تاريخ العرب

سليمان الحلبي بعد 224 عاماً: الفرنسيون يسمونه "المتعصب السوري" والعرب يعتبرونه بطلا قومياً

العربي القديم – خاص: 

رغم مرور أكثر من قرنين وربع على قصته، ما يزال سليمان الحلبي يشغل اهتمام الفرنسيين. العام الماضي (2023) نشرت صحيفة (لوموند) الفرنسية الشهيرة، تحقيقاً في جزئين بعنوان: “داخل عقل قاتل الجنرال الفرنسي كليبر” حاولت فيه قراءة شخصية الثائر السوري، الذي أطلقت عليه اسم “المتعصب السوري” وقبل ذلك بأعوام قليلة نشرت البي بي سي، تحقيقاً مطولا عن اعترافات سليمان الحلبي، ومحاكمته الوحشية التي أفضت إلى إعدامه بالخازوق بعد إحراق يده أمام الملأ، ثم حالت دون دفنه وأخذت هيكله العظمي وجممته لعرضها في متحف… كتعبير عن الوحشية الأوربية “المتحضرة”!

 وفي آذار/ مارس من العام الماضي… طالبت مجموعة سينمائية سورية من الشبان السوريين الذين يقيمون في فرنسا بالموافقة على دفن هيكل سليمان الحلبي مطلقين حملة في فرنسا لمطالبة متحف التاريخ الطبيعي بدفن رفات الحلبي اعترافاً بإنسانيته. (العربي القديم) تستعيد ملامح من قصة سليمان الحلبي واعترافاته في التحقيق التالي:

قصة ملهمة في اتجاهات متبانية

لقد ألهمت قصة سليمان الحلبي علماء القرن التاسع عشر والكتاب وصانعي الأفلام الأوائل في التاريخ، فقد قدمها الأخوان لوميير في فيلم بعنوان (اغتيال كليبر) يظهر فيه سليمان الحلبي بهيئة ملتح غدار يطعن في الظهر من أتى لتحريره… قبل أن يحولها القوميون العرب إلى رمز لنضالهم ضد الحكام الاستعماريين في القرن التالي، فتكتب عنها المسرحيات وتنتج عنها المسلسلات التلفزيونية.

القصة بدأت عام 1800، حين طعن الجنرال كليبر، أحد جنرالات حملة نابليون على مصر، طعن في القاهرة حتى الموت من قبل  شاب  سوري من حلب، وإذ يصر الفرنسيون على نفي صفة مقاومة المحتل الأجنبي، الذي جاء من الغرب يحمل إرث الحروب الصليبية وذاكرة مجازرها في أذهان الشرق على مقتل كليبر، فإن (لوموند) السائرة على النهج الفرنسي في النظر إلى سليمان الحلبي، تقول في تحقيقها المطول إن قصته “أثارت فضول العلماء وأذهلت المتعصبين” وهي تصف طلبها الإذن لرؤية هيكل سليمان الحلبي المحفوظ في متحف الإنسان، الذي قوبل في المرة الأولى بالرفض قبل أن تتم الموافقة عليه، تصفه على النحو التالي:

“تحرك للأمام بصمت، ساقاه مثنيتان قليلاً، وذراعاه على جانبيه. ولم يكن سليمان الحلبي يمشي بل ينزلق، ورقبته مربوطة بالمشنقة المعدنية التي جعلته منتصبا على عربة. شبكة من الأسلاك النحاسية التي اسودت بمرور الوقت كانت تربط عظام هيكله العظمي معاً. هذا الصباح، كان يرتدي فقط غطاءً شفافاً يحميه من الغبار في مخزن متحف الأنثروبولوجيا الفرنسي Musée de l’Homme، مكان استراحته الباريسية. كان لعظام الفخذ والساق والحوض وعظم الفك نفس الرقم المكتوب بالحبر الأسود الذي تم تخصيصه له منذ أكثر من قرنين من الزمان: 3065. ولم يكن هذا هيكلاً عظمياً عادياً، بل كان هيكلاً عظمياً لقاتل رئيس البعثة الشرقية الفرنسية، الجنرال جان بابتيست كليبر، في القاهرة عام 1800. ولم يكن الحصول على الإذن لرؤيته سهلاً… ففي ديسمبر 2022، تم رفض طلب (لوموند) الأول من قبل كريستين لوفيفر، مديرة المجموعات الطبيعية في المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي التي أكدت لاحقاً أن هذا القرار جاء بسبب عدم وجود “ضرورة مطلقة”. بعد التماس الإذن للمرة الثانية، منحت (لوفيفر) صحيفة (لوموند) حق الوصول بعد بضعة أيام لنرى بأنفسنا أن “الهيكل العظمي لسليمان الحلبي محفوظ جيداً في متحف الإنسان في بيئة تسمح بالحفاظ عليه في حالة جيدة بينما وضمان الكرامة التي يستحقها كل فرد.” ولتحسين فرصنا في مقابلة القاتل شخصيًا، اتفقنا منذ البداية على عدم تصويره” .

الرسم الذي نشرته لوموند لهيكل سليمان الحلبي في المتحف الفرنسي للتاريخ الطبيعي

كليبر المنتصر!

بدورها روت بي بي سي أسرار مقتل كليبر في مصر من خلال اعترافات سليمان الحلبي، في تحقيق نشر عام 2018 وأثار جدلا حول دوافع هذا الاغتيال… إذ تعد فترة تولي كليبر لقيادة حملة “جيش الشرق”، كما تصفها الوثائق الفرنسية، فترة بالغة الأهمية لما تنطوي عليه من ثراء المادة التاريخية والمراسلات العسكرية فضلا عن تنامي الأحداث خارجياً مع العثمانيين وانجلترا، وداخلياً في مصر لمقاومة الاحتلال الفرنسي للبلاد.

وقد سعى كليبر إلى التغلب على الصعوبات المالية والعسكرية والسياسية التي خلفها بونابرت، وأصبح موقفه مع بداية شهر يونيو/ حزيران 1800 شديد الحصانة على الجبهتين الداخلية والخارجية لاسيما بعد انتصاره على العثمانيين في معركة (هليوبوليس) وإخماده انتفاضة القاهرة الثانية التي انطلقت من حي بولاق، واستمرت قرابة شهر حتى تمكن كليبر من إجبار الثائرين على الاستسلام بعد ضرب أحياء القاهرة وإحراقها بمدافعه في 21 نيسان/ إبريل من الشهر ذاته. 

وتشير الدلائل التاريخية إلى أنه كان يسعى لحكم مصر لفترة أطول، لاسيما وقد تلاشت المصاعب التي كانت تدفعه دوما إلى الجلاء عن مصر، كحل الأزمة المالية بفرض غرامات على المصريين بعد انتفاضة القاهرة الثانية، وانتهاء تهديد العثمانيين لوجوده على أرض مصر بعد هزيمتهم، كما أصبح عدو الأمس، أي مراد بك زعيم المماليك، صديق اليوم بعد تحالفه معه… لكن كل هذه الآمال تبددت في لحظة اعتداء بخنجر نفذها شخص سوري من حلب يدعى سليمان أنهت حياة القائد العام لجيش الشرق عصر يوم 14 يونيو/ حزيران 1800، وغيرت مصير الحملة الفرنسية في مصر بأكلمه.

سليمان الحلبي يترصد ويقتفي الأثر!

كان كليبر ذهب في صباح ذلك اليوم إلى جزيرة الروضة لتفقد عرض عسكري لكتيبة من الأروام انضمت للجيش الفرنسي في مصر، عاد بعدها بصحبة المهندس المعماري “بروتان” لمتابعة أعمال ترميم مقر القيادة العامة ودار إقامته في الأزبكية الذي أصيب بأضرار خلال انتفاضة القاهرة الثانية، وانصرفا معا إلى دار الجنرال “داماس”، رئيس الأركان، لتناول الغداء مع مجموعة من القادة وأعضاء المجمع العلمي.

سليمان الحلبي يطعن كليبر بصحبه المهندس برونان – المصدر: DEAGOSTINI/GETTY IMAGES

كان  سليمان الحلبي يقتفي أثر كليبر منذ أيام، فقد رأوه في الجيزة يسعى إلى دخول مقر القيادة بحجة تقديم شكوى، لكن سكرتير كليبر الضابط “بيروس”،  رفض السماح له بالمقابلة. وفي صباح يوم الاغتيال تسلل وسط جماعة من الخدم ورآه الضابط “ديفوغ”، ياور كليبر الخاص، وحسبه من العمال لكنه ارتاب في أمره وأمر بطرده من الحديقة… وبينما كان كليبر وبروتان يسيران في الحديقة خرج عليهما رجل اقترب من كليبر مستجديا شيئا، فلم يخالج كليبرأي ارتياب من نوايا الرجل فمد إليه يده، فطعنه سليمان الحلبي طعنة في قلبه، وأسرع بروتان للإمساك به فكان نصيب المعماري ست طعنات سقط بها على الأرض. وعاد الحلبي إلى كليبر مرة أخرى وطعنه ثلاث طعنات للتأكد من قتله، على الرغم من أن الطعنة الأولى كانت القاضية على حياة الجنرال وفقا لتقرير كبير أطباء وجراحي الحملة الفرنسية “ديجنيت”.

تلقى أهالي القاهرة نبأ اغتيال كليبر بخوف وحذر من ثأر الفرنسيين، بينما تلقاه الفرنسيون بحزن وحذر من اندلاع انتفاضة ثالثة من الأهالي، وساءت الحالة المعنوية في الجيش فور إعلان نبأ اغتيال كليبر كما يتضح من وصف شاهد عيان هو الضابط جوزيف ماري مواريه في “مذكرات عن حملة مصر” التي نشرها عام 1818، والتي يقول فيها:

“أي غم وأسى أصابنا حينما علمنا بنبأ وفاة كليبر مغتالا بيد آثمة. ولو أن أبا عزيزا علينا هو الذي فقدناه ما كنا بكيناه بالمرارة التي بكينا بها هذا القائد العزيز صديق الجنود. من لنا بخليفة بمثل قدره يكن لنا نفس القدر من الود كهذا القائد الكريم؟ أين نجده؟”

اغتيال كليبر كما صوره الرسام الفرنسي أنطوين جين جروس، في لوحته المحفوظة بمتحف ستراسبورج التاريخي

القبض على سليمان الحلبي

هدد الفرنسيون بالثأر وإحراق المدينة انتقاما لمقتل قائدهم، وأُطلقت دوريات عسكرية للبحث عن الجاني. وبعد ساعة واحدة، عثر الجنود على سليمان الحلبي مختبئا خلف جدار في حديقة مجاورة، وعثرا على الخنجر الذي طعن به كليبر وبروتان مدفونا في المكان وعليه أثر دماء، وتعرّف عليه بروتان بعد وضعه وسط مجموعة من العمال بغية التأكد من عدم الخلط بينه وبين شخص آخر.

بدأت التحقيقات مع الحلبي وتعذيبه للاعتراف ومعرفة دوافعه وتبين أنه طالب من حلب، 24 عاما، اسمه سليمان والده تاجر يدعى محمد أمين، غادر سوريا وذهب إلى القدس وحضر خصيصا إلى القاهرة  التي كان قد درس في جامعها الأزهر لمدة ثلاث سنوات، تمهيدا لقتل كليبر بتحريض من ضباط في الجيش العثماني.. حسبما زعمت الاعترافات المنتزعة فرنسياً. وتشير التحقيقات إلى أن الحلبي نفذ عملية الاغتيال بمفرده واكتفى بكشف مشروعه لأربعة من طلاب الأزهر يثق بهم هم : محمد الغزي وعبد الله الغزي وعبد القادر الغزي وأحمد الوالي، الذين حاولوا منعه من تنفيذ خطته.

نصوص من التحقيقات والاعترافات

تشكلت محكمة عسكرية يومي 15 و 16 يونيو/ حزيران 1800 للنظر في القضية، ونُشرت تفاصيل التحقيقات في قضية مقتل كليبر بثلاث لغات، الفرنسية والتركية والعربية، وحملت النسخة العربية نصا اسم “مجمع التحريرات المتعلقة إلى ما جرى بإعلام ومحاكمة سليمان الحلبي قاتل صاري عسكر العام كلهبر”، وهي نسخة كتبها مترجمو الحملة أنفسهم ونُشرت بمطبعة الجمهورية الفرنسية في مصر عام 1800، اعترف فيها الحلبي بتفاصيل الخطة كهذا المقتطف المنقول نصه من التحقيق الأول معه):

” ُسئل كم يوم له في مصر؟ فأجاب أن له واحد وثلاثين يوما، وأنه حضر من غزة في ستة أيام على هجين. انسأل لأي سبب حضر من غزة، فجاوب لأجل يقتل صاري عسكر العام (قائد الجيش). انسأل من الذي أرسله لأجل يفعل هذا الأمر، فجاوب أنه أُرسل من طرف أغات الإنكشارية وأن حين رجعوا عساكر العثملي من مصر إلى بر الشام أرسلوا إلى حلب بطلب شخص يكون قادر على قتل صاري عسكر العام الفرنساوي، وأوعدوا لكل من يقدر على هذه المادة يقدموه في الوجاقات (الجنود) ويعطوه دراهم ولأجل ذلك هو تقدم وعرض روحه لهذا”.

لم يكتف الفرنسيون باعترافات الحلبي في التحقيق الأول، بل أعادوا طرح الأسئلة في تحقيق ثان بعد مواجهته بالشهود وتكرار الأسئلة كما في المقتطف النصي المنقول من الترجمة العربية لوقائع التحقيقات:

“سئل المذكور على قصة قتل صاري عسكر، فأجاب أنه حضر من غزة مع قافلة حاملة صابون ودخان وأنه راكب هجين… ثم أن أحمد أغا وياسين أغا أغوات الإنكشارية بحلب وكلوه في قتل صاري عسكر العام بسبب أنه يعرف مصر طيب بحيث أنه سكن فيها سابق ثلاثة سنوات وانهم كانوا وصوه أنه يروح يسكن في جامع الأزهر وأن لا يعطي سره لأحد كليا بل يوعى لروحه ويكسب الفرصة في قضي شغله لانها مادة تحب السر والنباهة ثم يعمل كل جهده حتى يقتل صاري عسكر.”

وأضافت وثائق التحقيقات : “سأل هل يعرف الخنجر ملغمط دم الذي به قتل صاري عسكر، فجاوب إنه يعرفه وأن هذا هو بذاته الذي قتل به صاري عسكر. انسأل من أين أحضر هذا الخنجر وهل أحد من الأغوات أعطاه له أم أحد خلافهم، فجاوب أن ما أحد أعطاه له وإنما بحيث أنه كان قاصد قتل صاري عسكر، توجه إلى سوق غزة واشترى أول سلاح شافه”.

تنفيذ الحكم كما وصفه الجبرتي

أسفرت التحقيقات عن توجيه اتهام للحلبي والأزهريين الأربعة الذين أفضى إليهم بعزمه على تنفيذ خطته، رغم إنكارهم، وشخص آخر يدعى “مصطفى أفندي البرصلي” وهو تركي ومعلم سابق للحلبي، وطلب القاضي “سارتلون” من المتهمين أن يستعينوا بشخص يدافع عنهم أمام المحكمة، فلم يستطيعوا فندبت المحكمة المترجم “لوماكا” للدفاع عنهم. وحكمت المحكمة بإحراق اليد اليمنى لسليمان الحلبي وإعدامه على خازوق مع ترك جثته للطير، وإعدام شركائه بقطع رؤوسهم وإحراق جثثهم بعد تنفيذ الإعدام ومصادرة أموال المتهم الهارب عبد القادر الغزي، وبراءة مصطفى البرصلي وإطلاق سراحه.

وصف المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي، في كتابه “عجائب الآثار في التراجم والأخبار” وقائع محاكمة الحلبي كما شاهدها بنفسه ومما قاله الجبرتي:

“ألّفوا في شأن ذلك أوراقا ذكروا فيها صورة الواقعة وكيفيتها وطبعوا منها نسخا كثيرة باللغات الثلاث الفرنساوية والتركية والعربية… لتضمينها خبر الواقعة وكيفية الحكومة إصدار الحكم، ولما فيها من الاعتبار وضبط الأحكام من هؤلاء الطائفة الذين يحكمّون العقل ولا يتدينون بدين، وكيف وقد تجارى على كبيرهم ويعسوبهم رجل آفاقي أهوج وغدره، وقبضوا عليه وقرروه (من الفعل أقرّ)، ولم يعجلوا بقتله وقتل من أخبر عنهم بمجرد الإقرار بعد أن عثروا عليه”.

ويقول الجبرتي إن حكم الإعدام نُفذ قبل مراسم تشييع كليبر، في حين تقول الوثائق الفرنسية إن تنفيذ الحكم جاء بعد مراسم دفن القائد الفرنسي.

مراسم دفن كليبر وإعدام سليمان الحلبي

بعد انتهاء المحاكمة وفي صباح 17 يونيو/حزيران 1800 أعلنت سلسلة من طلقات المدفعية بداية المراسم الجنائزية لتشييع جثمان كليبر في مشهد مهيب، أوردته صحيفة الحملة الفرنسية “كورييه دي ليجيبت” تحت عنوان “مراسم تأبين الجنرال كليبر” في عددها رقم 72 وقد أوردت الصحيفة نص الكلمة التي ألقاها جوزيف فورييه، المندوب الفرنسي لدى الديوان بتكليف من الجنرال مينو الذي تولى قيادة الجيش بعد مقتل كليبر، والتي تنعي القادة الذين سقطوا خلال الحروب خارج حدود فرنسا، مخاطباً كليبر بعد ذلك بالقول:

” أما أنت يا كليبر، يا موضع تبجلينا وحزننا في هذا الاحتفال الذي لن تحضر بعده، فلترقد روحك في سلام أيها الشهم العزيز وسط آثار المجد والفن، لتسكن الأرض الشهيرة على مر العصور. ولينضم اسمك لقائمة تضم أسماء جيرمانيكوس وتيتوس وبومبيه والعديد من القادة والحكماء ممن تركوا مثلك على هذه الأرض ذكريات لن تمحى”.

وأشار الضابط مواريه في مذكراته إلى أن بعض الشائعات راجت بأن هذه المراسم الجنائزية لكليبر مجرد خدعة كما يلي :

“على الرغم من الدلائل القاطعة على موت كليبر، كان ثمة أصحاب تفكير غريب أو مغرض يروجون أن هذه المراسم هي مجرد خدعة، وأن الجنرال رحل إلى فرنسا، كما خطط في السابق، وأن نعشه الفارغ ما حُمل في هذا الموكب المهيب إلا لتغطية فراره”.

وبعد مراسم دفن كليبر بدأت مراسم إعدام سليمان الحلبي، وقُطعت رؤوس الأزهريين أمامه، ثم أحرقت يده وأُعدم على الخازوق، وسرعان ما تفرق الحاضرون بعد هذا المشهد وظل الحلبي على قيد الحياة لمدة أربع ساعات، وما إن غادر الجميع حتى أعطاه جندي فرنسي كأس ماء يشربه عجل بموته في الحال، حسبما أشار المؤرخ الفرنسي هنري لورنس في دراسته “الحملة الفرنسية على مصر وسوريا”.

ضم الطبيب الفرنسي لاريه، من أعضاء المجمع العلمي، جثمان سليمان الحلبي إلى مجموعته الخاصة، وعرض جمجمته على طلبة الطب ودراستها لعدة سنوات قبل أن ينتهي بها المطاف للعرض في متحف الإنسان بقصر “شايوه” في باريس.

أحمد مرعي مجسدا دور سليمان الحلبي في المسلسل الذي أنتجه تلفزيون دبي عام 1976

استلهم العديد من الفنانين والكتاب العرب سيرة سليمان الحلبي في مسلسلات وأعمال تلفزيونية وسينمائية، كان أبرزها مسرحية سليمان الحلبي للكاتب المصري ألفريد فرج التي صدرت طبعتها الأولى في القاهرة عام 1965 وصدرت في طبعات لاحقة متعددة في دمشق وبيروت، ومسلسل (سليمان الحلبي) الذي كتبه الكاتب المصري الشهير محفوظ عبد الرحمن، وأخرجه عباس أرناؤوط ولعب بطولته الممثل الراحل أحمد مرعي، وأنتجه تلفزيون دبي عام 1976

بجل المصريون والعرب سليمان الحلبي وحفظوا ذكراه، فقد أطلق اسمه على عشرات الشوارع في سوريا ومصر والعديد من البلدان العربية، كما حمل اسمه اسم جوامع شهيرة منها جامع سليمان الحلبي في مدينة بورصة التركية. 

زر الذهاب إلى الأعلى