خِداع النَّاخب الإسرائيليِّ مجدَّدًا!
إذن؛ برغم استعداد كثير من دول المنطقة لانتقالات سياسيَّة فيها من لبنان حتَّى طهران، ما يزال الملفُّ النَّوويُّ الإيرانيُّ كُبرى المعضلات في الشَّرق الأوسط، وإن حرَّك طوفان الأقصى مع مروحيَّة رئيسي بعض المياه الرَّاكدة أو الآسنة في هذا الملفِّ، فلا شكَّ-عندي-أنَّ إزاحة نظام المجرم بشَّار الأسد عن الحكم من خلال تنبُّؤ آخر من تنبُّؤات ليلى عبد اللَّطيف سيدفع عجلة التَّفاوض الحقيقيِّ مع إيران قُدُمًا، ولا شكَّ عندي أنَّ انتحار المجرم بشَّار الأسد-لو حصل-على طريقة انتحار غازي كنعان قبله خلال هذين الشَّهرين؛ أي قبل انتخاب رئيس جديد لإيران سينعكس بكبرى الفوائد السِّياسيَّة على شعوب هذه المنطقة، وكبرى الفوائد الأخلاقيَّة والإنسانيَّة على الشَّعب السُّوريِّ الحرِّ تحديدًا؛ ولا شكَّ أنَّنا ننتظر قدوم شهور حُبلى بالأحداث والمفاجآت والتَّحوُّلات، وإن كانت الأجيال الجديدة في بعض الدُّول المجاورة تتنظر بشوق شديد وصول قياداتها الشَّابَّة؛ فإنَّنا-نحن أحرار سوريا-ما زلنا ننتظر خلاصنا من حُكم أقذر عائلة عرفها التَّاريخ!